امتحان القتال: الهدنة التي بعده

الهدنة

عاموس هرئيل

حينما بدأت المرحلة البرية من القتال في غزة في ليلة 17 تموز، تخلفت ساعة عمليات الجيش الاسرائيلي وراء الساعة السياسية، وكان الجيش يملك وقتا محدودا لعلاج الانفاق الهجومية على طول الحدود التي هي هدف العملية المعلن. وكان فرض المخططين أن تُحرز نتائج في غضون بضعة ايام وأن تأتي بعد ذلك بوقت قصير الاتصالات السياسية لهدنة دائمة. لكن الواقع انقلب الآن، فقد أصبح الجيش الاسرائيلي بحسب طريقته، قريبا من إنهاء العثور على الانفاق وتدميرها في المنطقة التي سيطر عليها في غضون ايام معدودة. لكن في الساحة السياسية، لا يسرع الوسطاء المصريون بصورة خاصة. وكما بدت الامور أمس ستضطر اسرائيل في بداية الاسبوع القادم أن تقرر هل تنسحب من غزة دون تسوية (وأن تعلن أن استمرار اطلاق القذائف الصاروخية سيُرد عليه بهجمات قاسية من الجو) أم تنتظر وقواتها في الداخل حتى احراز الحل في القاهرة. ويكمن الخطر الرئيس الآن في سكون الوحدات المنتشرة في الميدان وفي جهود حماس في الأساس لخطف جندي قبل انسحاب القوات.
اذا كانت توجد مقارنة تخرج قادة العملية عن طورهم فهي المقارنة بين غزة في 2014 ولبنان في 2006. فالذي يثير ذكر تلك الحرب يلقى فورا هجوم تفسيرات مدروسة تُبين لماذا لا توجد ولا يمكن أن توجد أية مشابهة، فالجيش الاسرائيلي تقدم في الحقيقة في مجالات كثيرة: فالوحدات أكثر تدريبا مما كانت قبل ثماني سنوات؛ والتعاون بين قوات المشاة والمدرعات والهندسة أفضل؛ وارتفع سلاح الجو الى درجة اخرى في القدرة على الهجوم ومساعدة القوات البرية، وارتقت «أمان» درجتين بالامداد بالمعلومات الجاهزة الفورية للقوات؛ وأصبح المقاتلون أقل بلبلة وأكثر تسليما بأهداف الحرب.
ومع ذلك كله يوجد شيء ما مشترك بين الحربين، يتجاوز العمليتين اللتين كانتا أقصر في غزة: عمود السحاب والرصاص المصبوب. وهذا هو الادراك الذي أخذ يصاغ الآن كلما طالت المعركة الحالية، وهو أن التحديات الامنية التي تواجه اسرائيل أخذت تزداد تعقيدا برغم تضاؤل تهديد حرب تقليدية مع دول تستعمل جيوشا. ولم يعد من الممكن أن نرى المواجهات الدورية في غزة جولات عنف بقوة محتملة نسبيا (لمن ليس من سكان الجنوب أو ليس له إبن يقاتل في القطاع). إنها معارك لها تأثير ملحوظ في الوضع الامني للدولة وفي الاقتصاد والفرض المعقول هو أن تنفجر مرة كل وقت العداوة الأساسية لمنظمات كحزب الله وحماس لاسرائيل وتفضي الى حرب. ولا يمكن أن نتجاهل أيضا ما يفعله اللقاء مع القوة العسكرية الضخمة التي استعملتها اسرائيل مع تأثيراتها القاسية، في الجيل الفلسطيني الذي هو أصغر سنا في القطاع.
تتعلق المدة بين حرب وحرب بالطبع بأضرار القتال وبالردع الذي يُحرز على إثرها. لكن يحسن أن نعود ونذكر بأن الردع ليس نتيجة معلومات دقيقة. ويجب أن يتذكر من يتمدح الآن بالردع الاسرائيلي لحزب الله على إثر الحرب بأن سنوات الهدوء الثماني على الحدود الشمالية أسهمت في جوانب اخرى عدا الدمار في لبنان، منها: خشية اسرائيل من أضرار صواريخ حزب الله، وغرق المنظمة الشيعية في الحرب في سوريا ورغبة ايران في الحفاظ على استخدام حزب الله اذا ما اضطرت الى الرد على هجوم جوي اسرائيلي على منشآتها الذرية.
هل يوجد حل عسكري مطلق لتهديد حماس؟ يحسن أن ينتبه من يدعو الآن الى احتلال القطاع كله الى التحفظ الواضح لرئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الاركان من الفكرة. ويمكن أن نفرض أن ذلك ليس فقط نتيجة خشية من انتقاد الجمهور للتورط بل نتيجة فهم لتعقيد المهمة. ودون أن نتناول الآن الاختلاف في مسألة هل يمكن احراز اتفاق دائم بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية في الضفة، يصح في غزة قول موشيه ديان في تلك الخطبة التأبينية الشهيرة لروعي روتبرغ عضو كيبوتس ناحل عوز في 1956: إن المواجهة مع حماس هي «قَدَرَ جيلنا» ولذلك فان «خيار حياتنا» أن نكون مستعدين ومسلحين لمواجهة التهديد الى أن يثبت خلاف ذلك.
والادراك الثاني الذي يشتق من ذلك هو أنه يحسن ألا نُجر وراء أوهام النصر المطلق التي سيحاول الساسة والضباط أن يبيعونا إياها اذا حدث انسحاب من القطاع قريبا. يوجد في الجانب الايجابي من ميزان الحرب انجازات القبة الحديدية الاعتراضية، وتدمير أنفاق الهجوم وشجاعة وتضحية المقاتلين والقادة ايضا كما هي الحال في معارك اسرائيل كلها. وينبغي ألا نتجاهل ايضا التفهم الذي يبديه المعسكر العربي المعتدل لمحاربة اسرائيل لحماس. وفي جانبه السلبي: القطيعة التي أخذت تزداد حدة مع ادارة اوباما، والعلاج البطيء الفاشل حتى اليوم لتهديد الانفاق، والتجسيد الاضافي لمحدودية الجيش البري في مواجهة عدو يختبيء بين سكان مدنيين سيضطر الجيش الاسرائيلي الى أن يدخل مسارا عميقا من التحقيق واستخلاص الدروس. وكما صاغ ذلك أمس ضابط رفيع المستوى متقاعد يخدم ابنه الآن في خط المواجهة الاول، ما زال يوجد فرق مقلق بين جودة الوسائل والاعداد الذي تتيحه الدولة لهؤلاء الشباب وبين البطولة التي يظهرونها في المعركة.
سئل قائد أحد ألوية المشاة التي تقاتل في القطاع أمس عن شعوره بعد اسبوعين من القتال البري فأجاب ببساطة: «نشعر بأننا جزء من جيش منتصر. أعطونا مهمة مداورة ثبتنا لها كاملة». وحينما سئل عن فهم المهمة بحسب الحوار مع المستوى السياسي أجاب: «أنا أنفذ قرارات دولة ولا أُملي على الدولة. فالمستوى السياسي يوجه ونحن نفسر المعنى المهني من جهتنا وننفذ الأوامر. إن شعورنا في داخل القطاع جيد جدا – فهو شعور إخوة في السلاح يعرضون حياتهم للخطر ويثبتون للمهام التي أعطيت لهم».
في مقابل هذا الكلام يتعلق جانب مقلق في العملية بسلوك عدد من وزراء الحكومة، واعضاء في المجلس الوزاري المصغر لكن بقدر أقل. وقد بدأ النظر الدائم الى استطلاعات الرأي العام في اليوم التالي مبكرا جدا هذه المرة. ففي الوقت الذي بذلت فيه المعارضة في الكنيست كل جهد لابداء السلوك الرسمي، تنافس وزراء مثل سلفان شالوم وجدعون ساعر ويئير شمير وافيغدور ليبرمان ايضا في بعض الوقت، تنافسوا في تصريحات هوجاء. ويصعب أن نفهم وزيرا يهاجم في وقت الحرب الضباط الكبار ويزعم أن كل ارادتهم أن يعودوا الى البيت في سلام كما فعل الوزير شالوم هذا الاسبوع. لأن كل من تنافسوا هذا الاسبوع في طلب سحق غزة سيَجرون الى ملجأ حينما يتبين الثمن الكامل لتوصياتهم لو استُجيبت. وذكّر ذلك السلوك بنواب برلمان في يوم جمعة في مقهى أكثر من تذكيره بمسؤولية اعضاء في الحكومة وقت حرب.
ونقول بايجاز إن امتحان الحرب – اذا تبين حقا أن القتال يقترب من نهايته في الاسبوع القادم – سيكون بقدر كبير مدة الهدنة التي ستُحرز على إثرها. ويتعلق ذلك بالطبع بالردع، لكنه يتعلق ايضا بالقيود التي ستفرض على تسليح حماس مجددا (بواسطة الضغط المصري في الأساس)، ونوع التسهيلات التي سيحصل عليها سكان القطاع في المعابر بصورة تساعد على كف صدام آخر. لكن يبدو أنه يكمن هنا درس ممكن آخر يتعلق بالمستقبل: فالقتال في غزة يزيد حتى بالنسبة للجمهور الاسرائيلي في حدة معنى الحروب التي قد تواجهها اسرائيل في المستقبل. إن حرب لبنان الثالثة ستبدو مثل نسخة واسعة أصعب عن المعركة الحالية في غزة، ويحسن فهم هذا في الوقت أيضا.

هآرتس

 

حرره: 
م.م