المنافسة على ميدالية الانتصار

ميدالية الانتصار

تدرك إيران التحول الكبير الذي قد يحدثه الاتفاق النووي في مكانتها في الخارج والداخل
 

تسفي برئيل

لا لفحص المواقع العسكرية، لا لطرح اسئلة عن علماء الذرة الإيرانيين، لا لوقف البحث النووي، نعم للوقف الفوري لجميع العقوبات، هذه هي الخطوط الحمراء الجديدة التي وضعها الزعيم الاعلى لإيران علي خامنئي لطاقم المفاوضات. بقيت اربعة ايام حتى موعد التوقيع على الاتفاق مع دول الغرب العظمى، وما زال من غير المؤكد أن يوقع الاتفاق في الموعد المحدد، وليس من المؤكد ايضا أن تمديد الموعد ببضعة ايام سيؤدي إلى توقيعه. وحسب وثيقة وصلت إلى وكالة «ايفي»، فان الدول الغربية وافقت على منح إيران تكنولوجيا نووية متقدمة لمساعدتها في بناء مفاعلات نووية جديدة وانتاج الوقود النووي. واتفقوا ايضا على تحويل مفاعل فوردو إلى مفاعل ينتج ايزوتوب بدلا من تخصيب اليورانيوم. وتحصل إيران على مساعدة في مجال البحث والتطوير النووي لاهداف علمية وطبية. كل ذلك مقابل موافقة إيران على وجود رقابة مشددة ومكثفة على مفاعلاتها النووية ووقف تخصيب اليورانيوم فوق مستوى 3.5 بالمئة.

نشر هذه المسودة التي لا نعرف إذا كانت نهائية أو أنها ستكون جزءا من الاتفاق، أثار الضجة، حيث ستتمكن إيران خلال فترة وجيزة من الحصول على القدرة النووية العسكرية.
جاء نشر المسودة قبل ايام من ارسال رسالة مفتوحة للرئيس اوباما من قبل اعضاء سابقين في الادارة الأمريكية، منهم دنيس روس الذي كان مستشار اوباما للشؤون الإيرانية والصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وديفيد بتراوس الذي كان رئيس وكالة الاستخبارات المركزية وقائد القيادة الوسطى الأمريكية، حيث يعبرون من خلال الرسالة عن قلقهم الشديد من أن الاتفاق سيُمكن إيران من تحقيق خططها النووية بسرعة.
ويقولون إن الاتفاق لا يلائم المعايير التي وضعتها الادارة لـ «اتفاق جيد».
لكنهم لم يشاهدوا صيغة الاتفاق الحقيقية، ومثل باقي الكتاب الذين يعارضون الاتفاق في الولايات المتحدة، فانهم يستندون إلى ما تم نشره. هذا هو طابع المفاوضات العلنية، حيث أن الضغط الجماهيري يزداد شيئا فشيئا، لكن مؤيدي الاتفاق ومعارضيه يتحدثون عن الامور التقنية ويتجاهلون الصلة السياسية الإيرانية التي تدفع إيران منذ عامين إلى اجراء مفاوضات لرفع العقوبات.
في الغرب يعتبرون أن العقوبات الشديدة على إيران هي التي دفعت الإيرانيين لتغيير سياستهم، وكذلك التهديد بهجوم عسكري، كان له تأثير. لكن العقوبات استنفدت عندما توجهت إيران إلى طريق المفاوضات، وتوقفت عن تخصيب اليورانيوم في مستوى 5 بالمئة وقللت اليورانيوم المخصب الذي كان في حوزتها. العقوبات موجودة الآن من اجل هدف جديد: الحصول على تنازلات إيرانية، حيث لا خيارات أمام إيران. إذا لم تتنازل فستبقى العقوبات كما هي، والتهديد العسكري سيزداد وسيتأخر ترميم الاقتصاد الإيراني لبضع سنوات وستتوقف المنافسة على السيطرة في الشرق الاوسط مع السعودية وسيكون النظام امام امتحان وجودي صعب.
لكن هذا الادعاء لمؤيدي «الاتفاق الجيد» فيه مفارقة. من يدعي أن لا خيار أمام إيران فإنه يعتبرها دولة عقلانية، تدير شؤونها حسب مصالح سياسية واقتصادية وليس حسب مواقف مسيحانية دينية.
هذه الطريقة ترى أنه بالامكان التوصل إلى الاتفاق مع إيران، وأن النظام بحاجة إلى شرعية جماهيرية من اجل الاستمرار، ودولة لا يمكن الوثوق بها لا يمكن التوصل معها إلى اتفاق. الرأي السائد هو أن وجود اتفاق سوف يغير الواقع ليس فقط في المجال التقني بل ايضا في مكانة إيران كجزء من المجتمع الدولي.
تدرك إيران جيدا التحول الذي قد يسببه الاتفاق، ليس فقط في مكانتها الخارجية بل ايضا في الداخل. من هنا الجدل الذي يدور بين المحافظين والراديكاليين وبين الحكومة والحركات الاصلاحية، كلما اقترب موعد التوقيع على الاتفاق. في الاسبوع الماضي أقر البرلمان الإيراني قانون يمنع التوقيع على اتفاق يضر بانجازات الدولة وحقوقها في الموضوع النووي، أي الحاق الضرر بمستوى التخصيب والبحث النووي واغلاق المفاعلات. الحكومة والرئيس حسن روحاني يعارضون القانون، بزعم أن البرلمان ليس مخولا لسنه لأن الحفاظ على الثورة الإسلامية ووحدة إيران الجغرافية وسيادتها هي من صلاحية مجلس الامن القومي. تم نقل القانون للجنة محافظي الدستور التي ستفحص إذا كان هناك تناقض بين القانون وبين الدستور. وفي السياق من المتوقع نقل القانون إلى لجنة مصالح الأمة، واذا كانت هناك حاجة فسيحسم الزعيم الاعلى الامر.
هذا ليس خلافا حول الصلاحيات بل هو على القوة السياسية. إذا تم التوقيع على الاتفاق فانه سيعتبر الانجاز الاكبر للاصلاحيين والمحافظين المعتدلين، والخلاف عليه يرتبط بشكل كبير بالتحضيرات لانتخابات البرلمان المتوقعة في شهر شباط. وقبل بضعة ايام هاجم وزير الداخلية السابق الذي كان في حكومة الرئيس محمد خاتمي، لجنة محافظي الدستور وادعى أنه لا صلاحية لها لغربلة المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسة. لكن اقوال الوزير السابق عبد الواحد موسوي لاري وجهت ضد خامنئي الذي يتمسك بموقف لجنة محافظي الدستور بأنها المخولة بالغربلة. غربلة المرشحين هي الأداة الاساسية والمهمة، وتستطيع اللجنة من خلالها ازالة من لا تريده، وبذلك تضمن أن اغلبية اعضاء البرلمان ستكون من لون سياسي واحد. روحاني في المقابل أعلن أن «غربلة المرشحين هي امر يجب أن يحدده القانون وليس أي شيء آخر».
القانون واضح حول من يحق له ومن لا يحق له ترشيح نفسه. الاجهزة الاخرى هي التي تجند وتوظف التفسيرات المريحة لها من اجل كبح مرشحين.
الانتخابات في شباط تزيد من المنافسة للحصول على ميدالية الانتصار عند توقيع الاتفاق، ومن يستطيع كسب نتائج الاتفاق سياسيا لأنه بعد الاتفاق ستعود إيران لتكون قوة نفط عظمى، ستتحول إلى دولة شرعية يمكن انشاء علاقات معها، وسيعيد الاتفاق ترميم الاقتصاد الإيراني الذي يعاني من البطالة الكبيرة حسب معطيات النظام نفسه ولا سيما في اوساط خريجي الجامعات الذين وصلت نسبة البطالة في اوساطهم 40 بالمئة. هذا هو قلب المفارقة السياسية التي تحدث الآن في إيران. فمن جهة يخشى الاصلاحيون من أن الاتفاق النووي سيزيد من قوة المحافظين الذين سيستغلون الوفرة الاقتصادية لزيادة القيود الدينية، وفي المقابل يتوقع النظام ازدياد قوة العناصر الليبرالية التي ستطالب باصلاحات في الحكم ولن تكتفي بالرفاه الاقتصادي الذي سيوفره الاتفاق.
من المشكوك فيه أن يحدث الاتفاق انقلابا في طريقة الحكم أو يؤدي إلى انتصار ساحق لليبراليين في الانتخابات القادمة. طريقة الحكم هي جزء لا يتجزأ من ثورة عام 1979 وتغييرها يشبه الغاء التجربة الشيعية الوحيدة لاقامة دولة الشريعة، وعلى رأسها يقف عالم ديني، وتربط بين الدين والدولة، بين ضرورة الاستماع إلى صوت الجمهور وبين سمو كلام الله. من هنا الخوف أن يتم تفسير الاتفاق ليس فقط وكأنه فرض من الخارج، بل كسابقة تعتبر ان النظام الإيراني قد تهادن ـ مثل نظام الشاه الذي سبقه ـ وخضع للبرنامج اليومي الذي حددته الدول «الامبريالية».

هآرتس

تسفي برئيل

حرره: 
م.م