الإسرائيليون محبطون من نتائج حرب غزة… لماذا؟

إسرائيليون

بقلم: اسحق بن اسرائيل

تلقت نسبة كبيرة من الجمهور الاسرائيلي الهدنة بعد خمسين يوم من قتال بشعور بالاكتئاب فما مصدره؟ يبدو بحسب استطلاعات الرأي العام أن الجزء الاكبر من الجمهور في البلاد يعتقد أننا لم نهزم حماس.

إن أولئك الموجودون في جانب الخريطة الأيسر اعتقدوا حتى قبل العملية أنه لا يمكن «الانتصار» في أيامنا، فمسألة الانتصار في عالم ما بعد الحداثة الذي يعيشون فيه هي قضية تفسير ذاتي. وتحول «الواقع» عندهم الى «سرد» يتعلق بمن يسرده. ويحسن أصلاً من وجهة نظرهم صنع السلام لا الحرب ولهذا لا يجوز لنا أن «نُذل» الطرف الآخر. ولهذا ليس من المستحيل الانتصار فقط (بالمعنى الموضوعي) بل لا يحسن فعل ذلك أيضاً.
وفي مقابلهم يعتقد الموجودون في الجانب الأيمن أننا لم ننتصر انتصارا «كافيا». فعلى حسب تصورهم كان يجب عليهم أن ننهي هذه الحرب بـ»قهر» حماس أو إسقاطها أو محوها من فوق البسيطة، ولأننا لم نفعل ذلك لم ننتصر. وقد بالغ أحد وزراء الحكومة إذ زعم أن حماس انتصرت لأنها نجحت في أن تثبت أمامنا. ويُبين النظر في كلامه تكراراً دقيقا تقريباً لتهنئة ايران لحماس بـ»النصر».
يُدرك أصحاب هذا التصور أن السبيل الوحيد لاحراز هدفهم المأمول هو احتلال عام لغزة لكنهم يتهربون من مسألة الثمن ومن مسألة «اليوم التالي» في الأساس. فماذا سيحدث بعد أن نحتل القطاع؟ لن تُطلق علينا قذائف صاروخية اذا بقينا هناك لكن من يضمن لنا ألا يُجدد اطلاقها بعد أن نخرج؟
ومهما يكن الأمر فان اليمين واليسار أيضاً متحدان على تصور أننا لم ننتصر، لكن هذا التصور ليس صحيحاً.
يذكر مؤيدو تصور أننا لم ننتصر سلسلة «انجازات» حماس وهي: اطلاق القذائف الصاروخية حتى آخر لحظة، وبقاء القيادة السياسية وما أشبه. ويمكن أن نجادل في الانجاز الذي ينطوي عليه اطلاق النار الذي أفضى الى مصابين قليلين نسبيا (مواطن قتيل واحد بالقذائف الصاروخية بالعملية كلها واربعة آخرون بقذائف الهاون)، لكن لا يمكن أن نجادل في حقيقة أن وضع حماس بعد العملية أسوأ مما كان قبلها.
ويكفي لفهم ذلك أن نفحص كل المعايير القابلة للقياس التي تحدد من الذي انتصر في نهاية الحساب. فهل يوجد معيار واحد وضع حماس بحسبه اليوم أفضل مما كان قبل عملية الجرف الصامد؟
من الواضح أن ذلك غير صحيح من جهة الاملاك العسكرية، فقد خسرت حماس أكثر قذائفها الصاروخية ومنظومة الأنفاق التي أنفق عليها مال جم وسلسلة طويلة من كبار القادة في الذراع العسكرية ونحوا من ألف مقاتل ومقرات قيادة ومستودعات طوارئ وما أشبه. وفشلت كل محاولاتها أن تفاجأ بعمليات غير معتادة، كإرسال خلية من البحر واستعمال طائرات بلا طيار وخطف جنود للمساومة وما أشبه.
والوضع كذلك أيضاً في الساحة السياسية فقد فقدت حماس ما كان بقي لها من تأييد في العالم العربي، وقويت مكانة خصومها في المنطقة (السلطة الفلسطينية ومصر). وساء وضعها السياسي في القطاع أيضاً، فقد اتسعت الفجوة بين المنظمة والمواطنين الذين تضرروا ضرراً شديداً، ودُمرت بنيتها التحتية تدميراً لم يسبق له مثيل ورُفضت مطالبها بفتح المعابر بلا رقابة وطلبها ميناءاً ومطاراً.
تفخر حماس بـ»انجازين»: الاول ثباتها أمام «الجيش الصهيوني» وهدم أسطورة الجيش الاسرائيلي الذي لا يُقهر. والثاني فتح المعابر للمساعدة الانسانية مع تجاهل أنها أغلقت بسبب اطلاق القذائف الصاروخية. وحتى لو وافقنا على أن هذه انجازات في نظرها فانه يجب علينا أن نجيب عن سؤال: بماذا تحسن وضعها قياساً بما كان عليه قبل ذلك؟ إن فحصاً حذراً لن يُبين كما قلنا آنفا ولو معياراً واحداً من هذا القبيل.
ليس مصدر الشعور بالاكتئاب موضوعياً إذاً بل ينبع من توقعات غير واقعية تتعلق بالواقع من اليمين واليسار.

 

حرره: 
م.م