الفائدة لإسرائيل

داعش

المستفيد الأكبر من انهيار العراق وسوريا والشرق الأوسط عموما هو تل أبيب

يوسي ميلمان

1.صاروخ جراد الذي سقط يوم الثلاثاء ليلا على حديقة يفنه، الاطلاق بعيد المدى الاول من غزة منذ عملية الجرف الصامد في صيف 2014، كان حدثا محليا. تم احتوائه بسرعة. ايضا بفضل الحذر الذي يبديه حتى الان وزير الدفاع موشيه يعلون ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

الحادثة يجب ان لا تؤثر على الاهتمام للامور المهمة التي تحدث في الشرق الاوسط وتتصل بالامن القومي لإسرائيل، وهي الحروب في سوريا والعراق، والتي تقضي على الدولتين، أو ما تبقى منهما. وايضا اجراءات «الدولة الإسلامية» (داعش) في الاسابيع الاخيرة.
السبب وراء الاطلاق من غزة هو خلاف داخلي في الجهاد الإسلامي ـ بعض النشطاء رفضوا تعيين احد القادة المحليين في المنظمة. إسرائيل وحماس والجهاد الإسلامي الذي دخل في خلاف مؤخرا مع الراعية إيران، لا يريدون التصعيد الذي قد يقود إلى حرب رابعة في غزة. وإسرائيل عمليا تتصرف في غزة على العكس من مصالحها الامنية. كانت إسرائيل تريد الوصول إلى ترتيب بعيد المدى، لكن من المشكوك فيه ان الامر ممكن. ليس فقط بسبب الفجوات بين إسرائيل وحماس بل بسبب موقف الفيتو لرئيس مصر عبدالفتاح السيسي.
جنبا إلى جنب مع البارزين في النظام، تزداد كراهية السيسي للتنظيم الإسلامي الذي يفقده عقله. وحسب النظام في القاهرة فان حماس والاخوان المسلمين هم نفس الشيء. ويتهم السيسي حماس بالتعاون مع انصار بيت المقدس، الذي قدم الولاء لداعش وغير اسمه إلى «مقاطعة سيناء للدولة الإسلامية». لا توجد مصادقة على الادعاء المصري حول هكذا علاقة. وبالتأكيد لا توجد مساعدة ممأسسة من قبل حماس للإرهاب في سيناء.
إسرائيل لا تريد الحوار مع حماس، خوفا من غضب السيسي وبالتالي التأثير على التعاون الامني والاستخباراتي بين الدولتين.
2. تلقى الجيش السوري هذا الشهر ضربات قوية بعدة محاور، وحليفه رئيس حزب الله حسن نصرالله (من المخبأ) تحدث بشكل يدلل على الضغط الذي هو فيه بسبب انجازات المتمردين، بالذات داعش. تحدث نصرالله عن داعش بكلمات «تهديد وجودي» أما راعيه، قاسم سليمان، قائد قوات القدس في الحرس الثوري الإيراني، انتقد تساهل الولايات المتحدة في الحرب ضد التنظيم السني في العراق.
ولكن رغم حزب الله وإيران فلا زال مبكرا نعي نظام الاسد، ونهاية الرئيس السوري ليست قريبة بعد، ولكن وزير الدفاع السابق ايهود باراك الذي يعتبره مقربون انه ذات قدرة تحليلية فوق طبيعية، قال في اذار 2011 وبعد اندلاع الحرب الاهلية في سوريا بعدة اسابيع «أن الاسد سيسقط خلال ثلاثة اسابيع» ولكن مياه كثيرة سارت منذ ذلك الحين في نهر الفرات، والحرب الاهلية في سوريا مستمرة منذ 50 شهرا والنهاية لا تظهر في الافق.
فقد الجيش السوري مدينة تدمر جنوب شرق الدولة لصالح برابرة داعش، حيث تعود العالم على الافعال الشنيعة ولم يعد ينفعل منها. ولحقته خسائر ايضا في إدلب في الشمال من قبل جبهة النصرة (التابعة للقاعدة) ومجموعات متمردة اخرى. بالمقابل على جبهة جبال القلمون والمطلة على المعابر الحيوية للبنان، وليس بعيدا عن دمشق، نجح الجيش السوري وبالذات محاربو حزب الله في صد هجوم المتمردين والسيطرة على عدة مواقع استراتيجية مهمة. ولجانب المعارك ضد جيش الاسد وحزب الله في القلمون، فان داعش والنصرة يحاربون بعضهم البعض.
تحظى تدمر على عناوين كبيرة في الصحافة العالمية، أهميتها العسكرية والاستراتيجية ليست كبيرة، والاهتمام نابع من رفرفة الإعلام السوداء على معالمها الاثرية. وهي إعلام داعش الذي يهدد بتدمير معالم أثرية من الفترة الرومانية والباقية في المكان.
المعلومات من تدمر متناقضة، نشرت داعش فيلم حول الاثار حيث يمكن تفسيره باتجاهين: الاول، انه وعد بعدم تدمير الاثار لانها آثار العصور الوسطى بل لانها كفر وتدنيس. الثاني، النشر قد ينبىء ببدء عملية التدمير في المكان. هذا المكان الذي أعلنت عنه اليونسكو قبل سنوات كمعلم حضاري عالمي. خوف العالم هو أن يقوم داعش بتدمير المكان كما فعل في الموصل بتدمير معالم ما قبل الإسلام في المناطق وفي مدينة النمرود، من الفترة الاشورية في العراق. وتحول المكان إلى ساحة اعدام للاسرى الذين وقعوا في يد المنظمة.
تدمر التي تقع في الصحراء كانت محطة نقل مهمة للتجارة بين سوريا والعراق وكانت تتصل بطريق الحرير لمركز آسيا. واليوم ايضا لا زالت مفترق مهم ومنها تتفرع الطرق إلى حمص في الشمال ودمشق في الغرب. حيث تبتعد حوالي 230 كيلو متر. نجح داعش في اقامة مواقع صغيرة في معابر دمشق ومن هناك يطلق رجاله القذائف بين فينة واخرى باتجاه المدينة، ولكن لا يبدو ان التنظيم ينوي الانقضاض على المدينة العاصمة. بالمقابل، قائد جبهة النصرة محمد الجولاني اعلن هذا الاسبوع عن نيته قصف دمشق.
وضع الاسد صعب وهو يسيطر على ربع سوريا، دمشق ومركز حلب، والشوارع الرئيسية للمدن الكبرى والشواطيء والموانيء اللاذقية وطرطوس، مواقع المدينة العلوية التي ينتمي اليها. جيشه تضرر بشكل كبير في الحرب والاف الموتى وعشرات الاف الجرحى والهاربين. وفقد الجيش ايضا جزءا كبيرا من الصواريخ الخاصة به بما في ذلك صواريخ سكاد التي باستطاعتها اصابة إسرائيل، ايضا سلاح الجو سحق في المعركة وهو السند الاساسي له، لكن الطائرات لا زالت تقلع وتلقي القنابل التي تصيب الابرياء من ابناء شعبه. نجح النظام في الحفاظ على خطوط الامداد ليس فقط داخليا وانما باتجاه الخارج ايضا. السلاح والذخيرة يدخل من إيران لدمشق والسفن الروسية تصل الموانيء، ولا توجد اهمية كبيرة لوجود حوالي 70 في المئة من اراضي سوريا تحت سيطرة المتمردين لانها صحراء في الشرق ومدن دير الزور والرقة التي اعلنها داعش عاصمة له.
ماذا على إسرائيل أن تفعل؟؟ حتى الان السياسة الإسرائيلية بعدم التدخل معقولة، حتى وان كانت غير اخلاقية تجاه مقتل شعب واقع بين الاطراف المتحاربة. وكما نشر في السابق فان إسرائيل تدخلت في سوريا فقط عندما قامت بعشرة ضربات جوية دون ان تعلن مسؤوليتها. ضد قوافل السلاح الجديد والمتطور بالذات صواريخ عالية الدقة كانت في طريقها إلى حزب الله او عندما اطلقت النار من سوريا باتجاه إسرائيل هناك خطر بان تدفع هكذا ضربات إلى الرد السوري، وإيران وحزب الله، هذا لم يحدث حتى الان، لانه مثلما في غزة، جميع الاطراف لا تريد التصعيد.
يقال إن إسرائيل تزيد من علاقاتها مع المتمردين، وبالذات جبهة النصرة التي تسيطر تقريبا على الشريط الحدودي في هضبة الجولان باستثناء الحرمون الذي يسيطر عليه الان. نجح داعش في السيطرة على عدة قرى في هضبة الجولان، لكنها بعيدة عشرات الكيلومترات عن الحدود الإسرائيلية وقريبة اكثر من دمشق (المسافة بين دمشق والحدود الإسرائيلية 50 كيلو متر). وجبهة النصرة تحارب داعش في تلك القرى وتريد طرده منها.
إسرائيل هي المستفيد الاكبر من الحرب الاهلية في سوريا ومن تهاوي الشرق الاوسط، حيث أن أعداءها يستنزفون بعضهم البعض ولا يوجد تقريبا اهتمام بمحاربة إسرائيل. لكن على الاجهزة الامنية ومتخذي القرارات اعطاء موقفهم في اليوم التالي حيث يظهر داعش أو النصرة اهتمام بالجار من الغرب، وتحضير سيناريو رد وعمل. آمل أن لا يحدث هذا.
3. يوجد في تدمر ايضا مطار سقط في أيدي المتمردين، رغم أن الطائرات السورية هربت قبل سقوطه. قدامى سلاح الجو والاستخبارات في إسرائيل تذكروا هذا الاسبوع الدور المخيف والمهم الذي لعبه هذا المطار في الستينيات والسبعينيات وبداية الثمانينيات. فقد عملت في المطار مجموعة طائرات ميغ 25 من انتاج سوفييتي، وكانت تقوم بطلعات وتصوير، ولم يكن لإسرائيل رد مناسب عليها. طائرة الميغ تعتبر منذ 40 عاما طائرة متقدمة ومخيفة والاكثر تطورا. وهي ذات محركين قويين وقدرة عالية على المناورة. وتسير بسرعة 2.8 ماك (ثلاثة اشعاف سرعة الصوت).
بعد حرب الايام الستة وضعت عدة صواريخ ميغ في مصر وقام بتشغيلها طيارون روس حيث قاموا بحوالي 20 طلعة تصوير فوق سيناء دون أن يستطيع سلاح الجو الإسرائيلي اصابتها أو اسقاطها. بعد حرب يوم الغفران في 1973 منح الاتحاد السوفييتي طائرات ميغ لسلاح الجو السوري حيث تم وضع الطائرات في تدمر البعيدة 250 كم عن هضبة الجولان. المسافة الكبيرة نسبيا سمحت للطائرات بالاقلاع بهدوء نسبي دون أن تستطيع الاستخبارات الإسرائيلية رصدها، وهكذا نجحت الطائرات في الدخول إلى المجال الجوي لهضبة الجولان و إلى حدود الخط الاخضر وتصوير أهداف ومواقع عسكرية استراتيجية.
إن خيبة الأمل الإسرائيلية من قدرة الطائرات في مطار تدمر أدت في نهاية المطاف إلى التخطيط لاسقاط هذه الطائرة المخيفة على أمل أن يؤدي ذلك إلى انهاء الطلعات والتصوير. هكذا ولدت عملية «الفرخ» في عام 1982 للاستخبارات العسكرية وسلاح الجو. «كان هذا كمينا ناجحا»، قال الدكتور كيدار. في كانون الاول 2012 أحيى طيارو سلاح الجو القدامى الذكرى الثلاثين للعملية وتمت تغطية اللقاء في موقع الجيش الالكتروني ومجلة «الدفاع الإسرائيلي». بطارية متحركة لصواريخ هوك نقلت سرا إلى الجولان ووضعت في جبل الباروك على ارتفاع 2 كم تقريبا. وتم تحسين مدى الصواريخ إلى مستوى الطيران الاقصى لطائرات الميغ.
أطلق صاروخين باتجاه الطائرة وأصيبت، لكنها لم تسقط، وطائرات مقاتلة من نوع اف 15 أطلقت الصواريخ باتجاه طائرة الميغ واسقطتها.
العملية نجحت وحققت هدفها حيث كف السوريين عن الطلعات الجوية من اجل التجسس فوق هضبة الجولان.
4. في يوم الثلاثاء قام البروفيسور عمانويل سيون، وهو مستشرق ومختص في التاريخ الإسلامي، باعطاء محاضرة في مركز التعليم الامني القومي في تل ابيب حول ظاهرة «الدولة الإسلامية». حسب قوله الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الاكبر عن نشوئها. عدد جرائم واشنطن، الدخول إلى العراق في عام 2003، ومصاعب التغلب على حلفاء القاعدة (بقيادة الزرقاوي الذي هو جد داعش) وقرار اوباما الانسحاب كليا من الدولة. لكن أمريكا ليست وحدها.
وقد ذكر ايضا فترة صدام حسين الذي أقام في اطار حزب البعث ما سمي بـ «فدائيو صدام». وقد كانت قوة من المتطوعين الذين مروا بعملية أسلمة، وقد استخدم صدام الإسلام للتأثير على الناس. يقول عمانويل سيون أن لديه شريط يظهر صدام في أحد الاجتماعات مع اللجنة المركزية للحزب في عام 1986 حيث يطالب بالتخفي على شكل متدينين، لكن الامر تحول بشكل معاكس بعد سقوطه حيث توجهت تلك القوة المتطوعة إلى القاعدة التابعة للزرقاوي، وهي تعمل اليوم إلى جانب داعش وزعيمها أبو بكر البغدادي.
الفرق بين داعش وغيره، حسب رأي عمانويل سيون، هو «انك لا تركز على مراكز القوة أو تدمرها أو تضر بالمصالح الاقتصادية للدولة، وانما تستفيد منها وبالذات في المحيط، والسلطة تفقد قدرتها على محاربتك». ميزة اخرى لداعش هي استخدام العنف الشديد ضد العنف الشديد. وردة الفعل من قبل الغرب على قطع الرؤوس غير صادقة، «لأن هذه عقوبة المدخنين». الغرب لا يهتم بالحلم الايديولوجي لاقامة دولة شريعة و»خلافة»، ويعتبر ذلك خدعة من اجل العلاقات العامة الناجحة.
حسب رأيه فان داعش يسعى إلى القوة ويقوم باستخدام العنف عن وعي، ليس فقط ضد السكان الشيعة بل ايضا ضد السنة الذين تحت سيطرته. ومن هذه الناحية فان سلطته تشبه سلطة زعيم الاتحاد السوفييتي جوزيف ستالين.
معاريف31/5/2015

يوسي ميلمان

حرره: 
م.م