"علي كرم الله جسده"

حرقوا الرضيع

يا علي أريد أن أسألك سؤالا ..ما هو أكثر شيء أحببته في الدنيا ؟ أسألك وأستثني من ذلك رضعة الحليب وهدوء بكائك عندما تضعك والدتك في حضنها وتقول لك "حبيبي يا حبيبي  الله يكبرك وأشوفك من أحسن الناس".

أستثني من ذلك أيضا عندما يجلس اليك شقيقك أحمد ويبدأ بالضحك معك والغوص معا في لغتكما الطفولية الحزينة التي لم تكتمل.
بل أستنثي من ذلك أيضا عندما كنت اذا رأيت والدك تبدأ بالحركة والتوسل الطفولي المحدود كي يرفعك ويحملك على كتفيه ويقول لك " هيا بنا نخرج الى بلدتنا دوما".

الإستثناءات كثيرة علي ..مثلها مثل الإبر التي "تنخز" جلد جسدي الان وتقول لي كما قالت القدس لتميم البرغوثي " يا أيها الباكي وراء السور أحمق أنت .أجننت؟

يا علي هل جن التاريخ الى هذا الحد ؟  أم نحن الذين جلبنا الجنون ووقفنا كالأصنام وبقينا نستنشق رائحة الجسد الذي إمتلأ برائحة الحليب؟
يا علي الزمن هذا زمن المعجزات وانت معجزتها الباقية المتمددة , فكيف تقتل اجساد الشهداء ؟ وكيف يغيب ظل السماء ؟ فما حرقوك وما قتلوك ولكن شبه لهم .

تعبت من المناداة  , وكأني أنادي على شخص بعيد بعيد وانت اقرب الي من ظل جسدي الذي باتت "فقاقيع" الماء التي تخرج منه تزداد حروقة وحرا وتقول لي سأبدأ بك , سأشغلك في نفسك , سأحرق قلبك على جسدك , لما بقيت ناظرا فقط .

يا علي كل البشر سيأتون يوم القيامة عراة , لا ثوب يغطي اجسادهم العارية في الدنيا والاخرة , ولا رائحة  تزيل نتانة العرق المتطاير عن أجسادهم , الا انت , وحدك من يرتدي الثوب الأسود حدادا على أرواح الملايين التي تحاسب ..ووحدك من طيّب في الأرض برائحة المسك وغسل من زيف الدنيا وحرائقها الغادرة, وحدك من ستقول بلسان طلق " أشفع لفلان وفلان " وحدك من يرتوي من حوض النبي وتقول له "لم أقبل ماء الدنيا تطفئ جسدي المحروق وقبلت ان آخذ شربة ماء من حوضك تغنيني عن ذلك"
يا علي ...علي الله في الأرض إبن أبي طالب لم يصبح وحده العلي الوحيد المبشر في الجنة ..فالقائمة الان أصبح فيها عليّان إثنان .

يا علي قل لي بلسانك الموسيقي وبلغتك التي طغت على عشرات اللغات وأصبح الجميع يتحدث بها في يوم وليلة , ماذا فعلت من عمل حسن في هذ العمر القصير بأيامه.. الطويل بأفعاله لتحصد قلوب الناس في كل مكان ويكتب اسمك في تظاهرات العالم وعلى منافسات كرة القدم , وتتزين جدران المنازل في شرق اسيا وغربها بصورك .

يا علي قل لمن تلاقيهم أمامك ومن سيأتون اليك يتبادلون معك الكلام ان قواعد الحرية ليست كقواعد العشق الأربعين فالحرية قاعدتها عشق واحد هي "الإستشهاد"

كرم الله جسدك يا علي على أمل ان يكون كرمك بمسامحتنا على ما إقترفناه من ذنب بأننا لم نقطع حبال الدواب البيضاء بلونها.. السوداء بنيتها التي أحرقتك , ولم نرم بتلك القبعة النتنة التي تزين رؤوسا أكلها "القمل والنمل وفرّ منها النحل" , سامحنا لأننا نسينا ان الغدر لن ينتهي بذلك الغول الذي يسكن أعالي الجبال وينتظر ساعات الفجر حتى يلتهم الأخضر واليابس.

يا علي يكفيك ان الكل الان عندما يترحم عليك ويتذكرك ,أصبح يضيف جملة واحدة خصها لك وهي " كرم الله جسدك يا علي"

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.