الكمين السعودي

كمين

في الليلة بين الجمعة والسبت تم أخذ 47 شخصا محكومين بالاعدام إلى غرف محكمة الاغلاق في 12 محافظة في أرجاء السعودية وهناك انتظرهم من ينفذون الاعدام بسيوفهم المشهرة. «شهود عيان يتفاجأون في كل مرة إلى أي حد نحن مهنيين. وكيف أن فصل الرأس عن الجسم يحتاج إلى ثوان معدودة»، هكذا تفاخر قاطع الرؤوس الأقدم سعد باشي.

خلافا للتقليد القديم فان الاعدامات هذه المرة لم تتم على مرأى من الجمهور في الميادين في المدن الكبرى. حيث يحاول السعوديون تحسين صورتهم الدولية. وفي صباح يوم السبت فقط نشرت وزارة الداخلية في الرياض اعلانا دراماتيكيا عن «التنفيذ» وكشفت عن قائمة الذين تم اعدامهم. 44 نشيط ينتمون للقاعدة واثنان من تجار المخدرات الاجانب أحدهم من مصر والثاني من تشاد اضافة إلى شيخ شيعي هو الشيخ العلامة نمر باقر النمر، الذي ظهر في أسفل القائمة لكنه لوحظ فورا في طهران وتسبب بأزمة عميقة بين الدولتين.
ولد الشيخ نمر في السعودية قبل 56 سنة وهو من الاقلية الشيعية في الدولة ودرس في المدارس الدينية الإسلامية المتطرفة لإيران. وحسب احدى النظريات فقد تم تجنيده للاستخبارات الإيرانية وعاد إلى المملكة لتكون مهمته اثارة البلبلة الداخلية من اجل اسقاط النظام. وحتى اعتقاله في 2012 فقد كتب وحرض وطالب باقامة «مملكة الشيعة» في محافظة قطيف الشرقية. وطلب من النظام في السعودية اجراء اصلاحات والاهتمام بالمواطن العادي مرددا خطابات آيات الله من إيران. ويزعم السعوديون أنهم حذروا ألشيخ أكثر من مرة إلى أن ضاقوا ذرعا به.
بعد اعتقاله بسنة تمت ادانة ألشيخ حسب المادة «السعي إلى الاضرار بالأمن الداخلي والتحريض على العصيان المدني». وحكم عليه بالاعدام. وحينما تبين أن رأسه سيُقطع بدأت حملة من الضغوط الغير مسبوقة لانقاذه. وزير الخارجية الإيراني، محمد ظريف، ذهب في زيارة إلى قصر الملك لاسماع رسالة شديدة اللهجة. لكنهم في القصر في الرياض لم يجدوا ساعة من الوقت لاجله ولم تتم الزيارة. رئيس الاستخبارات الإيرانية توجه إلى نظيره في الرياض وقال إن ألشيخ لا صلة له بالأمن. «حاولنا اقناع السعودية بعدم اعدامه»، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية. «أرسلنا المبعوثين ونقلنا الرسائل عن طريق طرف ثالث وجندنا الامين العام للامم المتحدة وحذرنا من أن النتائج ستكون خطيرة».
الإيرانيون مثل اجهزة التجسس في واشنطن، اتهموا الامير محمد بن سلمان، الابن المفضل للملك السعودي، كمن وقف من وراء الاعدام من وراء الكواليس. إبن سلمان، وزير الدفاع الاصغر في العالم، يبلغ 30 سنة من عمره وهو التالي في التسلسل الملكي بعد إبن عمه المسن محمد بن نايف، ولي العهد الرسمي. «في عاصفة الصراعات الداخلية التي تتم بين مؤيديه ومئات المعارضين له في السلالة الذين يطالبون بالحكم، فان الامير محمد طلب أن يقود حملة التحرش بإيران»، قال المتحدث بلسان وزارة الخارجية الإيرانية. «نحن نعرف أن المستشارين في القصر حذروه من أن عدام ألشيخ نمر لن يمر بدون رد».
وقد أثار الاعدام موجة من الردود الشديدة، ليس فقط في إيران بل في الغرب ايضا. جهات أمريكية انتقدت البربرية السعودية وانتقدت ايضا محاولات إبن سلمان المتسرع لاشعال الحرب. جمعيات حقوق الانسان في الغرب نشرت قوائم محطمي الرقم القياسي في الاعدام: الصين في المكان الاول، إيران في المكان الثاني (شنقا أو باطلاق النار)، السعودية في المكان الثالث مع متوسط سنوي حيث يتم الاعدام مرة كل يومين والطرق المفضلة على السعوديين هي قطع الرؤوس (بسبب المخالفات الامنية) والاحراق (في حالات اللواط) أو الشنق (تجار المخدرات واللصوص). لكن منذ عشرين سنة لم يتم اعدام عدد كبير كهذا في يوم واحد.
موقع الاخبار الإيراني «إيران فاير» رد على قطع الرؤوس من خلال كاريكاتير يظهر فيه منفذ الاعدام حيث أن نصف جسمه مغطى بملابس داعش السوداء وهو يلوح بالسكين على رقبة المحكوم بالاعدام، ونصف جسمه الثاني مغطى بجلابية سعودية بيضاء ويلوح بالسيف الطويل فوق الضحية الشيعي. وفوق قاطع الرؤوس كُتب «حدد الفرق».
الوزير لشؤون إيران واليمن
محاكمة ألشيخ تمت في ذروة محادثات النووي بين القوى العظمى وإيران. ويبدو أن السعودية قد لاحظت فرصة الاستفزاز واعتبرت هذا الشخص ذخرا استراتيجيا في حال أدت المحادثات إلى اتفاق. تقديرات الخبراء في واشنطن هي أن النظام الجديد في السعودية قرر إحداث ثورة في السياسة وتبني سياسة ناجعة وجر إيران إلى صراع يلزم الأمريكيين بالتدخل. لكن الرئيس اوباما يفضل المشاهدة من الجانب. وفي مقال في «واشنطن بوست» ظهرت المفارقة التي يواجهها البيت الابيض: «هل تستحق السعودية أصلا وجع الرأس الذي تتسبب به؟».
خلافا للولايات المتحدة، وقعت إيران بسرعة في الفخ الذي نصبته لها السعودية. في بداية الاسبوع هاجم مئات الشباب الإيرانيين القنصلية السعودية في مدينة مشهد في محاولة لاقتحام المبنى واحراقه. وألقى مئات المتظاهرين الآخرين الزجاجات الحارقة على مبنى السفارة السعودية في طهران على مرأى من الشرطة وحرس الثورة الذين لم يحاولوا التدخل.
وفي اثناء الاحداث نجح عدد من الشبان في دخول مكاتب السفارة وخرجوا من هناك وهم يحملون اجهزة الحاسوب والاثاث الفاخر. «من يعرف السلوك في إيران»، أوضح مئير جبدنفر، مختص اسرائيلي بالشؤون الإيرانية «يعرف أنه لا أحد يمكنه اقتحام سفارة في إيران بدون أمر من أعلى أو بموافقة السلطات».
وزير الخارجية السعودي عادل جُبير رفض برقية الاعتذار التي أرسلها نظيره الإيراني في أعقاب الحادثة وأصدر اعلانا دراماتيكيا: «سنقطع العلاقة مع طهران»، قال بنوع من ضبط النفس، «حتى تتعلم إيران كيفية التصرف مثل دولة طبيعية».
يُدير جُبير في المقابل «ملف إيران واليمن» المتداخلان. وهو موجود في الجبهة، وجهه هاديء وصوته ناعم، حيث يكبح محاولات الوساطة لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري والمبعوثين الروس ومبعوثي الاتحاد الاوروبي. وهو يبلغ 53 سنة ولا ينتمي إلى سلالة الأمراء ويتحدث الانجليزية والالمانية بطلاقة، ذكي ويعرف جيدا موقعه. السيرة الدبلوماسية له بدأت صدفة حينما درس في واشنطن وبحث عن وظيفة جزئية في السفارة السعودية. وتقدم بسرعة إلى وظيفة المتحدث وتحول مع الوقت إلى أمين سر الملك السابق عبد الله والحالي سلمان. هكذا ازدادت قوته إلى أن استغل محاولة اغتياله في 2011 عندما كان سفيرا للسعودية في واشنطن، حيث كشفت الـ سي.آي.ايه عن اثنين من حرس الثورة الإيراني اللذان أرسلا لوضع عبوة ناسفة في المطعم الايطالي الذي اعتاد جُبير أن يلتقي فيه مع الموظفين الأمريكيين. وتم القاء القبض عليهما واعترفا وسُجنا في الولايات المتحدة.
بعد أن أمضى ثماني سنوات في واشنطن عاد جبير إلى الرياض وتم تعيينه وزيرا للخارجية. «لقد اعتاد على اخفاء غضبه على الإيرانيين»، قال مصدر اسرائيلي يعرفه جيدا.
دولة الامارات، السودان، البحرين، جيبوتي والكويت انضموا إلى السعودية في هذا الاسبوع وقطعوا العلاقة مع طهران. وسارع الإيرانيون إلى تهديد قطر ودبي «لا تفعلوا شيئا قد تندمون عليه»، الامر الذي لم يمنع قطر من اعادة سفيرها أول أمس من طهران. علامة استفهام كبيرة تحوم فوق رد مصر التي حصلت على مساعدة اقتصادية تبلغ عشرات المليارات من الرياض. وزير الخارجية المصري سامح شكري الذي استدعي بسرعة إلى القصر الملكي في السعودية، نشر اعلانا ضبابيا يقول «لا يوجد سبب لقطع العلاقة الغير موجودة أصلا».
في الوقت الذي ردت فيه السعودية وحليفاتها بشدة على اقتحام السفارة السعودية في طهران، اكتفت واشنطن بالتنديد الضعيف على نمط المصالحة لادارة اوباما. وهذا لم يؤثر على نظام آيات الله أو يمنعه من التحرش بالأمريكيين والاشارة إلى أن الاتفاق النووي ما زال مفتوحا بعد من جهتهم.
واذا تم احراق الممثليات السعودية، فلماذا لا يتم احراق رموز «الشيطان الاكبر»؟ وفي احتفال تم هذا الاسبوع في طهران ألقى عشرات الطلاب الإيرانيين دُمى «باربي» إلى داخل صفيحة مشتعلة وتم منحهم بدلا منها دُمى من صنع إيران.
وفي نفس الساعة، في السعودية، تم الكشف عن رسالة الوداع المليئة بالرموز التي تركها ألشيخ نمر لوالدته العجوز قبل اعدامه. «أمي الغالية، عليك التسليم بالمصير الذي أراده الله لأنه هو فقط يقرر الصحيح. لا تصدقي قرارات بني البشر ولا تأسفي. صلّي وتذكري أن الانسان قد يخطيء. أنا أتركك في طريقي الاخيرة. كوني هادئة لأن الله سيرعاني ويحفظني».
تحليل العلاقة بين السعودية وحليفاتها وبين إيران كشف عن عدد من الحقائق: في أوراق مهنية نشرت في الجامعة العربية في القاهرة، تعتبر إيران مكانا خطرا يتم فيه تعقب الدبلوماسيين والسفير الذي يقوم بدوره باخلاص ويرسل التقارير حول ما يحدث في إيران، يُعرض وظيفته، بل حياته، للخطر. حوادث طرق غريبة وحوادث تقنية قد تؤدي إلى موت الدبلوماسي وفريقه. لذلك يفضل الابقاء على سفارة مقلصة في طهران والتقليل من الحركة. هذه الوثائق توصي بشدة بالامتناع عن التواصل مع «الدبلوماسيين» الإيرانيين في العالم العربي «الذين جميعهم، بدون استثناء، تابعين للاستخبارات وحرس الثورة».
النفط بدأ يزول
من الطبيعي أن الازمة بين طهران والرياض ستزيد الاهتمام لدى المستوى السياسي والاستخباري في اسرائيل. حيث يقول خبير اسرائيلي يتابع العلاقات المتحطمة «لا أحد في هذه القصة صدّيق».
رئيس الحكومة نتنياهو طلب من وزرائه عدم التدخل أو الكتابة عن الموضوع أو معانقة اصدقاءنا الجدد في السعودية عناق الدب. لكن مدير عام وزارة الخارجية، دوري غولد، أجرى مقابلة مع موقع الاخبار السعودي «إيلاف» وتحدث عن توق الاسرائيليين للعلاقة (التي هي موجودة بالفعل من تحت الطاولة) مع دول وامارات في الخليج الفارسي وعلى رأسها السعودية.
اسرائيل، لاعتبارات خاصة بها، لم تتخذ أي موقف في موضوع الحاق الضرر المتواصل بحقوق الانسان ولا سيما النساء، في السعودية. وهي لن تنتقد الاعدامات والاحكام بالسجن لكل من يحاول فتح فمه.
من ناحية اسرائيل، الازمة جاءت في وقت مثالي، عند التوقيع على الاتفاق النووي وفي ذروة التطبيع بين الولايات المتحدة وإيران. «يحدث كثير من الامور في الخفاء. واسرائيل تلاحظ أن هناك اهتمام والكثير من المصالح المشتركة بينها وبين السعودية ودول الخليج»، قال الخبير الاسرائيلي.
من اجل التشويش على ما يحدث من وراء الكواليس قام السعوديون بتجنيد المفتي السعودي، الشيخ عبد العزيز عبد الله، من اجل القاء خطبة تقول «داعش هو اسرائيل والجيش الاسرائيلي يقوم بارسال جنوده للخدمة في داعش». واسرائيل تجاهلت الامر.
كل ذلك يحدث على خلفية الازمة الاقتصادية العميقة التي تواجهها السعودية. على أبواب السنة الجديدة تم الكشف عن التضخم في الميزانية الذي بلغ 98 مليار دولار.
احتياطي العملة الاجنبية تراجع من 728 مليار دولار إلى 640 مليار دولار، والتقدير هو أن هذا الوضع سيزداد خطورة إذا فضلت الولايات المتحدة إيران على السعودية. واذا كان هذا غير كاف، فان احتياطي النفط في السعودية سينتهي بعد ست سنوات. «ما زالت السعودية هي المصدرة رقم 1 للنفط»، قال الخبير الاسرائيلي، «لكن ذلك قد يتغير حينما تعود إيران إلى السوق العالمية».
وحسب قوله فانه «في الظروف الحالية لم يكن للسعودية أي خيار غير التحرش بإيران. وقد فعلوا ذلك بأعين مفتوحة وبنية واضحة». مع ذلك، في نقاش مغلق تم هذا الاسبوع في تل ابيب اتفق الحاضرون على أن الطرفين لن يخرجا إلى حرب شاملة. «المعارك بينهما تُدار على الحدود مع اليمن من خلال الحوثيين وتفجير العبوات الناسفة، وعن طريق خلايا حزب الله السعودي (تنظيم إرهابي محلي يعمل ضد النظام في السعودية برعاية حزب الله اللبناني) ومبادرات عسكرية لاجهزة الامن التي يحركها الامير الشاب في الرياض»، قال أحد المشاركين في النقاش.
«بنظرة سريعة، السعودية تتصرف مثل الحيوان الجريح»، قال الخبير الاسرائيلي، «لقد عرفوا مسبقا أن إيران سترد بعنف على اعدام ألشيخ، لكنهم نجحوا في مفاجأة الإيرانيين بقرار قطع العلاقة، ونجحوا في جر دول اخرى إلى هذه الخطوة. وفي نهاية المطاف، إيران قد تتضرر من السياسة العدائية للسعودية، وهذا بالطبع لن تأسف اسرائيل عليه».
سمدار بيري

يديعوت
 

حرره: 
م.م