الشهيد أحمد جحاجحة..عاشق ترك وصيته الأخيرة

ديالا الريماوي

(خاص) زمن برس، فلسطين: في مخيم قلنديا شمال القدس، شاب طويل القامة، ذو بشرة بيضاء وعينان بنيتان وشعر أسود، أسمه أحمد جحاجحة (23 عاما)، ذلك الشاب الذي عُرف عنه بحبه للمخيم، وعشقه لفلسطين، كان له أحلام وطموح، ذكريات جميلة وأخرى حزينة، أراد أن يكون مصورا صحفيا يوثق جرائم الاحتلال، لكنه لم يستطع أن يكمل تلك المهمة فرصاصات الاحتلال اخترقت جسده ليرتقي شهيدا على الأرض التي أحب.

بتاريخ 2/9/1992 استقبلت عائلة حسن جحاجحة طفلها الثامن والأخير أحمد، الذي كبر وترعرع في مخيم قلنديا بين خمس شقيقات وشقيقين، فهو الشاب الخلوق المحبوب، الطموح، الاجتماعي، اللبق، المبتسم دائما، الهادئ، المبادر، والمتطوع، الرياضي، والمصور الصحفي.

لم يستطع أحمد أن يتخطى الثانوية العامة بنجاح، لكن الإصرار والعزيمة على تحقيق طموحه كانت دافعا له لإعادة "التوجيهي" مرتين، فنجح في المرة الثالثة وقرر أن يلتحق بجامعة القدس المفتوحة لكن نتيجة لعدم وجود التخصص الذي ثابر من أجل دراسته قرر أن يلتحق بالكلية العصرية لدراسة تخصص الصحافة والإعلام.

فصل دراسي أخير كان يفصله عن عتبة التخرج وارتداء ثوب الخريجين، إذ كان ينتظر ذلك اليوم على أحر من الجمر ليمارس المهنة التي لطالما أراد من خلال الصور التي تلتقطها عدسته أن يوثق للعالم معاناة الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال.

"الفجيعة والأمل"

أحمد كان أحد مؤسسي وأعضاء مركز قلنديا الاعلامي، أخذ على عاتقه مهمة تصوير كل ما يعيشه مخيم قلنديا من أفراح وأحزان، فالتقط صورا لحفلات زفاف، ومناسبات وطنية، ونشاطات تطوعية، وكان للشهداء النصيب الأكبر من صوره، ففي كل جنازة شهيد كان يخرج أحمد ليقتنص بعدسته صورا توثق فجيعة وألم عوائل الشهداء، وفي ذات الوقت الأمل في عيون شباب الوطن.

"الفجيعة والأمل" ألبوم صور جمعه أحمد خلال عمله كمصور، وأراد أن يكون ذلك عنوانا لمعرضه الذي حلم في يوم من الأيام أن ينظمه.

أما "أولاد المخيم" فهو فيلم وثائقي كان من أحد أعمال أحمد، أراد من خلاله أن يوثق معاناة أطفال المخيم، وكان يطمح لأن يصور فيلما أخر يتناول فيه معاناة مخيم قلنديا لا سيما الشباب.

صورة تجمع الشهداء

رحيل الأصدقاء الأبدي وسماع خبر استشهاد صديق بات شيئا يخشاه أحمد، فصديقه أحمد أبو لطيفة الذي ارتقى شهيدا في شهر تموز الماضي آلمه كثيرا.

من جنين إلى نابلس، ورام الله، وقرى القدس الواقعة خلف جدار الفصل العنصري تنقل أحمد، فمنذ اندلاع الهبة الجماهيرية كان يصور المواجهات وتشييع جثامين الشهداء، ففي مخيم الجلزون التقط أحمد صورة لصديقه في الكلية محمود عليان وهو يشارك في تشييع جثمان الشهيد الطفل أحمد شراكة.

وبعد ما يقارب الشهر سمع أحمد خبر استشهاد صديقه محمود عليان من عناتا متأثرا بجراحه التي أصيب بها خلال المواجهات المندلعة قرب مستوطنة " بيت إيل" شمال البيرة في ذكرى استشهاد أبو عمار، ليتداول الجميع الصورة التي التقطها أحمد في تشييع جثمان شراكة معلقين عليها "شهيد يشارك في تشييع شهيد"، لتصبح فيما بعد شهيد يشيع شهيد ويصورهما شهيد.

معشوقته

كان دائما يتحدث عنها، ويصف جمالها لأخته ميسون المقربة له، فكانت القدس هي معشوقته، إذ استطاع أحمد أن يحصل على تصريح لزيارة المدينة خلال شهر رمضان، فكان كل يوم يذهب للمسجد الأقصى ليصلي التراويح.

تقول ميسون لـ زمن برس:" كان يخطط لزيارة عكا وحيفا ويافا، إذ كان يقول لي عندما أصل باب العمود أقف وأنظر لطريق المؤدي للمسجد الأقصى فأقول بداخلي " صلاة التراويح أولا ومن ثم أزور عكا".

شهيدٌ كما تمنى

منذ اندلاع الهبة الجماهيرية، نفذ الاحتلال عمليات إعدام بحق عدد من الأطفال والشابات والشبان، إضافة إلى التنكيل والإعتداءات، مشاهد أجبرت شبانا على الخروج وتنفيذ عمليات دهس وطعن.

شقيقة أحمد قالت: "كل الشباب الفلسطيني غيور على أرضه وعرضه، وأحمد كان يتألم عندما يذهب لتصوير جنازة شهيد أو رؤية مشاهد الإعدام والتنكيل، فكان يردد في الفترة الأخيرة عن منزلة الشهيد ويقول لأمي " أنا بدي أدخلك الجنة يما".

في 16/ كانون الأول الماضي، الساعة الثانية عشرة ليلاً، هدوء نسبي في شوارع المخيم، عدد قليل من الشبان الذي خرج في تلك الأجواء الباردة، لحظات قليلة وتبدد هذا الهدوء عندما أطلق جنود الاحتلال رصاصتهم صوب جسد أحمد ليرتقي شهيدا كما تمنى.

في تفاصيل اليوم الذي سبق استشهاده، خرج أحمد برفقة شقيقته ميسون إلى العمل، فهو كان يعمل بشكل متقطع، وعاد إلى البيت قبيل المغرب تناول القليل من الطعام وذهب ليستحم ومن ثم صلّى وخرج من المنزل".

تضيف" بعد عودته قال لأمي : إذا تم اعتقالي وحكموا علي بالسجن شهرين أو ثلاثة أو حتى مدى الحياة، لا أريد يا أمي أن تحزني وتبكي".

خرج أحمد إلى النادي الرياضي للياقة البدنية، ومن ثم عاد إلى المنزل ذهب للاستحمام مرة أخرى وارتدى ملابسه وخرج من المنزل كانت الساعة ما يقارب الحادية عشرة مساء ".

توجه أحمد إلى منزل عمه ليمضي تلك الدقائق الأخيرة برفقة ابن عمه حمادة جحاجحة، وشقيقته المتزوجة، إذ طلب منها أن تعد لهم العشاء فقالت له "أحلى عشا لعيونك"، فرد عليها أنه بينما تعد العشاء سيذهب إلى "الدكان" ليشتري بعض الأغراض للعشاء.

خرج أحمد لكنه لم يعد، ولم يتناول عشاءه الأخير، فأثناء تواجده في الخارج اقتحمت قوات الاحتلال مخيم قلنديا لتندلع مواجهات بين الشبان وجنود الاحتلال، على باب المخيم نفذ أحمد عملية دهس أصيب فيها ثلاثة من جنود الاحتلال، بحسب الإعلام العبري.

لم يكتف الاحتلال بإطلاق الرصاص صوبه بل تركوه ينزف حتى الموت، واحتجزوا جثمانه بعد ذلك مدة 19 يوما.

بعد ساعة ونصف من استشهاده، تلقت عائلة أحمد باستثناء والديه الخبر، لكن حالة التوتر والخوف على وجوههم أجبرهم بأن يخبروا والديهم بأن أحمد وذلك للتخفيف عنهما، وعقب صلاة الفجر كان لا بد لهم أن يقولوا لهم حقيقة خبر استشهاده، الذي وقع كالصاعقة عليهما، فصغيرهما سيغادرهم للأبد!

وصية أحمد

بتاريخ 1/1 أبلغت سلطات الاحتلال عائلة عشرة شهداء بأنها تنوي تسليم جثامين أبنائهم عند معتقل عوفر، كان من بينها جثمان الشهيد أحمد، فالعائلة التي كانت بانتظار استلام جثمان ابنها من ثلاجات الاحتلال ليوارى الثرى في مقبرة المخيم، وتهدأ النار التي اشتعلت في قلوبهم، إذ كان من المقرر تنظيم عرس جماعي يضم أربعة شهداء: عنان أبو حبسة، عيسى عساف، وسام أبو غويلة، وأحمد جحاجحة.

أثناء الانتظار تلقت العائلة اتصالا يفيد بتراجع سلطات الاحتلال عن تسليم جثماني الشهيدين أحمد جحاجحة وحكمت حمدان.

خيبة أمل جديدة أصابت العائلة، حزن وألم، إذ تصف العائلة ما حدث في ذلك اليوم وكأنها في تلك اللحظة تلقت خبر استشهاد أحمد.

بعد يومين اتصلت سلطات الاحتلال بوالد أحمد، وأخبروه بأن عليه الحضور إلى المعهد الطبي "أبو كبير" للتعرف على جثمان نجله، وبعد عودته تلقى اتصالا أخر يفيد بأنه سيتم تسليم جثمان أحمد.

استعد أبو أحمد من مخيم قلنديا وهو أحد أعضاء مركز قلنديا، والرجل الذي يتولى مهمة تزيين الشهداء، لينفذ الوصية التي تركها له أحمد قبل استشهاده، إذ نشر على صفحته في موقع "فيسبوك" عقب استشهاد صديقه أحمد أبو لطيفة صورة كتب فيها:" أبو أحمد..كم أتمنى أن تزين جبيني بالورود والكوفية والعلم مثل شهداء المخيم، وتسير بجانبي وأنا شهيد، توصلني لبيتي".

حرره: 
د.ز
م.م