دعوا الجرافات تعمل

الاحتلال

دائرة الاستيطان تمول بضرائب الجمهور ومن حقه أن يعرف ماذا يفعلون بماله

بقلم: يونتان ليفي

في قلب حي «رمات أفيف ج»، مسافة شوارع قليلة عن الفيللا الجميلة للنائب يئير لبيد، تعمل جمعية توراتية للحث على التوبة. اعضاء الجمعية يقيمون دروسا اسبوعية في اليهودية، ويجرون ورشات عمل لتقديم المشورة للازواج بالنظرة التوراتية، وينظمون مناسبات عامة في الاعياد. في الماضي كانوا يعقدون دروسا في اليهودية والتراث في احدى المدارس في المحيط إلى أن طردوا من المكان حين حاولوا ان يفرضوا على المؤسسة فصلا بين البنين والبنات.

هذا كفيل بان يفاجئكم، ولكن هذه الجمعية انتم تمولونها كل يوم حين تذهبون إلى العمل. لماذا؟ لانها تعرف نفسها كمنظمة تعمل على «تقليص الفوارق الاجتماعية». كم؟ أكثر من 300 الف شيكل في السنة. كيف؟ بالضبط من اجل هذا توجد دائرة الاستيطان.
منذ سنين ودائرة الاستيطان تسمح للسياسيين الذين يعتقدون بن الجمهور الإسرائيلي ليس سوى زينة في مسرحية الفرد التي يقدمونها، لتحقيق الاحلام. مثل الميزانية من المال العام المخصصة لبلدات المحيط، جمعية توراتية تعمل على تقليص «الفوارق الاجتماعية» في احد الاحياء الغنية في إسرائيل؛ او ضخ عشرات ملايين الشواكل لشبكة الجمعيات المقربة من كبار رجالات «البيت اليهودي»، وتعمل من أجل الحزب في يوم الانتخابات، او الاستثمار في مستوطنة بيت ايل، مقدار 51 مليون شيكل في 2014 ـ اكثر من كل الدعم الذي تلقاه في ذاك العام الجليل والنقب معا. وكل ذلك، لشدة الحظ، بسرية تامة.
صحيح ان الدائرة تمول حتى الشيكل الاخير من اموال الضرائب، ولكن لما كانت بشكل رسمي تابعة للهستدروت الصهيونية العالمية ـ وهي الهيئة غير الحكومية ـ فانها غير خاضعة للرقابة العامة، البرلمانية أو الاعلامية. وباستثناء بضعة متفرغين حزبيين يقفون على رأسها، ليس لدى احد أي فكرة عما تفعله كل سنة بنصف مليار شيكل. كيف تنفذ العطاءات؟ حسب أي معايير توزع الميزانية؟ ما هي العلاقة بين الاستيطان وبين الجمعيات التوراتية؟ «الهدوء لو سمحتم»، هكذا يوبخ الجمهور السياسيون من اليمين، «دعوا التراكتورات تعمل». وها هو، قبل شهرين، بعد سنوات من الصراع ضد الدائرة، اوصت نائبة المستشار القانوني للحكومة، دينا زلبر، الكف عن تمويلها بالصيغة الحالية. والمحفز لقرارها هو دور الدائرة، هكذا حسب الاشتباه، في قضية الفساد الكبرى لـ «إسرائيل بيتنا». وفور نشر التوصيات هجم على زلبر صحافيون وشخصيات عامة من اليمين. وبزعمهم، فان اصرارها المغيظ على مباديء مثل الشفافية، التوزيع العادل للمقدرات وسلطة القانون يدمر احدى الهيئات الناجعة في إسرائيل.
هنا المكان لطرح السؤال: ناجعة لمن بالضبط؟ تصوروا أن صباح غد تقرر الحكومة تشكيل هيئة غير حكومية جديدة باسم «دائرة الشفاء». ومثل شقيقتها التي تبني وتشق، فان دائرة الشفاء ايضا تتمتع بميزانيات حكومية طائلة، رغم أنها لا تبلغ الجمهور شيئا عن نشاطها. وحقا، تنجح الدائرة في تجاوز البيروقراطية، الالتفاف على العطاءات، تسحق في طريقها عدة أنظمة مثيرة للاعصاب ـ وتقيم كل سنة ثلاثة مستشفيات محل فخار. في البداية يكون الجميع سعداء حتى القمة من هذا العطاء الهائل. ولكن بعد خمس سنوات، عندما يتبين ان عشرة من المستشفيات الجديدة اقيمت في السامرة، وواحد (مؤسسة طبية خاصة للمحتاجين) بالذات في اطراف قيساريا، فان قسما صغيرا فقط من السكان يواصل الابتسام.
وخلافا لما يررون لنا صبح مساء، فان اجهزة رقابة الدولة ليست يدا تعسفية لبيروقراطية متثائبة. فهي الدرس المتراكم لمئات قضايا الفساد وتوزيع المقدرات غير العادل على مدى السنين. وهي تشكل عينا مفتوحة للجمهور؛ دورها في الاشراف على المال الذي يفرزه الجمهور كل شهر لصندوق الدولة. من يعتقد ان الإسرائيليين لا يستحقون أن يعرفوا ماذا يفعل الاخرون باموالهم، من يطلب ان نواصل الدفع بصمت والا نزعج باسئلتنا الزائدة، لا يرى الجمهور من مسافة متر. نجاعة؟ منظمات الجريمة هي الاخرى ناجعة، فماذا ظننتم؟
الحقيقة يجب أن تقال؟ ليس خفة جرافات دائرة الاستيطان هي التي تجعل رجال اليمين يدافعون عنها، بل السرية. انعدام الشفافية لدى الدائرة ليس مصادفا ـ فهو سبب وجودها. بدون السرية ستفقد ميزتها الاكثر استعمالية لرؤساء البيت اليهودي. زعماء المستوطنين يفهمون جيدا بانه في العام 2015 بات مواطنو إسرائيل اكثر حساسية من أي وقت مضى تجاه ما يجري من فعل بميزانية الدولة وان الطبقة الوسطى المضغوطة لن تستقبلهم بالورود، عندما يتبين ما الذي تفعله الدائرة حقا.
ان الجزء الاكثر اثارة للغضب في القصة هو ان السلوك المتلبد لرجال اليمين الاستيطاني سيؤدي إلى المس بالسلطات في الجليل والنقب التي تتمتع بخدمات الدائرة. رؤساء هذه السلطات لا يكسبون شيئا من الستار الدخاني الحالي وليس لديهم أي سبب يجعلهم يعارضون الاصلاحات التي ستجعل الدائرة هيئة تعمل بشكل شفاف، نزيه وخاضع للرقابة. بل العكس، واضح ان هذه هي الخطوة السليمة والناجعة حقا للاغلبية الساحقة من الجمهور الإسرائيلي.

هآرتس

حرره: 
م.م