مفاوضات الأردن مع الشيطان

الملك عبد الله

بقلم سمدار بيري

ملابسات وقوع الطيار الاردني معاذ كساسبة في أسر داعش غير واضحة. فقد أصيبت المملكة بالصدمة في ضوء أفلام الاهانة للطيار القتالي الذي يقتاده وهو شبه عارٍ ملثمون من التنظيم الوحشي إلى مكان خفي في شمال سوريا. وتدعي واشنطن وعمان بحزم بأن طائرة الـ اف 16 لقوات التحالف لم تسقطها صواريخ داعش. فما الذي حصل هناك بالضبط؟ في الاردن يصرون على أنهم فقط عندما سيتمكنون من فحص بقايا الطائرة سيكون ممكنا حل اللغز والحسم اذا كانت سقطت بعملية أم أن هذا كان مجرد خلل فني.

أما الملك عبد الله، الذي توجد مكانته الاعتبارية على الطاولة، فلم يضيع وقتا. في نفس اليوم، عندما كان الشارع الاردني عاصفا بالجدال اذا كان ينبغي على الاطلاق الانضمام إلى التحالف ضد داعش، استدعى والد الطيار إلى القصر. كلنا نعمل على تحريره، أعلن عبد الله، وكل الوسائل ستُستخدم لانهاء القضية بسلام. وخرجت العائلة إلى وسائل الاعلام وهي تحمل رسالة حازمة عن طيار دُعي لأداء واجبه للدفاع عن الوطن، وأن هذا هو شاب مسلم متدين كان يحمل القرآن في حجرة الطيار وأصر على أداء فريضة الحج في السعودية. وبكلمات اخرى: لا تحاولوا الاعلان عن الطيار الاردني بأنه «كافر» وألا يحلموا بالتورط مع الملك في احتفال شنيع من قطع رأس الأسير البائس.

وخلف الكواليس تدور منذ الآن اتصالات لعقد صفقة لتحريره. في نهاية الاسبوع صدرت تصريحات متفائلة عن الأمير الاردني الحسن، عم الملك عبد الله، الذي ادعى بأن الصفقة ستتم في غضون خمسة ايام. وجاء على لسان من يُجرون اتصالات الوساطة خلف الكواليس، بأن مثل هذا التصريح يعرقل فقط.

لا أحد يعرف ماذا يدور في رأس «أمير» داعش، البغدادي، وكم ستكلف الصفقة بالدولارات وبتحرير السجناء المحتجزين في سجون الاردن. الرسالة التي تخرج من عمان قاطعة وواضحة: خلافا للامريكيين الذين أعلنوا بأنهم لن يُجروا مفاوضات مع وحوش داعش، فان الاردن لن يوفر جهدا. سيدفعون وسيحررون، ويُلمحون منذ الآن بأنهم سيوافقون على التنازل على الأقل عن ثلاثة سجناء قتلة وعن ملايين الدولارات على أن يتمكنوا من وقف حد السكين على رقبة الطيار.

أما الجدال الجماهيري فيما اذا كان مناسبا الاعتراف علنا بأن الاردن يبعث بطائرات قتالية لقصف معاقل تنظيم الارهاب الاسلامي فقد انقطع في صالح حركة التضامن الجديدة «كلنا معاذ» التي تجتاح المملكة الصغيرة والعصبية. ففي نهاية الاسبوع خرج وفد إلى قرية في محافظة الكرك وتلقى الخطباء في المساجد الاذن من السلطات للاعلان بأن الحرب ضد الارهاب الاسلامي لن تتوقف. الساعة تتكتك والمبعوثون يجلسون منذ الآن في تركيا، في لبنان، في سوريا وفي المركز الاسلامي النشط لمعان في جنوب الاردن. واضح للملك بأنه لن يستطيع أن يسمح لنفسه بصور قطع رأس طيار اردني.

واضح لأنذال دعش أنه بسبب الاعصاب المتوترة يمكنهم أن يرفعوا السعر. فالمفاوضات على الصفقة متلوية، معقدة وعديدة القنوات. وقد سبق للاردن أن أدار صفقة لتحرير السفير الاردني الذي اختطف في طرابلس في ليبيا على أيدي الاسلاميين. وقد نجحوا في المكان الذي فشلت فيه الولايات المتحدة، والسفير الامريكي في ليبيا قُتل في عملية ارهابية.

في خطب نهاية الاسبوع في مسجد عمان الكبير، ذكرنا الخطيب نحن ايضا. في الحرب مثلما في الحرب، حتى حزب الله قام بصفقات مع اسرائيل. وفي الاردن تعلموا الدرس. وهم يعملون الآن على مدار الساعة كي يوفروا ما مر علينا، حين انتهت القضية الدراماتيكية لتبادل الأسرى بصورة تقشعر لها الأبدان من توابيت الدفن السوداء.

يديعوت 

حرره: 
س.ع