بالصور: طوق النجاة لمن فقد بيته في غزة

منزل خشبي

 

زاهر الغول

(خاص) زمن برس، فلسطين: مع دخول فصل الشتاء، وبدء المنخفضات الجوية التي لا تعرف سوى لغة البرد والريح والأمطار، والتي داهمت مؤخرا كرافانات المواطنين المنكوبين إبان الحرب الأخيرة على قطاع غزة واغرقتهم هم وأطفالهم في أزقة الممرات المقامة على أنقاض بيوتهم المدمرة.

ألحت الحاجة بالتفكير بمساكن بديلة خوفا من شبح الرجوع لمراكز الإيواء، والاكتظاظ الذي لا يجلب سوى كشف الحال والسلوك السيء.

ومن بين حروف "الحاجة أم الاختراع"، لم يتردد الشاب يوسف أبو شريتح (33 عام) في سكب مهاراته وخبرته وبلورها في بيوت خشبية أقامها في شمال قطاع غزة المنكوب كباقي مناطق القطاع، لم تكن الفكرة وليدة اللحظة. ولكن أبو شريتح قام بهذا العمل قبل خمس سنوات حيث أنشأ غرفا خشبية بجوار منزله من باب التسلية في وقت فراغه. والتي لاقت إعجابا من جيرانه وأصدقائه.

المواطن أبو سالم حمد (62 عام) من سكان شمال قطاع غزة لجأ لبناء بيت خشبي يأويه هو وأسرته، عوضا عن بيته الذي دمرته دبابات الاحتلال، وان هذه الفكرة حل بديل لحين بدأ مرحلة الإعمار التي كثرت الوعود بها وطال انتظارها، "لن اترك أسرتي تحت رحمة الحكومات "

فيما أكد أبو سالم أن المنزل الخشبي هو أفضل من تلك الكرفانات التي وزعت على المواطنين، قائلاً: المنزل الخشبي في فصل الصيف باردة وفي فصل الشتاء فهي دافئة واقل خطورة من أن يصيبها ماس كهرباء كما الكرافانات المصنوعة من الحديد وبالتالي غير آمنة عند هطول المطر.

ويتابع أبو سالم في حديث لِ"زمن برس"، قوله لقد سئمنا من مراكز الإيواء ناهيك عن الازدحام وقلة الإمكانيات فيها، لذلك قرت بناء منزلي الخشبي مما استطعت جمعه من أخشاب قديمة وما تيسر من غطاء له تبرع به أهل الخير.

يقول أبو شريتح صاحب الفكرة، بعد الحرب الأخيرة على غزة، جاءني عدد من الأصدقاء الذين تضررت منازلهم خلال العدوان، يطلبون مني إنشاء منازل خشبية نظراً لجودتها وتحمّلها مفاجئات الشتاء، مقارنة بالكرفانات الحديدية ليستروا أنفسهم وعائلاتهم من الشتاء.

وأوضح أن عملية بناء تلك المنازل الخشبية تتم باستخدام ما يستطيع المواطن توفيره من أخشاب سواء قديمة أم مستخدمة وأقمشة عازلة يبطن بها البناء بالكامل وتفتح نوافذ وتكون حسب استطاعة المواطن سواء من الألومنيوم مثبته داخل الحائط أو منافذ تهوية حسب القدرة، وهي محاولة لكسر الحصار خاصة بالجانب المتعلق بعدم إدخال مواد البناء.

 

يضيف أبو شريتح، أسميته "حي إسطنبول" لأنه يضم عدد من المنازل مصنوعة من الخشب وهذا أقرب بالشبه للأحياء الشعبية في إسطنبول التركية.

وعن تكلفة بناء المنزل الخشبي قال أبو شريتح، إن تكلفتها أقل بقليل من الكرافانات أو البناء بالأسمنت أو ما شابه، إضافة إلى أنها باردة في مواجهة حر الصيف الشديد، ولا تسرب المياه في الشتاء وكذلك دافئة عند اشتداد البرد، مع إمكانية التحكم بمساحة المنزل بقدر إمكانيات المواطن.
وأشار إلى ميزات المنزل الخشبي بسهولة نقله من مكان لآخر مع قلة التكلفة والتي تقدر بحوالي 1000 دولار، مقارنة مع بناء بيت من الأسمنت والذي تصل تكلفته لـِ 20 ألف دولار كحد أدني.

وفي ذات السياق، أشاد المهندس المعماري احمد صالح بالفكرة وشجعها نظرا لتكلفتها المعقولة وما تغطيه من حاجة للمواطن المنكوب الذي أصبح حقل تجارب تحت وطئه عبث الاحتلال وما يخلفه في كل عدوان على المواطن الغزي والتي كان أشدها العدوان الأخير على القطاع.

يتابع المهندس صالح لـِ " زمن برس"، ألقيت نظره على طريقة انشاء تلك البيوت الخشبية ومدى تحملها لما قد يحمله الشتاء من عواصف وأمطار إلا أنها أفضل مما كنت اتوقعه؛ فهي محكمة لا تتسرب المياه لداخلها، ومثبته بطريقة صحيحة وتحمل مظهر جمالي. ولكن الخوف من أن تصبح ظاهرة، يلجأ لها كل مواطن تعرض منزله للتدمير من قبل آلة الاحتلال الإسرائيلي ويتباطأ مشروع الإعمار من تنفيذ مشروعه أكثر مما هو عليه، وتصبح ذريعة بأن اصحاب البيوت المدمرة قد سكنوا ولا خوف عليهم ولا حاجة ملحة للاسراع في تنفيذ الإعمار.

كان الملفت للنظر رد المواطن "ناصر" من سكان القرية البدوية في حديثة أن هذه البيوت الخشبية أفضل بكثير من الحجارة والأسمنت والحديد متسائلا: هل الاحتلال يفرق بين خشب وحجر؟ مجيبا على نفسه لا يفرق، إذا هي الصواب فنحن لا مأمن لنا أينما نكون في بيوت من الخشب أو من الباطون حسب تعبيره، مؤكدا أنه في حال حصول عدوان آخر يكون أقل خسارة فمئات من الدولارات هي الأقل صعوبة  على المواطن من هدم بيت قد كلف آلاف الدولارات، فالخشب معوض ولكن البيت من الباطون المسلح بالحديد قد يكسر شوكة صاحبه طول العمر.

إن هذه البيوت الخشبية، ليست إلا واقعٌ مرير فرضته حربٌ مدمرة وإعمار مماطل ومعدوم، ومجتمعٌ عربي ودولي صامت لا يملك سوى عيون يرى بها ماحلّ وقد يحل على هذا المواطن، في ظل استمرار بطش هذا العدو الغاشم على ممتلكات وأرواح الشعب الفلسطيني.

حرره: 
س.ع