بالصور: "جميل" مقيد بالـ"جنزير" وسط عائلة تأكل الفقر وتشرب الضنك

جميل

زاهر الغول

(خاص) زمن برس، فلسطين: كلماته ممزوجة بصراخ لا يكاد السامع تفسيرها، يلقي بكل ما هو أمامه هنا وهناك لتنفيذ ما يطلبه دون الاكتراث لمن فهم أومن لم يفهم لغته.  هذا هو حال جميل عطا الزعانين (21عاماً) من شرق بيت حانون شمال قطاع غزة.

جميل هو الفرد التاسع في أسرته التي يكسوها الفقر وضنك الحياة، عندما كان في الخامسة من عمره ارتفعت حرارته وتم نقله إلى المشفى للعلاج، تكرر الأمر مرات عدة ولكن الإهمال الصحي كان سببا رئيسياً في وصوله لما هو عليه الآن.

دنيا الزعانين (52 عام) والدة "جميل" تقول: كان ابني معافى ولا يشتكي من شيء في السنوات الأولى من عمره حتى أصابته حمى كباقي الأطفال في سنه، فنقلناه أنا ووالده للمشفى ولكن الامر تكرر بل وكان يزداد سوءاً في كل مرة، إلى أن أخبرنا الأطباء بأنها حمى شوكية دون الاكتراث لحالته من قبل الأطباء وإعطائه الحق الطبيعي من العلاج والرعاية. تفشت الحمى الشوكية في جسده الصغير وامتد الأمر حتى وصلت دماغه وكانت بداية المرض والمعاناة وأصبح ينموا جسده ويكبر ولكن عقله وتصرفاته طفولية جنونية، و لا أستطيع السيطرة عليه في كثيرٍ من الأحيان وخاصة إذا ما كان يريد شيء،  كان مأكل أو مشرب، او ما دون ذلك. فيبدأ بالصراخ وإطلاق أصوات وعبارات لا تكون مفهومة في غالب الأحيان".

يستمر المشهد اليومي وتزداد المعاناة "صراخ وبكاء وتكسير وحركات يصعب على الرائي والسامع تفسيرها"، هذا هو حال جميل يوميا ما إن أراد شيء، ويحاول التعبير عما يدور حوله وما يريده ولكن لا يستطيع التحكم بتصرفاته. و مع هذه المعاناة تشتكي والدته من حال ابنها لتكشف عن كدمات ونتوءاتٍ في مواضع مختلة من جسدها تتعرض لها بشكل شبه يومي وما يصيبها إذا ما ثار هذا الابن وغضب وغالباً لا يكون سبب سوى إضطرابات في دماغه الصغير الذي لا ينموا ولا يكبر مهما كبر جسده.
تقول أخته شيرين "19 عاماً" وهي طالبة في جامعة القدس المفتوحة إنها الأقرب لأخيها "جميل" وكان واضحاً في مداعبته لها واحتضانها من حين لآخر في مشهد يشرح مدى تعلقه بها وكم تعطيه من الحنان والتفاهم حين يتعذر معرفة ما يريد ولماذا يصرخ.
تضيف شيرين أن "جميل كباقي أخوته يفهم ويشعر بما يشعر به الآخرون، فهو يلعب ويضحك ويبكي. ولكن الجزء الذي تعطل في عقله عقب مرضه يؤدي به لتصرفات عشوائية وغاضبه دائما، لذلك كنا مضطرين لربطه بجنزير حديدي موصول بأحد أعمدة المكان الذي نقيم فيه لنحد من ثورته وغضبه وهروبه خارج المنزل" كما تروي شيرين.
وتضيف:" هذا قدره ولا نستطيع سوى أن نقدم له مزيداً من الرعاية والحنان حسب قدرتنا وإمكانياتنا".


وتحاول شيرين أن تغطي جزء من مصروفات أسرتها ومتطلباتهم، وتلبية ما يحتاجه "جميل" وخاصة أن والدها عاطل عن العمل منذ سنوات. فهي تخصصت في علم الرياضيات ضمن دراستها في الجامعة وتقوم بإعطاء دروس خصوصية لأبناء الحي الذي تسكنه مقابل الشيء القليل في محاولة منها لسد حاجه أسرتها وتغطية ثمن الأدوية والمهدئات لكبح جماح  "جميل" وشقيقها الآخر محمد الذي يعاني قصةً مختلفة.

واشتكى رب الأسرة المسن عطية الزعانين (65 عام) حاله لكل المسؤولين، فهو عاطل عن العمل، و منذ عشر سنوات حيث كان يعمل داخل الأراضي المحتلة عام 48 وحاليا تقطعت به السبل فلا معيل له بعد الله. متذمراً لما يحل بهم  تحت حر الصيف وفي قدوم الشتاء وما يلقونه من البرد والمعاناة عند هطول المطر.
وتسكن هذه الأسرة فيما يشبه البيت وهي صفائح وقطع معدنية (زينقوا) في مكان تكسوه الرمال وهو سبيل الحيوانات والكلاب صبحة وعشية.

ويضيف عطية " تعبنا من هذه الحياة ولا نعلم متى ستنتهي معناتي أنا وأسرتي، حر الصيف أنهكنا وأتى الشتاء يحمل لنا البرد والأمطار التي داهمت فراشنا وملابسنا وما نملكه لنكمل به مسيره الأيام. ناهيك عن معاناتي باثنان مرضي يصعب السيطرة عليهم ما إن غضبوا في حال طلبهم مالا أقدر على توفيره.
لم تنته معاناة هذه الأسرة ولم يكن جميل فحسب، بل له أخ يدعى محمد (18 عاماً) وهو الآخر يعاني من مرض في الدماغ ويخضع للمهدئات (الترامادول والأسيفان) ويتردى وضعه أكثر حين يقوم جميل بضربه.

حرره: 
م.م
كلمات دلالية: