بعد انتهاء حرب العبث حان وقت السخاء

حرب على غزة

جدعون ليفي

كانت هذه أقسى حرب قامت بها اسرائيل وانتهت أمس الى المكان الذي بدأت فيه بالضبط، وهي في طريقها أحدثت ما لا يحصى من الجروح والندوب التي هي عند الفلسطينيين أكثر نزفا، أما عند الاسرائيليين فأعمق. إنتهت حرب الخمسين يوما بلا منتصرين ومع كل ذلك ابتهجوا في غزة فقط أمس وهم محقون بقدر ما.

لم يكن عدل في هذه الحرب، فهي حرب جرائم حرب من الطرفين، وهي حرب الدولة الاكثر تسلحا في العالم لأكبر قفص في العالم. ومع كل ذلك لا يجوز أن يُنسى درسها الاول وهو حدود القوة «العسكرية»؛ ولم تساعد القنابل الذكية والغواصات المتطورة والمتفجرات الكثيرة جدا ومئات الطائرات مع طيارين ومن غيرهم، فهي لم تحسم المعركة وما كانت قادرة على حسمها.

كتب المحلل الفلسطيني اللامع معين رباني أمس في صفحته في الفيس بوك: «حينما يأتي جيش لهدم أبراج سكنية وكأنه مهندس المدينة فانه لا يمكن أن يعتبر جيشا جديا». وقد قويت حماس برغم كل المحاولات الانفعالية لوكلاء الدعاية الاسرائيلية أن يعرضوا الامر بخلاف ذلك. وقويت غزة (الخربة) ايضا لأن مصيرها سيشغل الآن وقتا ما على الأقل، اسرائيل والعالم؛ ولولا صواريخها لما اشتغل بها أحد.

دفعت غزة دما كثيرا وسُفك دم اسرائيل ايضا لكن بقدر أقل. وسيشمل التوازن في المدى البعيد الى جانب الواجب على اسرائيل اضعافا آخر لمكانتها الدولية وأخطر من ذلك الندوب التي بقيت في نظامها الديمقراطي الواهن؛ ونشك في أن يكون شفاء هذه الجروح سريعا. وأصبحت حماس خلال ذلك منظمة ممثلة حتى في نظر اسرائيل ومثالا للصمود والاصرار في نظر أبناء شعبها على الأقل.

لكن امتحان هذه الحرب ما يزال أمامها. إن حرب العبث هذه قد تفيد اذا أمكن أن تفيد الحروب أصلا شرط أن تستوعب اسرائيل دروسها. إن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي خسر في هذه الحرب دعما شعبيا يستحق أن يحظى بتقدير تاريخي، فهو بخلاف زملائه عرف على الأقل متى ينهي هذه الفظاعة وفعل ذلك أمس مُظهرا بذلك زعامة مدهشة. وقد يعرف نتنياهو أنه قادر لا أن يقرر نهاية الحرب فقط بل أن يفتح صفحة جديدة ايضا. يجب أن تُفتح هذه الصفحة الثورية الآن بسخاء، سخاء المنتصرين في نظر أنفسهم. وستكون اسرائيل منتصرة في هذه المعركة فقط اذا استجابت لمطالب أعدائها العادلة وهي فتح حقيقي لغزة على العالم ودخول تفاوض في مستقبل المناطق المحتلة، فلا تكون «تفاهمات عمود السحاب» التي لم تكد اسرائيل تفي بها فأسرعت الى الافضاء الى العملية التالية، بل أن يكون توجه جديد نحو غزة وحماس والشعب الفلسطيني كله، وألا تكون فرص لالتقاط الصور مع محمود عباس بل تفاوض جدي مع مقاصد سلام مع حكومة مصالحة. وهذه الاستجابة فقط ستُثبت انتصار اسرائيل في المعركة.

قد لا يكون نتنياهو قادرا وقد لا يكون راغبا. لكن العالمين الغربي والعربي قالا له في الخمسين يوما الاخيرة إن هذه هي السبيل فقط لا غير. وقالت له غزة في الخمسين يوما الاخيرة إن اسرائيل لن تستطيع أن تحيا على سيفها الى الأبد فهو سيف ذو حدّين.

امتلأت المقابر في الخمسين يوما الاخيرة بالجثث وانشقت المستشفيات من كثرة الجرحى. وتراكمت الانقاض وطغت الكراهية والخوف لدى الطرفين. لكن الحلو ما زال يُنتظر، فقد تغير اسرائيل لاول مرة في تاريخها توجهها تغييرا أساسيا. ويبدو هذا داحضا الآن لكن كيف يمكن إنهاء حرب لعينة كهذه دون أن نتخيل الأمل على الأقل.

 

هآرتس