الجيش الاسرائيلي ينسحب من القطاع وما يتلو ذلك متعلق بحماس

الجيش الاسرائيلي

عاموس هرئيل

بدا لبضع ساعات أن زعزعة الجمهور الاسرائيلي بسبب نقض حماس للهدنة في يوم الجمعة ستفضي الى تعميق العملية البرية في القطاع، لكن المجلس الوزاري المصغر استقر رأيه على خلاف ذلك …

كان يبدو الى أمس أن عملية الجيش الاسرائيلي البرية في غزة توشك أن تنتهي. وقد تابع الجيش مضاءلة القوات في القطاع ويحصر العناية الآن في إتمام علاج الانفاق الثلاثة الهجومية. وبعد أن ينتهي العلاج المتوقع خلال الايام القريبة سينسحب أكثر القوات من القطاع وستبقى في القطاع وحدات صغيرة نسبيا في مناطق سيطرة قريبة من السياج الحدودي. إن اسرائيل تستعد في واقع الامر لانسحاب من طرف واحد دون تسوية. ومن هنا فصاعدا ستصبح المرحلة التالية كمراحل سابقة في الحرب متعلقة بحماس في واقع الامر، فاذا اختارت أن تستمر على اطلاق القذائف الصاروخية فسترد اسرائيل بهجمات جوية ويتواصل القتال حتى لو كان الاحتكاك على الارض أقل كثافة.

تم خروج القوات، الذي بدأ بقدر أقل في مساء يوم الخميس، برغم الواقعة الخطيرة التي قتل فيها ضابطان وجندي في صباح يوم الجمعة قرب رفح، وكان يبدو مدة بضع ساعات أن الزعزعة العامة الواسعة التي أحدثتها الواقعة ستزيد في عمق عملية الجيش الاسرائيلي البرية في القطاع. لكن المجلس الوزاري المصغر استقر رأيه في جلسة حاسمة في مساء يوم الجمعة على خلاف ذلك كما يبدو. إن الجيش الاسرائيلي بحسب الخطط الاصلية متجه الى الخارج وإن لم يكن موعد انتهاء القتال واضحا وإن تكن نتائجه مختلفا فيها. ومع ذلك تعقدت الصورة في نهاية الاسبوع أكثر حينما طلبت عائلة الضابط الى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن يوقف الانسحاب من غزة بدعوى أن ابنها حي. ورد نتنياهو أن «القرارات ستتخذ بحسب الحاجات الامنية فقط».

حدثت الحادثة في رفح في الساعة 9:16 صباحا أول أمس بعد ساعة وربع من دخول الهدنة الانسانية التي أُعلنت بواسطة الولايات المتحدة والامم المتحدة، حيز التنفيذ. وقبل ذلك ببضع ساعات جاءت قوة من دورية جفعاتي لتمشيط نفق هجومي عُثر عليه في ظاهر شمال شرق رفح. وشمل النفق، وهو على بعد نحو من 2500 متر عن اسرائيل، عددا من الآبار تقع احداها في المنطقة بين الدفيئات وطرف المنطقة المبنية. وتقدمت الخلية الامامية من القوة وفيها قائد الدورية الرائد بنيا شرئيل ومساعده الرقيب أول ليئيل جدعوني وقائد فريق في الدورية الملازم أول هدار غولدن نحو منطقة الدفيئات حينما أُطلقت عليهم النار واستعمل مخرب منتحر عبوة متفجرة كبيرة كان يحملها. فقتل شرئيل وجدعوني في المكان. وحينما جاء بقية رجال الدورية الى القوة التي هوجمت وجدوا هناك جثتي الاثنين وأشلاء المخرب المنتحر. ولم يظهر غولدن في المكان فأُعلن سريعا جدا في لواء جفعاتي حالة «هنيبعل»، أي اختطاف مقاتل.

شملت جهود التخليص مطاردة بطولية من نائب قائد الدورية ومقاتليه في داخل النفق خلافا لتوجيهات الجيش الاسرائيلي (التي صيغت خشية كمائن واماكن مفخخة)؛ وهجوم كتيبة دبابات الى داخل رفح الى أبعد نقطة بلغها الجيش الاسرائيلي في القتال؛ وحصار مسجد أفضى النفق اليه تبين أنه خال؛ وهدم بيوت بجرافات واستعمالا شديد العنف لنار المدافع والنار من الجو وقذائف الدبابات في محاولة لعزل منطقة الاختطاف. وأفادت مصادر فلسطينية أنه قتل نحو من 120 أول أمس منهم مدنيون كثيرون، وقالوا إن الجيش الاسرائيلي هاجم بعد الاختطاف كل سيارة وصلت الى المستشفى في رفح ومنها عدة سيارات اسعاف.

يبدو أن الجيش قد استعمل هنا بحسب الأوصاف بأقوى صورة حتى الآن اجراء «هنيبعل» للتشويش على اختطاف. وقد عمل القادة على نحو حاد صارم مُعرضين حياتهم وحياة مقاتلين للخطر مع استعمال غير عادي لاطلاق النار. ومن المنطق أن نفرض أن مجرد الجهد لوقف الاختطاف اشتمل على تعريض حياة الملازم أول غولدن نفسه لخطر حقيقي. وفي يوم السبت بعد الظهر قال ضباط كبار إن الجيش يُقدر أن غولدن أصيب بالتفجير الذي قتل رفيقيه في الوحدة لكن حالته الدقيقة غير معلومة.

زعمت حماس في البداية أن رجال الذراع العسكرية يحتجزون الضابط المخطوف وأنهم عملوا بسبب نقض الجيش الاسرائيلي للهدنة، وبعد ذلك حينما أدركت المنظمة كما يبدو أنه يلزمها نكث التفاهمات – بعد أن ندد متحدث البيت الابيض بـ «النقض البربري» للهدنة ودعا رئيس الولايات المتحدة اوباما حماس الى الافراج عن غولدن فورا – غيرت روايتها فزعم متحدثو الذراع السياسية أنهم لا يعلمون ما هي حال غولدن، وقالوا بعد ذلك إنه قتل هو وخاطفوه وقت مطاردة قوات الجيش الاسرائيلي.

اجتمع المجلس الوزاري المصغر قبيل دخول السبت، تحت ضغط عام متزايد. وأشارت استطلاعات الرأي قبل ذلك ايضا الى تأييد لتوسيع العملية يزيد على 80 بالمئة. ومع ذلك كله عرض رئيس الوزراء ووزير الدفاع وكبار قادة الجيش موقفا متشابها وهو أن العملية لعلاج الانفاق قريبة من استنفادها. ويحسن في الظروف الحالية بسبب ادراك أن عملية برية عميقة ستزيد في عدد خسائر الجيش الاسرائيلي، يحسن الانسحاب من القطاع واعادة نشر القوات قرب الحدود.

ووجدت بين يدي ذلك دعوى اعتمدت على تفرقة بين أسر هدار غولدن في ظاهر الامر واختطاف جلعاد شليط. فقد اختطفت حماس شليط في فترة توتر عسكري لكن لا في ذروة حرب. وأثار اختطافه تأييدا جماهيريا عظيما وضغطا على الحكومة لتنفيذ صفقة غير عادية للافراج عن سجناء عوضه (1027 مخربا)، اعتقد كثيرون أنها عبرت عن تنازل مفرط من اسرائيل.

كانت الظروف هذه المرة مختلفة وذاك أولا أن التغييرات في بنية الائتلاف الحكومي وتصعيد المواجهة العسكرية مع حماس منذ عاد شليط لا تُمكّن كما يبدو من صفقة اخرى تشمل تنازلا جد باهظ. وثانيا، الاختطاف في الحرب حادثة تختلف تمام الاختلاف. فبرغم أننا نقاتل منظمة ارهاب ليست دولة، يحسن أن نرى الملازم أول غولدن، كما أوصى ضباط من الجيش الاسرائيلي، أن نراه أسير حرب لا مختطفا. وفي الحرب يقع أسرى احيانا كما يوجد فيها قتلى ايضا (64 ضابطا وجنديا وثلاثة مدنيين اسرائيليين الى الآن). وبرغم الألم الذي يصاحب أسر حماس لضابط فانه لا يجب أن يشكل ذلك صورة المعركة – لا بالتنازل دون تفاوض ولا بتقويم واعٍ لانجازات العملية ونقائصها ولا بسؤال هل يجب الانسحاب من القطاع أو الدخول العميق الى الداخل، بل هذه قرارات يجب أن تتخذ بحسب تقدير متزن لحال الحرب.

اذا كان اتجاه الامور قد بدا واضحا خلال يوم السبت، فقد جاء تطور حاد حينما خرج السبت مع ظهور غير عادي لأبناء عائلة غولدن أمام عدسات التصوير قرب بيتهم في كفار سابا. قامت عائلة جلعاد شليط مدة خمس سنوات بحملة دعائية واسعة لم يسبق لها مثيل في قوتها أفضت آخر الامر الى الافراج عنه بصفقة. وبدأت عائلة غولدن معركتها فورا بطلب قاطع أن تتم متابعة الهجوم الى غزة الى أن يُعاد ابنهم. وقد أسمع والدا هدار، وأخوه التوأم وهو ايضا ضابط في وحدة مختارة، وأخته وخطيبته، أسمعوا طلب هجوم.

قال الوالدان إنهما يرفضان تصديق الأنباء عن انسحاب قوات الجيش الاسرائيلي. «أطلب الى الدولة ألا تغادر غزة الى أن تعيدوا إبني»، قالت الأم، حدفا. وأضاف الوالد، سمحا غولدن: «لا يخطر ببالي أن يتخلى الجيش الاسرائيلي عن مقاتل منه». وقال الأخ تسور: «كل شعب اسرائيل يقف من ورائنا». وكانت لتلك التصريحات ايضا آثار سياسية فورية. فقد طلب وزير الاسكان أوري اريئيل من البيت اليهودي الاستمرار على العملية البرية ونقل القرارات الحاسمة في هذا الشأن من المجلس الوزاري الامني المصغر حيث يوجد لنتنياهو أكثرية، الى الحكومة. وعبر كلام نتنياهو في مؤتمر صحافي بُث بعد ذلك بوقت قصير، عن محاولة اخرى لتبيان حدود قوة اسرائيل العسكرية في ميدان غزة المركب. «أثر كلام عائلة غولدن في قلبي»، قال نتنياهو لكنه أشار الى أن العملية البرية في الطريق الى نهايتها، وبين أن القرارات ستتخذ «بحسب الحاجات الامنية وبحسبها فقط». وبعد ذلك ببضع ساعات أبلغ الجيش الاسرائيلي عائلة غولدن استقرار الرأي على اعلان أن هدار قتيل.

على حسب الخطة العسكرية، ستستمر مضاءلة القوات على الارض حتى الاستيلاء على مناطق سيطرة على مسافة غير كبيرة غربي السياج الحدودي في داخل الارض الفلسطينية. ويوجد لذلك تعليل هو الرغبة في الحفاظ على ذخر يضغط على حماس كي توافق على هدنة منظمة. بيد أن حماس عندها الآن ذخرها وهو ضابط مختطف ليس وضعه واضحا. أما استقرار الرأي على إبقاء قوات في داخل القطاع فيشتمل على خطر منزلق دحض واقامة منطقة امنية مؤقتة تصبح دائمة آخر الامر. وسيكون الامتحان، كما هي الحال دائما، في السلوك اللوجستي: ففي اللحظة التي يوضع فيها في القطاع أول حمام ميداني للجنود سنعلم أننا تورطنا مرة اخرى.

ما زال نتنياهو تحت ضغط ثقيل من وزراء ومحللين سياسيين لتعميق العملية وارسال قوات أكبر الى داخل القطاع. وهذا تحدٍ يستطيعه الجيش الاسرائيلي لكن السؤال: بأي ثمن. قبل بضعة ايام صوت طائرة من سلاح الجو قطاع غزة من الشرق من جهة ناحل عوز. وظهر في الصورة جيدا خط البيوت الاول المدمر من حي الشجاعية. لكن توجد بعده كيلومترات كثيرة اخرى من منطقة مبنية باكتظاظ شديد. ويمكن أن نُخمن أنه حينما قال نتنياهو أمس في المؤتمر الصحافي «تهمني حياة كل جندي» أنه كان يفكر في ذلك بالضبط.

 

هآرتس