حرب تضليل في 2014

حرب

بدأت حربا اختيارية لأنه لو وجدت سياسة اخرى لاسرائيل في الاشهر الاخيرة لمنعت. ثم تطورت لتصبح حربا غير طائلة لأنه اصبح من الواضح كثيرا أنها لن تحرز فيها انجازات بعيدة المدى. وقد تتعقد لتصبح كارثة اكبر وستنتهي الى أن يتبين أنها حرب تضليل: فقد كذبت اسرائيل على نفسها.

كان التضليل الاول أنه لم يكن خيار. اجل كان هذا هو الوضع حينما سقطت القذائف الصاروخية في اسرائيل. لكن كانت الاجراءات التي سبقت الحرب هي التي أدت إليها. وليس من الصعب أن نتخيل ماذا كان يحدث لولا أن اسرائيل أوقفت التفاوض، ولو لم تخرج لحرب شاملة مع حماس في الضفة على إثر قتل الفتيان الثلاثة، ولو لم توقف تحويل الرواتب الى غزة، ولو لم تعارض حكومة الوحدة ولو تركت الحصار. وكانت صواريخ القسام هي الرد على ما اختارته. وبعد ذلك دحرجت الاهداف كما تدحرج في الحروب ـ من وقف اطلاق القذائف الصاروخية مرورا بالانفاق ثم الى نزع سلاح غزة. وقد تستمر على التدحرج ولا أحد يعلم الى أين.

هل تذكرون: «الهدوء سيُرد عليه بالهدوء»؟ أول أمس رفضت اسرائيل اقتراح جون كيري لوقف اطلاق النار.

وكان التضليل الثاني أن الاحتلال في غزة قد انتهى. وتخيلوا ارضا محاصرة سكانها سجناء، تصرف دولة اخرى جزءا كبيرا من شؤونها من تسجيل السكان الى اقتصادها مع حظر الخروج والحد من الصيد، وتطير في سمائها وتجتاح ارضها مرة بعد اخرى ـ أوليس ذلك احتلالا؟

والتضليل الثالث هو ادعاء أن الجيش الاسرائيلي «يفعل كل شيء» لمنع قتل المدنيين. وقد تجاوزوا الألف القتيل الأول، وإن جزءا كبيرا منهم على نحو مخيف من الاولاد الصغار واكثرهم مدنيون؛ مع أحياء سُويت بالارض و150 ألف لاجيء لا يدع لهم الجيش الاسرائيلي أي مكان آمن يهربون اليه ـ إن كل ذلك يجعل هذا الادعاء ليس أكثر من فكاهة مرة.

وكذلك زعم أن العالم يؤيد الحرب ويعترف بعدالتها هو تضليل اسرائيلي: صحيح أن ساسة الغرب ما زالوا يرددون أن من حق اسرائيل الدفاع عن نفسها، لكن الجثث المتراكمة واللاجئين اليائسين يُهيجون العالم ويُبغضون اليه اسرائيل أكثر فأكثر. وسينتهون الى أن يجرفوا ايضا المناصرين من الساسة.

والتضليل التالي هو في اعلان أن «شعب اسرائيل» بدا في هذه الحرب «شعبا رائعا». ولم يوجد هنا مدح للذات على هذا النحو. إن الشعب يجند نفسه لمساعدة جنوده وهذا مؤثر. لكن بدت في هذه الحرب ظواهر اخرى بكامل قبحها، الى جانب سيارات الحلويات وشاحنات الملابس الداخلية والجنازات الجماعية لعدد من الجنود. إن اللجنة لأجل الجندي، أعني شعب اسرائيل، ظهرت بلادة حسها بمعاناة الطرف الآخر فلم يوجد شيء من الرحمة ولا قليل من الانسانية ولا عطف على الألم. وتجري صور غزة المخيفة هنا بين تثاؤب وفرح. ولا يستحق شعب يسلك هذا السلوك المديح الذي يمنحه لنفسه. لأنه لا يوجد ما يمكن التأثر به حينما يقتلون في غزة ولا يهتمون في تل ابيب لذلك. ولا يوجد ما يمكن التأثر به ايضا في حملة التحريض على المعارضين القليلين. انها روح سيئة من الوزراء واعضاء الكنيست حتى زعران الشارع والشبكة الاجتماعية. لا يجوز الدخول إلا للطائعين. هل يتحدثون عن «وحدة اسرائيل» و«كل الشعب عائلة»؟ إنها فكاهة، ومثلها بالطبع ايضا فكاهة الاعلام الاسرائيلي الذي هو شبكة دعاية جندت بالأمر من تلقاء نفسها من اجل المدح والثناء والتحريض والتهييج واغماض العيون.

والفكاهة الكبرى وهي أم كل تضليل هي الايمان بعدالة النهج. ولكثرة ما يرددون هنا الى حد الاتعاب عبارة «حرب عادلة»، يتسلل إلى الظن أن الصارخين ايضا عندهم شكوك وإلا ما كانوا يصرخون بهذا القدر ولا يناضلون الاصوات المفردة التي تحاول أن تقول شيئا مختلفا، لأنه كيف يمكن تسويغ حرب كان يمكن منعها، وكيف يمكن الانتشاء بعدالتها مع صور الفظاعة من غزة.

قد تكون الارض تحترق ايضا تحت اقدام اعضاء هذه الجوقة التي تسوغ الحرب. وقد يدركون هم ايضا أنه ستنكشف الصورة الحقيقية بعد أن تضع المعارك أوزارها. لأن الحال كذلك دائما في حروب التضليل، وهكذا سينتهي الامر ايضا في حرب 2014

 

جدعون ليفي

هآرتس

حرره: 
ز.م