خطر تدهور أمني كبير

جيش الاحتلال

بقلم: عاموس هرئيل

حُل لغز خطف الفتيان الاسرائيليين الثلاثة أمس (الاثنين) مع ايجاد جثثهم في قلب المنطقة التي جرت فيها اعمال البحث طول الوقت، غربي الخليل. لكن الازمة الامنية التي أحدثها الاختطاف ما زالت في ذروتها. ويجب على حكومة نتنياهو الآن أن تحتال بين الغضب العام القوي لقتل الفتيان، والضغط السياسي من الجناح اليميني في الائتلاف الحكومي لرد اسرائيلي قاس، والخشية من التدهور الى مواجهة عسكرية عنيفة واسعة مع حماس ولا سيما في قطاع غزة. وسيضطر رئيس الوزراء الى أن يصوغ سلسلة ردود تبرهن للرأي العام على أنه ما زال قويا في مواجهة حماس كما قال في واحدة من المعارك الانتخابية السابقة دون أن يُجر على تعقيد عسكري طويل.
أثار خطف طلاب المدرسة الدينية موجة تأييد من الجمهور لعائلاتهم. لكنه أثار ايضا دعوات انتقام ولا سيما من اليمين المتطرف. وبرغم أنه لا توجد أية صلة مباشرة بين هذه الافعال، ينضم الاختطاف في غوش عصيون في الوعي العام الى احداث اخرى وردت الانباء بها في المدة الاخيرة وهي تحقيق قتل الشابة شيلي دادون من العفولة التي تطلب عائلتها الى الدولة أن تعلن أنه جريمة قومية برغم أن الشرطة لم تُبلغ بعد عن تقدم في التحقيق، وقضية قتل اخرى حُل لغزها أمس كما تقول الشرطة وهي قتل شابة من أسدود قبل تسع سنوات المتهم بها عربي اسرائيلي.
كل هذه الاحداث تسخن الجو بين اليهود والعرب في المناطق وفي اسرائيل ايضا. وليس عرضا أن أعلنت الشرطة أمس رفع حالة الاستعداد العملياتي لوحداتها في المناطق كلها لأن هذا الجو قد يفضي الى اعمال تحريض والى مظاهرات عاصفة ومواجهات عنيفة والى هجوم على العرب داخل الخط الاخضر. وبالاعتماد على تجربة الماضي يمكن أن نقدر بقدر كبير من اليقين أنه ستوجد محاولات احراق مساجد ومس بأملاك فلسطينية في المناطق في اطار ما يسمى عمليات «شارة الثمن».
يسمع بنيامين نتنياهو الدعوات الى الانتقام ويلاحظ ايضا توقع خطوات رد محددة من حكومته ومن الجهاز السياسي. وقد أجرى في الايام الاخيرة سلسلة مباحثات ترمي الى صوغ خطوات على حماس. ومما يوزن أن تقوى المعركة الاقتصادية على تحويل اموال الى حماس وطرد قادة المنظمة من الضفة وهدم بيوت مخربين.
اعلن جهاز الامن أنه ينوي أن يهدم بيت المشتبه به أنه قتل ضابط الشرطة باروخ مزراحي والذي أُجيز نشر نبأ اعتقاله في الاسبوع الماضي. ويُظن أن تتخذ اجراءات اخرى كهذه مع عدول عن السياسة السابقة، التي تم التوقف بعدها عن هدم بيوت مخربين منذ 2005. والهدف المعلن هو ردع الفلسطينيين، لكن هدف الحكومة وهو أكثر عملية هو تهدئة جأش الاسرائيليين لأن عملية صارمة قد تكف الغضب من الداخل.
سيكون قطاع غزة ايضا في جدول العمل كما كان دائما. وقد كرر وزير الخارجية ليبرمان، وهو مستشار في كل وقت، كرر في هذا الاسبوع شعاره في شأن الحاجة الى التفكير مرة اخرى في احتلال القطاع مجددا باعتباره الحل الوحيد لمواجهة حماس. ويُشك كثيرا في أن يكون أحد ما من زملائه في المجلس الوزاري المصغر يشاركه في هذا الاستنتاج. وإن الشيء قبل الاخير الذي يبحث عنه نتنياهو لنفسه هو مواجهة عسكرية طويلة مع حماس؛ وآخر شيء يحتاجه حقا هو السيطرة على القطاع كله وادارة شؤون الحياة اليومية لـ 1.8 مليون فلسطيني.
ومع ذلك فان الاغراء السياسي بخطوات تظاهرية على حماس في القطاع كبير. وبرغم أن اسرائيل لم تكشف عن مسدس مدخن – الصلة بين رجال حماس من الخليل الذين نفذوا الاختطاف وقيادة المنظمة في غزة – تخمن أن العملية تمت بحسب توجيه عام من القيادة. وقد زاد التوتر في الايام الاخيرة بين القطاع واسرائيل وزاد عدد القذائف الصاروخية التي أطلقت من هناك على النقب زيادة واضحة. وزاد سلاح الجو الاسرائيلي ايضا عدد هجماته. وفي ليل يوم الاحد قُتل رجل من حماس بواحدة من هذه الهجمات أعلنت اسرائيل أنها كانت موجهة على خلية كانت توشك أن تطلق قذائف صاروخية. ويثور الآن امكان أنه وقع هنا خطأ في التعرف وأن الخلية لم تكن مشغولة بالاعداد لاطلاق صواريخ.
وعلى كل حال توجد هنا ارض خصبة للتصعيد، فيكفي عملية اغتيال اسرائيلية واحدة لقائد كبير من حماس لاشعال نار أكبر.
وستكون تلك خطوة تجعل نتنياهو يحظى بهتاف من اليمين، لكن فيها طاقة كامنة خطيرة. وتُقدر «أمان» أن حماس في القطاع يوجد لديها الآن مئات القذائف الصاروخية ذات مدى اصابة يصل الى غوش دان، وتزعم حماس أنها تملك قذائف صاروخية قادرة على الوصول حتى أبعد من ذلك، الى شمال الدولة. ويجب على من يدخل في اجراء واسع على حماس في القطاع أن يأخذ في حسابه مواجهة عسكرية طويلة نسبيا تشمل اصابة أكبر للجبهة الاسرائيلية الداخلية. ويجب أن يكون لهذه العملية هدف أوضح من إشباع غريزة انتقام الجمهور.
وعلى الصعيد السياسي سيزيد ايجاد الجثث الضغط على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ليتبرأ من حماس. وقد أصبح هذا يحدث جزئيا منذ أن كان الاختطاف الذي أساء العلاقات بين المعسكرين الفلسطينيين الكبيرين، لكن من الصعب الى الآن أن نرى عباس يستجيب لطلب نتنياهو ويفكك حكومة الخبراء المشتركة مع حماس.
إن الهدف الرئيس لعملية «عودوا أيها الاخوة» وهو ايجاد المخطوفين أُحرز أمس. والنتيجة المأساوية – وهي العثور على جثث لا على مخطوفين أحياء – تناسب التقدير الراجح عند كل من كان مشاركا في الصورة الاستخبارية من البحث في الاسبوعين الاخيرين. وقد أفضى تحليل صورة عمل خلايا اختطاف سابقة من البدء الى استنتاج أنه لا يكاد يوجد شيء من احتمال أن يبقى أحد المخطوفين حيا على نحو ما.
يجب أن تبدأ نهاية القضية الفظيعة تباحثا مجددا في سلوك الحكومة والاذرع الامنية طول هذه الفترة. فالتكرار المتوالي لفرض عمل أن الثلاثة أحياء (والذي اعتمد في الاساس على عدم وجود معطى قاطع عن موتهم)، والتعزيز المعلن للآمال، ومهرجان بعض وسائل الاعلام حول العائلات – كل ذلك يثير سؤال ألم توجد هنا مبالغة أحدثت توقعات داحضة عند الجمهور.
وهناك سؤال مركزي بقي يتعلق بالعثور على الخاطفين.نجح «الشباك» الذي لم يعرف بخطتهم قبل الفعل، نجح مع كل ذلك في وقت قصير نسبيا في التعرف على المخربين اللذين نفذا العملية وفي اعتقال عدد من الاشخاص من الدائرة الخارجية للبنية التحتية الارهابية في الخليل. ومن المحتمل أن تُقدم في الفترة القريبة القادمة لوائح اتهام. وقد تم احراز حل اللغز النهائي نفسه بفضل تحليل المعطيات الجزئية من اعمال البحث مع اعمال تمشيط واسعة جدا من الجيش الاسرائيلي في المنطقة التي خُمن أن الجثث دُفنت فيها.
هذه حالة نادرة توجد فيها الجثث قبل أن يعتقل القاتلون. وبرغم الاخفاقات حتى الآن يمكن أن نخمن أن يوجد القاتلون إن عاجلا أو آجلا. عُثر على جثث الفتيان أمس على بعد بضعة كيلومترات عن المكان الذي قتل فيه رجال شرطة الوحدة الخاصة و»الشباك» في 1998 الأخوين عماد وعادل عوض الله. رئيسي الذراع العسكرية لحماس في الضفة بعد مطاردة طويلة. ويحتمل أن تكون نهاية مروان القواسمي وعامر أبو عيشة المشتبه بهما أنهما اختطفا الفتيان وقتلاهم، أن تكون مشابهة.