60 يوما هزت الوجدان

rajab_Abu_Sirriyeh_inside

بإضرابه عن الطعام منذ أكثر من ستين يوما، وتعريض حياته لخطر الموت، لا يرفع الشيخ الأسير المعتقل المناضل خضر عدنان إرادة التحدي في وجه الاحتلال الإسرائيلي البغيض فقط، ولكنه عملياً، يدق جدران خزان الصمت الفلسطيني، الذي دخل في سبات عميق، وعلى كافة المستويات الرسمية والفصائلية والشعبية منذ وقت طويل، ما أطلق يد العبث والبطش الإسرائيلية لتفعل كل ما يحلو لها في الجسد الفلسطيني، في كل الأماكن والاتجاهات، ولعل ساحة السجون التي تمثل ساحة المواجهة الأولى والمباشرة، هي أكثر الساحات التي تفردت بها إسرائيل، لتمارس فيها كل ما يعتريها من سادية احتلالية، ومن أمراض نفسية كريهة.

يجيء إضراب الشيخ خضر إذاً في وقت صعب، وفي لحظة تبدو فيها البطولة الفردية فعلاً دون كيشوتيا بامتياز، لكن من كان يعلم بأن إحراق محمد البوعزيزي لنفسه قبل نحو عام سيشعل ليس تونس فقط وإنما معظم المنطقة العربية، لذا لا يجب التقليل من شأن ما يمكن أن يفعله إضراب الأسير البطل خضر عدنان، في نفوس الفلسطينيين من بث لروح المقاومة والانتفاضة.

الملاحظ أن إضراب الشيخ خضر عن الطعام، وإشهاره أخطر وآخر سلاح يمتلكه الأسرى في وجه السجان، وهو الإضراب عن الطعام حتى الموت، جاء بعد نحو عام من صفقة تبادل الأسرى بين "حماس" والحكومة الإسرائيلية، كذلك بعد أن أخفقت كل محاولات إطلاق العلمية السياسية وبعد أن راوحت المعركة السياسية في الأمم المتحدة مكانها، وكذلك بعد أن طال وقت انتظار إنهاء الانفسام، وبذلك انسدت كل نوافذ وأبواب الفرص أمام الأسرى لإطلاق سراحهم، خاصة أولئك المحكومين بالمؤبدات.

لكن ورغم أن الشيخ خضر، لا يعد ابرز المحكومين من الأسرى من حيث مدة محكوميته، ولا من حيث مكانته التنظيمية، أو ما إلى ذلك، فإن السؤال الذي لا بد من طرحه هنا هو لماذا بقي وحده في ساحة الإضراب ؟ ومعلوم أن آلاف الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، قد خاضوا معركة الأمعاء الخاوية عشية إتمام صفقة تبادل الأسرى بين "حماس" وإسرائيل.

إضراب الشيخ خضر، عملياً يثبت أن قضية الأسرى ما زالت قضية تؤرق الفلسطينيين، وأنها ورغم وجود ملفات مهمة فلسطينية إلا أن هذا الملف ما زال ملفاً مهماً وواجب الاهتمام والحل، وان القضية لم تنته عند عملية التبادل، كما أن الشعارات، من إطلاق تهديدات أو وعود أسر " شواليت " آخرين أو إدراج قضية الأسرى كشرط للعودة إلى المفاوضات، لا تكفي، ذلك أن "اللي إيده في المي مش زي اللي ايده في النار" كما يقول المثل، وانه إلى حين النجاح في أسر جنود إسرائيليين كما وعدت "حماس"، أو موافقة إسرائيل على تبييض السجون، لعودة المفاوضات، لابد من ممارسة فعل ميداني ضاغط، وعلى أكثر من مستوى، ومنه القانوني، لإجبار إسرائيل على تنفيذ اتفاقية جنيف الرابعة بحق الأسرى الفلسطينيين، وعدم قبول نتائج محاكمها العسكرية المناقضة للقانون الدولي، وهذا عمليا يحتاج إطلاق طاقات الفلسطينيين وعلى كل المستويات.

أي أن ممارسة الكفاح الوطني الفلسطيني للظفر بالحرية والاستقلال، وتحقيق حتى الحقوق المطلبية، يحتاج " نظاما " فلسطينيا ديمقراطيا بشكل خلاق، ليس بمعنى تداول السلطة أو إجراء الانتخابات وحسب ولكن يحتاج نظاما ديناميكيا وحيويا يطلق طاقات وجهود أكثر من عشرة ملايين فلسطيني، حتى يمكن لهم أن يلحقوا الهزيمة بالمشروع الصهيوني ويجبروا "دولة" إسرائيل على الانسحاب من الأراضي المحتلة وإقامة دولة فلسطين، ومتابعة باقي الملفات من حق العودة والتعويض وما إلى ذلك.

رغم أن صحة الشيخ خضر في حالة الخطر، إلا أن حجم "التضامن" الفلسطيني ليس بالمستوى المطلوب، كذلك ردة فعل القيادات السياسية، تبدو مستهجنة، وهي تفكر فقط في الحفاظ على صحة الرجل، وهذا أمر مهم جدا وللغاية، ولكن رسالة الشيخ ليست شخصية، حيث يمكن من خلال اجتراحه البطولة الشخصية، تحويل المناسبة إلى فرصة لإطلاق الطاقة الانتفاضية الكامنة لدى الفلسطينيين، وهم جميعاً "أسرى" بهذا الشكل أو ذاك، ومن خلال انتفاضة شعبية يمكن إنجاز الوحدة وإنهاء الانقسام فوراً، بعيداً عن دهاليز السياسة والمحاصصات الثنائية والجماعية، حيث لا حاجة بنا لوحدة رسمية / شكلية، ليس من شأنها أن تقود كفاح الفلسطينيين ميدانياً وشعبياً، أو أن تجعل من ممارسة السياسة شأناً خاصاً كما هو حال الدول المستقلة.

يحرج إضراب الشيخ خضر عدنان كل أدعياء الوطنية والمقاومة وكل من يمارس الفعل الكفاحي من على المنابر ومن خلال الكراسي الدافئة، وكل من ينتظر الترتيبات السياسية وألاعيبها هنا وهناك، ويضع الجميع أمام مسؤولية النزول للشارع فوراً، ومواجهة الإسرائيليين على الحواجز الاحتلالية، وفي المستوطنات، وفي كل العالم وعلى الملأ، ودون خوف أو وجل أو تردد، فالاحتلال غير شرعي، وكل ما نجم عنه، من حواجز ومستوطنات ومن أحكام، ولا يكفي أن نظل نردد للآخرين بان الاحتلال غير شرعي، علينا أن ننزعه بأظافرنا، وان لا ننتظر العالم أن ينزعه عنا، ما الذي يمنع كل قادة ومنتسبي الفصائل وكل موظفي السلطة، وكل طلاب المدارس من بدء التحرك عبر يوم وطني لإزالة الاحتلال الإسرائيلي من الضفة الغربية والقدس، بالتظاهر أمام الحواجز والمستوطنات وإلقاء البيض الفاسد والحجارة عليها، وإطلاق حملة مطالبة شعبية بإزالة الاحتلال "الشعب الفلسطيني يريد إنهاء الاحتلال"، هل يحتاج الشعب إلى نماذج من بوعزيزي؟ وهل يستمر الشد في قضية الشيخ خضر عدنان إلى لحظة استشهاده، وحينها تنطق الحشود للانتفاض؟ هل بعد كل التضحيات والشهداء ما زال الفلسطينيون بحاجة إلى شهداء أضافيين ليخرجوهم إلى ميدان المواجهة مع الاحتلال؟

Rajab22@hotmail.com