الاتفاق مع ايران..شرق اوسط جديد ؟!!

بقلم: 

تمخضت المفاوضات بين ايران والدول الكبرى عن اتفاق انتقالي لمدة ستة اشهر، تتعهد ايران بموجبه بوقف برنامجها النووي مع رقابه دولية لمنشآتها، في المقابل يتم رفع جزء من العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد الايراني  الذي  كان على شفا حفرة من الانهيار.

يستطيع كل طرف ان يدعي انه انتصر وان الاتفاق لصالحة، وذلك من خلال التركيز على الجوانب الايجابية واخفاء ما عجز كل طرف عن تحقيقه. تستطيع ايران ان تقول انها نجحت في كسر الحصار ولم تتخلَ عن برنامجها النووي، فقط جمدته لفترة مؤقتة، وامريكا ومن معها من الدول الكبرى تستطيع ان تدعي انها نجحت في لجم المشروع النووي الايراني  ومنعت ايران من  امكانية  الاستمرار في تصنيع القنبلة النووية.

مفاوضات جنيف  والتي تمخض عنها هذا الاتفاق الانتقالي مع ايران، ووفقا لما  نشر من معلومات هو ثمرة اتصالات سرية مباشرة بين ايران والإدارة الامريكية بدأت في عُمان قبل ستة شهور، اي في عهد احمدي نجاد والتي استكملت في عهد الرئيس الجديد حسن روحاني، ولانها مفاوضات سرية فإن من المنطق ان لا تقتصر  فقط على الموضوع النووي، بل من المفترض انها شملت العديد من الملفات في منطقة الشرق الاوسط والتي تتشابك او تتعارض فيها المصالح الايرانية الامريكية مثل  افغانستان، العراق، دول الخليج وسوريا. طبيعة التفاهمات الثنائية بين امريكا وايران والتي ستتكشف معالمها في المستقبل وكذلك سيتكشف اكثر تداعياتها على الاستراتيجية الامريكية الجديدة في الشرق الاوسط.

من السابق لأوانه فهم عمق التغيير الذي سيتمخض عنه التقارب الامريكي الايراني في المرحلة المقبلة. ما هو اكيد ان هناك تداعيات ذات تأثير هام ستحدث في الاشهر المقبلة. وان هناك الكثير من الاسئلة ستجد لها اجابات في المستقبل، على سبيل المثال:

اولا: كيف ستتصرف اسرئيل مع الملف الايراني في المرحلة المقبلة في ظل الفشل الذريع لسياسة نتنياهو في هذا الملف، على الرغم انه يستطيع ان يدعي انه لولا الضغوطات التي مارسها لحصلت ايران على اكثر مما حصلت عليه في هذا الاتفاق. هل ابقى هذا الاتفاق اي مجال امام اسرائيل للتصرف لوحدها في هذا الملف؟ بمعنى هل الخيار العسكري اصبح اقرب ام اصبح اكثر صعوبة؟ هناك وجهات نظر اسرائيلية متباينة حول هذا الامر على الرغم ان الاعتقاد السائد بأن هذا الخيار غير ممكن في المرحلة الحالية، لان مشكلة اسرائيل ستكون مع كل العالم وليس فقط مع ايران.

ثانيا: كيف سينعكس هذا الاتفاق على العلاقات الاسرائيلية ـ الامريكية، على ضوء ما مارسة نتنياهو من تشويش على الرئيس اوباما والادارة الامريكة سواء من الناحية الاعلامية او من خلال الاتصالات مع اعضاء الكونغرس من قوى اليمين و جمهوريين؟ هل سيستسلم نتنياهو للواقع خلال الستة اشهر القادمة، في انتظار ان يفشل الاتفاق النهائي ليقول انني حذرتكم بأن ايران لن تتخلى عن مشروعها النووي؟ ام سيستمر في انتقاده العلني وتقديم ذلك على انه كارثة بالنسبة لاسرائيل وعلى اعتبار ان ايران المستفيد الوحيد من هذا الاتفاق، وان اوباما عمليا تخلى عن اسرائيل؟

ثالثا: كيف سينعكس هذا الاتفاق على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، هل سيجعل موقف نتنياهو اكثر تشددا واكثر استفزازا للموقف الامريكي. وهل امريكا وفقا لنهجها الجديد سيتراجع اهتمامها في هذا الملف الذي لا امل في انجاحه على الاقل في هذه المرحلة ام انها ستعتبر تهدئة الجبهة مع ايران سيعطيها ما يكفي من الهدوء لتفعيل دورها بشكل اكبر مما هو الان؟

رابعا: هل هناك تغيير استراتيجي في السياسة الايرانية ليس فقط فيما يتعلق بطموحها للحصول على سلاح نووي والاكتفاء بتطوير قدراتها النووية للاغراض السلمية ، وان هذا هو بداية لعهد جديد من الانفتاح والاعتدال في التعاطي مع العديد من الملفات، ام ان التيار المتشدد في ايران هو الذي سيقرر وان ما حدث من اتفاق هو تكتيكي لتخفيف الحصار الاقتصادي وبالتالي سيبقى النهج الايراني في كل ما يتعلق بسياستها من الملفات المتعددة كما هو وانه في لحظة محددة ستتنصل ايران من اتفاقها و تستأنف نشاطاتها النووية بعد ان تكون قد استفادت من رفع العقوبات الاقتصادية؟.

خامسا: من الناحية الامريكية، هل الاتفاق مع ايران هو مؤشر آخر على استراتيجية امريكية جديدة مبنية على تقليص دورها في منطقة الشرق الاوسط وعدم اللجوء الى استخدام القوة في معالجتها للعديد من الملفات، وان الاهتمام الامريكي سيكون اكثر بأتجاه شرق اسيا لما في ذلك من مخزون اقتصادي استراتيجي؟ وكيف سينعكس ذلك على ما ستتركة امريكا من فراغ كم هو الحال في الملف المصري والسوري؟ كيف سينعكس ذلك على علاقاتها مع السعودية بشكل خاص ودول الخليج  بشكل عام؟ 

في كل الاحوال، الاسابيع والاشهر القادمة قد تعطي اجابات حول تداعيات هذا الاتفاق وعمق تاثيرة على التحالفات في المنطقة و كذلك انعكاسه على القضية الفلسطينية التي بلا شك ستتأثر سواء بشكل مباشر او غير مباشر بهذه التطورات.