حتـى القبـور

صورة توضيحية

حتـى القبـور
سارة ليفوفيتش

سندفن جثث المخربين من العملية في مكان سري وبدون مراسم. هذا ما أعلنه يوحنان دنينو، القائد العام للشرطة، بعد العملية في هار نوف في القدس. المكان السري الذي قصده دنينو هو مقبرة قتلى العدو بالقرب من مفترق عميعاد. في الاجهزة الأمنية يحاولون تقليل شأن هذه المقبرة. ومقالات قليلة كتبت عن مقبرة قتلى العدو خلال 45 عاما منذ أنشئت المقبرة الاولى. الموضوع تقريبا لم يطرح للنقاش العام، وأبناء عائلات القتلى محظور عليهم زيارة القبور. المسؤولون عن المقابر هم قادة المنطقة الشمالية ومنطقة الوسط واشخاص رفيعو المستوى في الحاخامية العسكرية، وهم يفضلون عدم التطرق الى هذا الامر ويدحرجون المسؤولية عن ذلك بين بعضهم البعض.

افيغدور بن غال الذي كان قائد المنطقة الشمالية يطرق الهاتف عندما يتم سؤاله عن المقبرة. وقادة المنطقة الشمالية السابقين عميرام لفين ويوسي بيلد يرفضان ايضا الاجابة على الاسئلة المتعلقة بالمقبرة، «هذا شأن اخلاقي حساس»، يقول لفين، «ويتعلق ايضا بعائلات القتلى». أوري أور الذي كان قائد منطقة الوسط والشمال يقول إن هيئة الاركان العسكرية هي التي تعالج هذا الامر وليس قادة المناطق. «لم أعمل في أي مرة في هذا الموضوع، هذا سؤال سياسي مبدئي لا يقرر فيه قائد منطقة، ولم يسبق لي أن تعاملت مع هذا الامر».

حسب أقوال الحاخام يعقوب روجا، عضو في مجلس الحاخامات العام، والذي شارك في دفن جثث الجنود الذين خطفوا في السنوات الاخيرة: «نحن نفعل ما تطلب منا الدولة فعله».

شمعون بارتسيك، الذي كان رئيس قسم تحديد الهوية والدفن في الحاخامية العسكرية يقول إن الحاخامات العسكريين هم الذين تعاملوا مع الامر. وحسب الحاخام ابراهام أوحانونا، الذي كان حاخام القيادة الشمالية لمدة 19 عاما، حتى 2007: «لم أكن أنا الذي اهتم بالامر. أنا قمت بتنفيذ الأوامر».
ايلي بن دهان الذي كان مدير عام وزارة الاديان وأقام لجنة لفحص الموضوع وهو اليوم نائب وزير في وزارة الخدمات الدينية، لا يتذكر أبدا اللجنة والموضوع الذي أقيمت من اجله.

مفاوضات وعقاب

ست مقابر لقتلى العدو أقيمت في اسرائيل، تسعة أوامر عسكرية مختلفة – ومنها أمر هيئة اركان – قامت بترتيب عمل هذه المقابر، ولكن ثلاثة تقارير وجدت أخطاء في اجراءات الدفن وصيانة المقابر. في السنوات الاخيرة طرأ تحسن على هذه المقابر، وجثث كثيرة تمت اعادتها للعائلات، وبقي نحو من 100 جثة فقط في يد اسرائيل. ومع ذلك حذر وزير الدفاع اهود باراك قبل ثلاث سنوات من الحالة السيئة لهذه المقابر وقال إن الجثث تختفي. في مركز الدفاع عن الفرد الذي يهتم باعادة الجثث الى العائلات، يزعمون أن اسرائيل ما زالت مستمرة في اضاعة جثث المخربين.

المقبرة الاولى أقيمت بعد حرب الايام الستة بسنتين بين نابلس وأريحا وخصصت للمخربين الذين قتلوا في مواجهات مع الجيش في المناطق. وفي السنوات التالية أقيمت مقابر مشابهة بالقرب من كيبوتس غدوت الى جانب معسكر توليب بالقرب من قرية الغجر، بالقرب من جسر بنات يعقوب وبالقرب من جسر آدم شرق جدار الحدود مع الاردن في غور الاردن.

قبل 13 عاما تم اخلاء المقابر في غدوت وتوليب، ونحو 300 جثة تم نقلها الى مفترق عميعاد. العمل في المقابر في جسر بنات يعقوب وبالقرب من جسر آدم توقف في الآونة الاخيرة، وهي تعتبر مقابر مغلقة. المقبرة الوحيدة التي تعمل الآن هي الموجودة بالقرب من مفترق عميعاد. هناك كما يبدو ستُدفن جثث عدي وغسان أبو جمل، المخربان من العملية في الكنيس في هار نوف، هذا في حال لم يُعادا الى عائلتهما.

عائلة الاثنين تطالب باعادة الجثث، ولكن المحكمة المركزية التي انعقدت في الاسبوع الماضي، تحدث فيها ممثل الشرطة وقال إن الدولة تريد إبقاء الجثث من اجل عدم تحويل المخربين الى نموذج للتقليد. اعطاء الجثث، الجنازات، الدفن واقامة الشاهد من شأنها تعظيم اسم المخرب، كما تزعم الشرطة التي تأمل في منع كل ذلك، وبالتالي ردع مخربين مستقبليين. هذه هي المرة الاولى التي تعترف فيها الدولة بأنها تحتفظ بالجثث من اجل العقاب. في دعاوى مشابهة في السابق ادعت الدولة أنها تدفن في اسرائيل جثث المخربين من اجل المفاوضات لاعادة مخطوفين.
الأمر ملائم

المحامية سيغال بن آري من مركز الدفاع عن الفرد والذي اهتمت حتى الآن بمئة طلب من عائلات لاعادة جثث المخربين، تقول إن اعتبار المفاوضات واعادة المخطوفين قد طرح أكثر من مرة في رد الدولة على دعاوى للمركز. «عندما تم خطف جلعاد شليط لم توافق الدولة على اعادة جثث المخربين من اجل أن تتمكن من اجراء المفاوضات لاعادته. فقط بعد عودة شليط تم اعادة 20 جثة من بين 30 كانوا طالبوا بها».

في عام 1985 تحدث عضو الكنيست يوسي سريد عن التجارة بجثث المخربين وقال إن هذا انحطاط اخلاقي للانسانية. داني يتوم الذي كان قائد المنطقة الوسطى قال إنه لا يحب تعبير التجارة بالجثث. «دولة اسرائيل تتصرف بطريقة صحيحة عندما تحتفظ بجثث المخربين لأنها ستستخدمها من اجل هدف عادل هو اعادة جنودنا. وقد سبق أن نجحنا في اعادة جنود ومواطنين مقابل اعادة جثث، وبهذا وفرنا على أنفسنا اعادة مخربين أحياء». أوري أور ايضا كقائد منطقة كان مسؤولا عن هذه المقابر، يعتقد أن الدولة غير مخطئة باحتفاظها بالجثث من اجل مفاوضات مستقبلية. «اذا كان الفلسطينيون يستغلون جثثنا من اجل المفاوضات فلماذا لا نفعل ذلك؟ هذا أمر خُذ وهات».

وكدفعة اولى لصفقة شليط أعادت اسرائيل نحوا من 90 جثة مقابل جثث الداد ريغف واهود غولدفاسر، وأعيدت 199 جثة مخرب لبناني. في أيار 2012 وكبادرة حسن نية ومن اجل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين أعادت اسرائيل للسلطة الفلسطينية 91 جثة. وفي تشرين الاول 2013 أعيدت 6 جثث، 3 منها لعرب اسرائيليين. بين كانون الثاني ونيسان 2014 أعيدت للفلسطينيين 36 جثة ومنها جثث عز الدين المصري الذي فجر نفسه في 2001 في مطعم سبارو في القدس وكان مسؤولا عن موت 19 قتيلا اسرائيليا، وجثتي الاخوين عماد وعادل عوض الله، رئيسي الذراع العسكري لحماس اللذان قتلا في الخليل، وقد تم الاحتفاظ بجثتيهما فترة قياسية هي 16 عاما. وفي آب 2014 قالت محطة «الميادين» اللبنانية إن اسرائيل اقترحت تسليم 15 مخربا و8 جثث مقابل جثث هدار غولدن وأورون شاؤول.

رعاية خاطئة

في صيف 2011 دار نقاش عام حول اعادة الجثث للفلسطينيين. قبل ذلك بسنة طلب الفلسطينيون اعادة 170 جثة دُفنت في اسرائيل، لكنهم لم يقدموا قائمة بالاسماء. وافق رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الدفاع باراك مبدئيا. والمقبرة في غور الاردن كانت مليئة، وظروف المنطقة تسببت بتحلل الجثث، وكانت الحكومة تريد التخلص من الجثث قبل ازدياد وضعها سوءً. «الشباك» يعيد جثث مخربي فتح بعد الفحوصات، لكنه عارض اعادة جثث مخربي حماس والجهاد الإسلامي. الجيش تعرف على 84 جثة من أصل 170، 20 منها كانت لمخربين من حماس. وبعد الانتقاد العام جمد باراك نقل الجثث، لكنه حذر من أننا على خط النهاية. «الجثث موجودة في مقبرة ميدانية»، قال، «الجثث تضيع وبعد قليل لن يبقى ما نسلمه».

يوجد لدى اسرائيل اليوم حوالي 100 جثة لمخربين، وليس واضحا ما هي حال الجثث. في آذار 1999 فحص مركز الدفاع عن الفرد ومنظمة «بتسيلم» المقابر في غور الاردن وبالقرب من جسر بنات يعقوب، وفي تقرير عنوانه «جثث ممنوعة» كتب الباحث يحزقيل لاين أن المعاملة الخاصة والاحترام للميت الموجود في اسرائيل لا نراها عند الحديث عن أموات غير اسرائيليين. وحسب التقرير فانه في الاعوام 1967 – 1994 لم تكن هناك سياسة منهجية فيما يتعلق باعادة جثث المخربين لعائلاتهم. بعد العملية في مستوطنة نتساريم في تشرين الثاني 1994 بدأ يتبلور نمط منهجي أكثر يقول إنه لن تعاد جثث مخربين الى عائلاتهم، الامر الذي يعتبر عقابا جماعيا سواءً ضد العائلات الثكلى أو ضد المخرب نفسه. «لا يمكن محاكمته، لكن الرغبة في الرد على اعماله بقيت كما هي وكذلك مشاعر الانتقام. هذه المشاعر الموجهة للجثة كممثل جسدي وفيزيائي للانسان».

فحص التقرير حالة عيسى عبد مسلم زواهرة الذي قتل في شباط 1990 في مواجهة مع الجيش الاسرائيلي. في البداية أعلنت الدولة لعائلته أنه غير موجود في اسرائيل، وبعد ذلك أعلنت أن زواهرة مدفون في مقبرة بالقرب من جسر بنات يعقوب. وقد تم فتح القبر ولكن لم يكن بالامكان التعرف على الجثة. حسب التقارير المكتوبة كان يفترض أن يكون زواهرة مدفونا في قبر رقمه 245. الفلسطينيون يطلقون على هذه المقابر اسم «مقابر الارقام».

في القبر 245 كانت جثتان والقبر 244 كان فارغا. النيابة زعمت أن اجراءات الدفن جيدة، ولكنها اعترفت أنه بسبب تحرك الجثث لا يمكن ايجاد جثة زواهرة، ولا داعي لاعادة فتح القبور. في تموز 1998 تبين من خلال فحص الـ دي.ان.ايه أن أي جثة من الجثث الثلاث الموجودة في القبرين 245 و244 لا تعود لزواهرة. وقد انتقد التقرير بشدة الاهمال في توثيق والحفاظ على الجثث.

رغم التحسن الذي حدث في السنوات الاخيرة سواءً في اجراءات الدفن أو في توثيق القبور ورعايتها، فلم يتم استخلاص العبر، هكذا كتب على موقع الانترنت الخاص بمركز الدفاع عن الفرد، والدولة تستمر في اضاعة جثث المخربين الفلسطينيين الذين يمكن أن تستفيد منها في المفاوضات المستقبلية.

معاريف

حرره: 
س.ع