«الدولة الإسلامية» ضد مؤسسيها

الدولة الاسلامية

الطبيعة المتقلبة للأزمة في الشرق الأوسط تؤكد أن تحالفات الجماعات المقاتلة غير مؤدلجة
 

بقلم: تسفي بارئيل

حدث زلزل هذه الايام المنظمات الجهادية: هذا الاسبوع، وللمرة الاولى منذ 20 سنة، نشرت طالبان سيرة حياة زعيمها، الملا عمر. الذي استضاف اسامة بن لادن ومنحه المأوى في اعقاب احداث الحادي عشر من سبتمبر، والذي حافظ لعشرات السنين على سرية مطبقة التي جعلت منه شخصية غامضة، معروفة للقلائل فقط.

لم يتم نشر صورته او طبيعة حياته او مكان إختفاءه غير المعروفين. يعتبر نشر سيرته الذاتية، ثقافته ومآثره الكثيرة ضد «العدو الأمريكي» امرا استثنائيا ويثير اهتماما كبيرا، وتحديدا بسبب توقيته.
وفقا لخبراء افغان وباكستانيين يتابعون المنظمات الجهادية في دولهم، فإن التفسير لكسر الاسوار الغامضة مرتبط بالتسرب المتزايد من مسؤولي طالبان إلى الدولة الإسلامية (داعش). الذين يشعرون ان زعيم طالبان منفصل عن جمهور مؤيديه وانه لم يعد مؤهلا من اجل اكمال الرسالة العليا للحركة، خاصة وانهم يرون ان مصادر تمويل الحركة آخذة بالانكماش. كما ان هناك جزءا آخر من الحركة يعارض عملية التصالح مع الحكومة الافغانية خوفا من ان عدم نجاح المشروع، سوف يؤدي إلى تراجع الحركة عن مراكز القوة التي سيطرت عليها. من هنا جاء ابراز قوة الملا عمر ووجوده العلني، وعرض نفسه كزعيم وحيد ممكن لحركة طالبان وكبح جماح تيار المتسربين «إمارة داعش في خراسان» والتي تطمح لتمثيل الحركة الإسلامية في افغانستان، والباكستان، إيران والهند.
في الطرف الاخر من الشرق الاوسط نشرت مؤخرا تقارير من عدة مصادر، جاء فيها ان زعيم القاعدة ايمن الظواهري، يعتزم الاستقالة. ووفقا لهذه التقارير فإن الظواهري اعطى الحرية لرؤساء «الفروع» في انحاء الشرق الاوسط من منح الولاء للمنظمة، وحثهم على الانضمام إلى منظمات إسلامية اخرى، ومن بينها داعش. هذه المعلومات المفصلة جدا ادلى بها ايمن دين، احد نشطاء القاعدة الذي تركها في سنوات الـ 90 الا انه ما زال يحافظ على روابط وثيقة مع المنظمات الإسلامية. ففي مقابلة مع صحيفة «الحياة» اللندنية، تحدث دين كثيرا ان الظاهري توصل إلى استنتاج مفاده انه لم يعد مؤهلا لمنافسة داعش. على الرغم من نجاحه في إقامة ثلاثة فروع جديدة ـ في الصومال «الشباب»، وفي سيناء والهند ـ الخلافات الداخلية، خاصة في الفرع الاهم في اليمن، والذي اجتاز جزء منه الحدود إلى داعش، جعل من القاعدة منظمة ثانوية وهامشية.
وفي سوريا ايضا، والتي عملت فيها القاعدة من خلال جبهة النصرة، بزعامة ابو محمد الجولاني، فإن وضع المنظمة فيها ايضا ليس متينا. فجبهة النصرة التحقت بالقاعدة في مرحلة متأخرة من القتال ضد الدولة الإسلامية وفي اعقاب الخلاف المرير بين الجولاني وزعيم داعش، ابو بكر البغدادي. فالبغدادي الذي كان زعيم القاعدة في العراق قبل ان يصل إلى سوريا، تم الطلب منه من قبل الظواهري بالعودة إلى العراق، والعمل من هناك وان يترك لجبهة النصرة ادارة المعركة في سوريا. الا ان البغدادي، الذي اصبح يسيطر على العديد من المناطق في البلاد، رفض طلب الظاهري واعلن انفصاله عن القاعدة، من خلال توجيه بعض الشتائم للظواهري، ورفض التعاون مع الجولاني إلى ان يعلن الولاء له.
الا انه مؤخرا يبدو ان جبهة النصرة ايضا تواجه معضلة صعبة. فقطر التي على مدار سنوات وفرت لها التمويل، والمساعدة ووضعتها تحت رعايتها غير الرسمية، تتطلع إلى فصلها عن القاعدة والحاقها بمنظمات إسلامية اخرى والتى تحظى باللقب غير المبرر «المعتدلة». من اجل التمكن من شطبها من قوائم الادارة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، ومن ان اجل ان تتلقى بشكل مباشر المساعدات من قطر من دون احراجها وان تنضم إلى مقاومة داعش والاسد.
الا ان جبهة النصرة التي تسيطر على عدة مناطق استراتيجية، ما زالت ترفض القرار. ولم يتضح للمنظمة بعد ما هي الفائدة التي ستجنيها من انفصالها عن القاعدة، والتي تجبرها على القتال إلى جانب منظمات لها اختلافات ايديولوجية معها وربما تقاسمها بعض المناطق الخاضعة لسيطرتها، والتي تجني منها ارباحا آنية. وفي المقابل، فإن رفض الطلب القطري من شأنه ان يمس بمصادر تمويلها. وفي حال نجحت قطر بضم تركيا إلى محاولات الاقناع، فإن ذلك من شأنه ان يغلق الممر الآمن والحيوي مع تركيا من اجل نشاطات جبهة النصرة.
تدلل منظومة الاعتبارات هذه على ان الولاء او عدم الولاء لتنظيم القاعدة، غير قائم على الايديولوجيا، بل على قيم براجماتية تتعلق ببقاء التنظيم.
وبناء على ذلك، فإن جبهة النصرة تدرس إمكانية إقامة منظمة جديدة بإسم جديد، يسمح لها بالتحرر من قائمة المنظمات الإرهابية من جهة وضمان تمويلها من جهة اخرى. ولكن على ما يبدو ان خطوة كهذه سوف تتسبب بإنشقاق جديد في صفوف المنظمة، مما يضعف قوتها العسكرية وكذلك من قوة مساومتها امام قطر.
لقد تلقت جبهة النصرة ضربة اضافية ثقيلة هذا الاسبوع، بعد ان خسرت معركة مخيم اليرموك الفلسطيني. فالقوة المسلحة الاكثر تأثيرا في المخيم تعود لمنظمة «اكناف بيت المقدس»، التابعة لحماس والمدعومة من الاخوان المسلمين في سوريا، خصوم جبهة النصرة. فالصراع بين هذه التنظيمات جاء لصالح داعش ووفقا لعدة تقارير، فإن افراد من جبهة النصرة ساعدوا داعش في القتال ضد اكناف المنظمة الحمساوية. وهناك شكوك كبيرة ان هذه الاجراءات قد تم تنسيقها مع الظواهري، البعيد ايديولوجيا عن داهش وعن الاخوان المسلمين.
الطبيعة المتقلبة للازمة والتي تعرض كل لحظة منظومة جديدة واحيانا غير منطقية من التحالفات بين المنظمات، تجعل من الانتماء إلى اعلى لكل منظمة على غير ذي صلة بالايديولوجيا. فلم يعد يفرق اذا كانت جبهة النصرة تابعة للقاعدة او حتى تمول من قبلها، حتى ولو كانت في مناطق اخرى تتعاون مع داعش وغيرها ممن تعمل ضدها. وبصورة مشابهة يمكن رؤية «تقديم الولاءات» من اكثر من 30 منظمة إسلامية حول العالم لداعش، او انفصال جزء منها عن القاعدة. فداعش بحاجة إلى هذه الولاءات من اجل ان تجعل من نفسها التنظيم الاكبر والاقوى، وبشكل اساسي من اجل إزاحة، ان لم يكن للقضاء على، القاعدة كمنظمة منافسة. حيث عملت القاعدة بصورة مشابهة من قبل حيث ابعدت من داخلها الذي ينافسها حاليا على وجودها.
ففي بداية طريقه ميز اسامة بن لادن بين نوعين من الاعداء: القريب- الانظمة العربية والإسلامية التي لا تطبق الإسلام الصحيح، والبعيد ـ واساسا الغرب الذي يحاول تصدير ثقافته والسيطرة على بلاد الإسلام ويزعزع القيم الدينية. ضد هذين العدوين يجب القتال جنبا إلى جنب، هكذا افتى بن لادن.
وبعد الحروب في العراق وافغانستان، تحول العدو البعيد إلى قريب جدا بسبب وجوده في البلاد المحتلة، الامر الذي ساعد في تجنيد المناصرين ليس فقط بإسم الدين بل بإسم القومية.
ولاحقا انشأ بن لادن فروعا في معظم الدول الإسلامية التي تم دعمها من قبل منظمات متطرفة وإرهابية، والتي كانت اهدافها الرئيسية الانظمة المحلية ولكنهم ساهموا ايضا في نشاطات لمهام دولية.
على هذا الاساس اقام ابو بكر البغدادي رافعة سلطته. ففي ظل هذا المبنى الصلب من الممكن ان يتلقى داعش هزيمة في دولة او في منطقة معينة، ولكن البنية الاساسية التنظيمية له تستمر في التواجد وفي ضم فروع القاعدة اليها ايضا. وهذه من جانبها، تستمر في فقدان المناطق التي تحت سيطرتها.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م