صناعة الإرهاب

صناعة الارهاب

بقلم: يوسي ملمان

في يوم الجمعة الماضي عادت المحامية نتسانا فرشن ـ لايتنر بعد بضعة ايام عمل في نيويورك. وبعد اربعة أيام استقلت طائرة اخرى وقطعت المحيط، هذه المرة باتجاه معاكس. إن كثرة الرحلات على خط مطار بن غوريون ـ نيويورك هي جزء من نمط حياة كل من يعتمد على رحلات العلاقات العامة تشكل رأس الحربة للحرب القانونية ضد الإرهاب، وضد الدول الداعمة للإرهاب، البنوك، شركات التأمين وكل من تعتقد أنها تساعد مباشرة أو غير مباشرة الإرهاب ضد الاسرائيليين واليهود في أرجاء العالم.

في محادثة مع صحيفة «معاريف» تقول المحامية النشيطة إبنة الـ 41 عاما إن الحديث يدور حول «مهمة للحفاظ على جنود الجيش الاسرائيلي والحرب ضد الإرهاب». ولكن هذه «المهمة» تحولت إلى مهنة تعيل عشرات الاشخاص في البلاد والعالم وأكثر.
في الماضي أطلقوا لقب «صناعة السلام» على رجال اليسار ـ الصحافيين، الكُتاب ورجال جهاز الامن ـ الذين يطيرون في أرجاء العالم، يلقون المحاضرات ويخطبون مقابل المال مع ضيافة سخية، أو يحظون بالمشاركة في مؤتمرات دولية. وكلما أخذت مسيرة السلام بالتعثر والاهتمام العالمي بالنزاع الاسرائيلي الفلسطيني قل، كذلك ايضا تضمحل «صناعة السلام». وفي مقابلها يزدهر في السنوات الاخيرة عملا جديدا ـ النضال القانوني للإرهاب. هذا النشاط لا يعيل المحامية لايتنر وزوجها المحامي افيئال لايتنر، الذي كان نشيطا قبل ثلاثين عاما في حركة الحاخام مئير كهانا، لكن ايضا عشرات المحامين في اسرائيل والعالم، ولا سيما في الولايات المتحدة، والى جانبهم خريجي جهاز الامن الاسرائيلي ـ رجال الموساد والجيش المخابرات.
رجال الماضي هؤلاء يتم استئجارهم من قبل المحامية لايتنر أو مكاتب محاماة اخرى تعمل في هذا المجال مثل غابي ميرون بصفة محققين أو خبراء. حيث يُطلب منهم صياغة رأي مهني، الظهور كشهود خبراء في المحاكم في أرجاء العالم وتقديم المعلومات. في هذه المجموعة من الخبراء والشهود يمكن أن نعد رئيس الاستخبارات السابق اللواء أوري ساغي (الذي كتب رأيا مهنيا للبنك العربي في الدعوى التي قدمت ضده من قبل عائلات ضحايا الإرهاب)، بيري غولان الذي كان في الماضي رئيس قسم قي جهاز الامن العام، آريه شفتسمان الذي شغل في الماضي منصب مستشارا للشؤون الفلسطينية في الادارة المدنية، ألون افيتار الذي شغل في الماضي منصب مقدما في مكتب منسق عمليات الجيش الاسرائيلي في المناطق، الصحافي السابق روني شكيد (الذي كان في ماضيه البعيد من رجال جهاز الامن العام «الشباك»). هذه قائمة جزئية فقط.
هذا مصدرا ليس سيئا للرزق. إن أجرة الشهود والخبراء مقابل رأيهم وشهادتهم تُدفع على الاغلب طبقا للمعايير الأمريكية – عشرات آلاف الدولارات وأكثر. احيانا يتم سفرهم تزويدهم بتذاكر السفر في قسم رجال الاعمال من اجل الظهور في المحاكم لا سيما في الولايات المتحدة وتتم استضافتهم في فنادق فخمة.

في أعقاب أبو العباس

لايتنر تعمل باسم رابطة العدل، التي عند تسجيلها في 2002 حددت هدفها: «لزيادة الوعي العام فيما يتعلق بضائقة ومعاناة ضحايا الإرهاب وعائلاتهم، ووضع النضال ضد منظمات الإرهاب على جدول الاعمال، العام والعالمي». لايتنر من مواليد بتاح تكفا، وابنة لوالدين هاجرا من ايران. وقد درست الحقوق في جامعة بار ايلان وبعد ذلك واصلت دراستها للقب الثاني في مانشستر في بريطانيا.
لايتنر قالت إن الحرب القانونية الاولى لها كانت بعد اتفاقات اوسلو في 1994، عندما قررت هي واصدقاءها تقديم التماس لمحكمة العدل العليا ضد حكومة اسرائيل من اجل منع دخول المخرب محمد زيدان إلى المناطق. كان هذا معروفا أكثر باسم أبو العباس، رئيس «جبهة التحرير الفلسطينية»، الذي قام بخطف سفينة الركاب الأمريكية «أكيلا لاورو» في 1985. اثناء الخطف قتل المخربون ليون كلينغهوفر وهو سائح أمريكي معاق، ورموا كرسيه في البحر. «قرروا بأن أقوم بتقديم الادعاء آملين أنه بسبب كوني امرأة فان المحكمة لن تقوم بالصراخ علي وأن تفرض علينا غرامات»، واضافت «محكمة العدل العليا رمتني بصورة مهذبة عن الدرج، لكنها اقتبست في قرار الحكم الجملة التي قلتها: دم كلينغهوفر يصرخ من باطن الارض».
هذه المحاولة أدت بها لاتخاذ قرار «العمل من اجل الضحايا». هكذا تم تأسيس الرابطة، ورغم أنها الروح النابضة فيها والواجهة المعروفة لها، لايتنر لا تعتبر في مديريها أو اعضاء لجنتها لاعتبارات قانونية ومالية. صفتها الرسمية هي «مستشارة خارجية». ايضا في اثناء التسجيل فضلت ألا يظهر اسمها في قائمة السبعة المؤسسين، ومكان اسمها تم تسجيل اسم أحد أقاربها. من ضمن المؤسسين يوجد العديد من معارفها من سكان بتاح تكفا الذين لا يعني اسمهم شيئا للجمهور.
الرابطة الموجودة في مكاتب غير كبيرة في رمات غان تُشغل سبعة موظفين وميزانيتها تبلغ نحوا من 10 ملايين شيكل. الرابطة غير معفاة من ضريبة الدخل لضرورات حصولها على التمويل، وكل دخلها يأتي من التبرعات من خارج البلاد. حسب وثيقة مسجل الروابط في سنة 2012، كان من ضمن المتبرعين الصندوق المركزي لاسرائيل في نيويورك (7 ملايين شيكل)، صندوق بيت المهاجرات من تورنتو (112 ألف شيكل)، ستانلي روت من استراليا (39 ألف شيكل)، ستانلي كيت من سويسرا (39 ألف شيكل) واوروينغ موسكوفيتش، ملك المقامرات من فلوريدا المعروف بدعمه لمنظمات المستوطنين، تبرع بواسطة صندوق «جائزة موسكوفيتش للصهيونية» بمبلغ 194 ألف شيكل. بالمناسبة، تجدر الاشارة إلى أن الجائزة أعطيت قبل بضع سنوات لـ لايتنر.
على مدى 12 سنة منذ تأسيس الرابطة ولا سيما في السنوات الاخيرة تحولت إلى مدعية متسلسلة في شتى ارجاء العالم ضد حماس وحزب الله وايران وكوريا الشمالية وسوريا. والى مدعية ضد البنوك وشركات التأمين بهدف ثنيها عن الاتصال مع منظمات الإرهاب أو مبعوثيهم.
«لا تعتبر لايتنر محامية لامعة»، يشهد بذلك محامي يعرفها، «لكنها بيقين مخلصة جدا لمهنتها وهي ذكية وتُظهر الكثير من المبدئية والوقاحة». لا يوجد شك أنه من جهة متضرري الإرهاب أو عائلاتهم فان مساعدة رابطة العدل مهمة جدا. التعويض المالي الذي يحصلون عليه احيانا لا يعوضهم عن الخسارة لكنه يُشعرهم بأن هناك من يطالب بالعدل من اجلهم.
طريقة رابطة العدل تعمل كالتالي: تقوم لايتنر بتحديد متضرري الإرهاب أو عائلاتهم وتطلب أن تمثلهم في الدعوى، وعلى الاغلب يكونون من المواطنين الأمريكيين، لكي يكون حق في تقديم الدعوى في المحاكم الأمريكية. عدد منهم مع ذلك يحمل جنسية مزدوجة، الاسرائيلية والأمريكية. بعد حصولها على موافقتهم تقوم باستئجار خبراء يقومون بالتحقيق ويبلورون القضية، عندها تقوم باستئجار محامين معروفين ومهمين في الولايات المتحدة أو في الدول التي تقوم بتقديم الدعوى فيها. هكذا مثلا في الدعوى المقدمة للمحكمة الفيدرالية في جنوب منهاتن في نيويورك، يعمل لصالحها محامين من المكتب المعروف والكبير «آرنولد آند بورتر» الذين قاموا قبل 30 عاما بتمثيل اريئيل شارون في دعوى التشهير التي قدمها ضد المجلة الاسبوعية «التايم»، على خلفية حرب لبنان الاولى والمذبحة في مخيمات اللاجئين صبرا وشاتيلا.
الدعوى التي يتم بحثها الآن أمام القاضي الفيدرالي جورج دانيالس، هي دعوى جديدة: هذه هي المرة الاولى التي تقدم فيها دعوى ضد السلطة الفلسطينية بتهمة المشاركة في الإرهاب. تم تقديم الدعوى باسم 12 عائلة أمريكية تضرر ابناؤهم من اعمال الإرهاب في فترة الانتفاضة الثانية في السنوات 2001 – 2004. في تلك العمليات قتل 33 شخصا وجرح 450. من بين المدعين الزوجين فلدمان اللذين أصيبا في حادثة اطلاق نار في شارع يافا في كانون الثاني 2001. وبعد خمسة ايام أصيب أبناء عائلة سكولوف ـ الأب والأم وولديهما – في عملية انتحارية في شارع يافا. عملية واحدة تم بحثها وهي التي حدثت في حافلة في شارع ارلوزوروف في القدس في يناير/كانون الثاني 2004 وقتل فيها 11 شخصا. في الماضي ادعت احدى عائلات المصابين على حماس بصفتها مسؤولة عن العملية. الآن المدعى عليها على نفس العملية هي السلطة الفلسطينية. المنتحر كان شرطيا في السلطة الفلسطينية تطوع لتنفيذها من قبل حماس. حماس أعدته للمهمة، لكن في نهاية المطاف انشق الشرطي عن حماس وانضم إلى فتح، ومن قبل فتح أرسل لمهمة القتل هذه.
في المحكمة شهد الون افيتار واسرائيل شرنتسر، الذي شغل في الماضي رئيسا لقسم التحقيق في جهاز الامن العام واليوم هو محاضر في جامعة تل ابيب. الاثنان قدما بيانات ووثائق تشمل غنائم تم الاستيلاء عليها في عملية «السور الواقي»، التي تثبت دعم السلطة المتواصل لمخططي العمليات ولعائلات الانتحاريين. وتهدف الوثائق إلى تثبيت الادعاء بشأن مسؤولية السلطة المتواصلة ومنها مسؤولية ياسر عرفات وكبار رجالات فتح.
«المسؤولون عن الاعمال التي يتم بحثها هم موظفون كبار في السلطة الفلسطينية»، تؤكد لايتنر، «هؤلاء هم ضباط في الشرطة وفي اجهزة الامن وغيرهم الذين بواسطة المساعدة المالية ـ السلاح، المال وتأمين المأوى ـ قاموا أو كانوا مشاركين في العمليات. نحن نحاول اثبات العلاقة بين العمليات الإرهابية والسلطة الفلسطينية».
لايتنر تكشف أنه في حال نجحت في المحكمة فانها تستطيع الحصول على المال نظرا لأنه تم وضع اليد على حسابات بنكية تبلغ عشرات ملايين الدولارات وعقارات تعود للسلطة ـ منها مبنى البعثة الفلسطينية في الامم المتحدة الذي يعود إلى صندوق الاستثمار الفلسطيني وم.ت.ف.

الحارسة القضائية

المشكلة في الاجراءات القضائية التي تقوم بها وتديرها رابطة العدل، هي مشكلة مزدوجة. في المرحلة الاولى الدعاوى المقدمة تطلب من المحاكم ادانة المدعى عليهم، وعند الحصول على الادانة والحكم بالتعويض ـ يجب تقديم دعوى اخرى من اجل تحصيلها.
عملية التحصيل معقدة أكثر. في البداية يجب تنفيذ تحقيق عميق لمعرفة أين هي الممتلكات ـ حسابات بنكية وعقارات. المدعى عليهم والدول ومنظمات الإرهاب يخفون على الاغلب اموالهم بواسطة شركات وهمية وشخصيات قانونية. نشرت الـ «نيويورك تايمز» مؤخرا أنه رغم أنه حكم لهم في السنوات الاخيرة بـ 1.6 مليار دولار فقد نجحت لايتنر ورابطتها في تحصيل 10 بالمئة فقط من المبلغ، وحتى لو نجحت الرابطة في اقتفاء مكان الممتلكات، فان المحاكم لا تسارع إلى الحجز لصالح المدعين. في حالة ايران المسألة أكثر تعقيدا. عشرات المليارات من الاملاك، النقود والعقارات الايرانية من عهد الشاه مجمدة في الولايات المتحدة، وهي تحت سيطرة وزارة المالية ووزارة الخارجية، اللتان تدخلتا في جزء من الالتماسات وطلبتا من المحاكم عدم الاستجابة لدعاوى المصادرة والتجميد من قبل لايتنر.
هنا يبدأ عمل التذاكي والخبرة. كمثال على ذلك: قبل بضع سنوات قرأت خبرا بأن ايران توجهت إلى جامعة شيكاغو بطلب أن تعيد اليها مقتنيات فنية أرسلت اليها من اجل البحث في عهد الشاه. لايتنر استغلت الفرصة وقدمت التماسا للمحكمة بطلب مصادرة هذه المواد ونقلها اليها، وذلك لتنفيذ أحد الاحكام التي صدرت لصالح ضحايا الإرهاب وضد ايران. جامعة شيكاغو وحكومة ايران ومنظمة اليونسكو والادارة الأمريكية وجدت نفسها في جهة واحدة من المتراس. المحكمة حكمت ضد رابطة العدل.
في مرة اخرى حققت لايتنر نجاحا، فقد سمعت عن بيت اشتراه الشاه في السبعينيات لابنه، (بيبي شاه) في مدينة لوبك في تكساس بالقرب من قاعدة لسلاح الجو حيث اجتاز هناك دورة تدريبية في الطيران. في أعقاب التماس للحجز على البيت وبيع العقار تم نقل الاموال إلى المدعين.
حسب اقوال لايتنر فان الاموال التي يتم الحصول عليها تُقسم كالتالي: بداية يخصمون الاتعاب وهي كثيرة. بعد ذلك الثلثين يتم نقلهما للمدعين والثلث الباقي كأجر للمحامين. تدعي بقوة أنه خلافا لعدد من الروابط العاملة في هذا المجال التي تأخذ مبالغ كبيرة من المستثمرين، فانها تعتمد فقط على التبرعات. «لست مستعدة لأن يستثمر مستثمرون في دعاوى بهدف الحصول على عائد كبير، هذا لا يشكل عملا بالنسبة لي».
حسب اقوالها: «لست سياسية، لم أتردد في المواجهة مع رئيس الحكومة نتنياهو في اعقاب الالتماس الذي قدمناه ضد البنك الصيني الذي كانت فيه حسابات لمبالغ نقلت إلى حماس».
أنت محسوبة على اليمين، وتمثلين فقط اليهود.
«هذا ليس صحيحا. في الدعاوى التي قدمناها باسم ضحايا الإرهاب ضد بنك كندا – لبنان الذي يعمل في لبنان عن اطلاق الصواريخ في حرب لبنان الثانية انضم للدعوى ايضا مدنيون عرب ودروز. في دعوى اخرى مثلت عائلة لكاهن صيني تم تعذيبه وتوفي في سجن في كوريا الشمالية».
هذا من نوع الدعاوى التي بسببها قيل عنك إنك محامية مكائد وحيل وعلاقات عامة.
«لكن هذا يعمل».

معاريف 

 

حرره: 
م.م