عندي أزمة أزلية مع الألوان!

ألوان

أيام المدرسة الابتدائية، كان أستاذ الفن مصرًّا على أن أتعلم الرسم. وحظي من الرسم كمفحص قطاة، سواء من حيث ضآلة الأفكار الفنية، أو سوء علاقتي مع الألوان.

كان يستغرب في غرفة المدرسين من علاماتي الجيدة معهم. وكان يرغي ويزبد ويغلظ الأيمان أنني سأرسب في الرسم، كأول حالة في سجله المهني.

كنت أضع خطوطًا زرقاء أسفل "اللوحة" وأسمّي هذا الحيز البحر، وأضع بالأصفر قرص الشمس وأشعته أعلاها إلى اليسار، وأشكالاً في الفراغ بين البحر والشمس، وأدّعي أنها طيور، وقد يبلغ الشطط مداه، فأزعم أنها نوارس.

سبب غيظه ليس سوء تنفيذ الفكرة وحسب، لكن لأنه كان طلب أن نرسم سيارة أو وجهًا نحبه، ولم يكن في ذهني إلا البحر والشمس والطيور.

مرت تلك السنة على خير، لكن علاقتي مع الألوان ساءت.

حدود الألوان التي أعرفها متداخلة، تشبه لوحة سوريالية أنتجتها لطشة معتوه على قطعة قماش بيضاء فذابت واتحدت معًا.

الذاكرة في موضوعة اللون تتواطأ مع الذكريات؛ فالياسمين أربطه بالشام وبياض قلوب أهلها، فأتذكر اللون أكثر.

أما علم فلسطين مثلاً، فلدي استعداد للجزم بمكان الأحمر والأبيض فقط، أما الأسود والأخضر، فلي في غوغل خير معين.

لم أكن لأقيم للأمر وزنًا، لولا أثره على حياتي اليومية.

الأحمر عندي أحمر فقط، أما القرميدي والنبيذي مثلاً، فلا علم لي بهما.

إن طلب أحد رأيي في لون، فإنني أطرق قليلاً ثم أقول دون تفكير: لو كانت الدرجة أقوى قليلاً أو أضعف قليلاً، وفقط. ثم أهرب كلص قبل أن يكتشف أمره شرطي.

قد ألتقط عن حبل الغسيل جوربين لونهما بني ولكن من درجتين مختلفتين، فألبسهما، وقد أضع رجلاً على رجل في لقاء عمل مهم!

أتذكر هذا كله، وأنا أحاول أن أقول لك: عيناك الخضراوان كانتا عشبي في ليالي الوحدة والجوع إلى سماع صوتك.

لكنني أشك في ذلك، وأقول: لا لا، بل كانتا زرقاوين، وكانتا حرزي وتميمتي في حياتي كلها.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.