دمعتان في ملعب المباراة!

ستاد الظاهرية

انسكبت على أرض ملعب دورا في الخليل قبل أيام، دمعتان، الأولى نزلت على الشبك الجانبي للمعشب الأخضر، حارقة وتنزل على دفعات، والثانية في منتصف الميدان، تهادت على الوجنتين، تنكسب بسهولة، ولا تنقطع.

"يابا .. إوعك"

لوّح لإبنه من الخط الجانبي للملعب، كان يهمّ بأن يقول له: "يابا! اوعك تسقط عن شبك المدرج"، فيردّ الولد بابتسامة رقيقة: "يابا .. انت بالملعب؟ جاي تشوفنا!" فيطير من الفرحة.

في المشهد "يتلبّك" الولد أولاً، ثم يؤدّي رقصته الشهيرة في المدرّج، تلك المكوّنة من هتاف أوله "الله، فلسطين"، وآخره "القدس عربية"، وبينهما يدان مرفوعتان للسماء، وعيونٌ تقدح شعلة انتصار، ثم يقبض ذراعيه و "يفردهما" مجدّداً على أكتاف زملاءه ويبدء معهم عملية القفز غير المحدّد، ومردّداً هتافا بعضه تشجيعي لفريقه، وأكثره للوطن، والشهداء.

شاهد إبنه "باسل" بعدها يحمل الطبل ويقرعه لقائد المشجعّين، ومرة شاهده يمدّ ذراعه في آخر المدرّج ويطلب منه أن يصافحه. وفي المرة الأخيرة شاهد فلذة كبده يتنقل بين المشجّعين، يوزّع عليهم "زهوراً بيضاء"، ويبتسم.

في الواقع، كان أبو الشهيد "باسل سدر" يسكب دمعته حينها، حارقة ومتقطّعة، على الشبك الجانبي للملعب، يداريها عن الناس، ويقول "يا ليته هناك" عندما مرّ اسم ابنه على عينه مكتوباً على لافتة محمولة بين الجماهير. هو يعرف بأن باسل قد استشهد قبل شهر وأكثر، ولكنه اقتبس الأمل من لافتة رفعها مشجّعوا فريق الظاهرية في نهائي بطولة كأس الشهيد ياسر عرفات لكرة القدم، مكتوبً عليها: "الشهداء لا يموتون، دماءهم تزهر ثورة"، فتخيله بينهم أو في الجهة المقابة، حيث كان يشجّع فريق شباب الخليل.

دمعة ثانية .. لأبناء العمّ
في الوقت الذي حان فيه وقت ركلات الترجّيح كان لاعب الوسط الشابّ مهنّد فنون الخيار الثالث لفريقه شباب الخليل في المباراة النهائية لبطولة تحمل اسم الشهيد "أبو عمار".

قبل المباراة استقبل مهنّد خبراً صاعقاً مفاده أن "مصطفى، وطاهر" أبناء عمومته ودّعا الدنيا شهداء. قتلهم جنود الاحتلال في مدينتهم بشارع يُطلق عليه اسم "شارع الشهداء" في البلدة القديمة.

في طريقه نحو المرمى، كان يفكر مهنّد في ابتسامة مصطفى الأخيرة، وضحكة طاهر معها. وراح يسأله نفسه "أين هم الآن؟ هل هُم بخير؟ هل حقاً ماتوا؟ هل أجدهم في المدرّج .. كأني لمحت إسمهم". في الحين، كانت كرة مهنّد تخرج خجولةً من أقدامه، فـ يصل إليها حارس مرمى الظاهرية وليد قيسية، ويتصدى لها بسهولة.

استكملت الركلات الترجيحية، ركلة بركلة، وخسر فيها شباب الخليل (فريق مهنّد) في النهاية. وبينما استجمع لاعبو شباب الخليل قواهم من جديد، متجّهين نحو لاعبي شباب الظاهرية بعبارات المباركة، كان مهنّد لا يزال يجلس على دائرة منتصف الملعب، يمسح دموعه بذراعية، ولا يدري هل تبلّل قميصه منهما أم من عرق تصبب عليه اثناء اللعبة.

التدوينات المنشورة تعبر عن رأي كتابها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي زمن برس.