تقرير يكشف عن السلاح الأقوى لمواجهة الظلام في غزة

غزة

زمن برس، فلسطين: ناقش تقرير أخير لمركز العمل التنموي، "معا" انتشار ظاهرة صديقة للبيئة في قطاع غزة تتمثل في  إنتاج الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية، والتي دفع انقطاعها لقرابة عقد من الزمان بمؤسسات وأفراد إلى الاعتماد على هذا النوع من الطاقة الشمسية في توليد التيار الكهربائي. لكن اللافت في الأمر هذه الأيام، أن لمشاريع الطاقة المتجددة شركات محلية  بتوريد الأجهزة اللازمة لذلك وتكون غالبًا من صنع صيني.
,يعاني قطاع غزة من أزمة نقص حادة في التيار الكهربائي منذ تسع سنوات تصل في بعض الأسابيع إلى 50% من احتياجاته، وتضطر بموجبه شركة توزيع الكهرباء الوحيدة في غزة إلى تزويد المواطنين بالكهرباء لمدة 6 ساعات متواصلة مقابل 12 ساعة قطع.
يبدأ التقرير المعدّ من قبل الصحفية سمر شاهين برأي إبراهيم المشهراوي، مسؤول في إحدى شركات توريد أنظمة الطاقة البديلة، الذي أشار إلى أن أسعار الأجهزة تتفاوت بحسب نوعيتها وجودتها، وتبلغ تكلفة المشروع حوالي 1200 دولار أمريكي. ويضيف أنه غالبًا ما يلجأ إلى هذه المشاريع أصحاب الدخل المرتفع في القطاع الساحلي، الذي يعتمد غالبية سكانه البالغ عددهم قرابة مليوني نسمة على المساعدات الدولية.
الطاقة النظيفة تغزو القطاع
ويشير المشهراوي وهو مهندس يشرف على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، إلى أن استخدامات الطاقة الشمسية في قطاع غزة تجاوزت البيوت وصولًا إلى تشغيل المصانع ومصاعد العمارات السكنية العالية، وهي صديقة للبيئة في الوقت نفسه (طاقة نظيفة وصحية).
وتوفر لوحات الطاقة الشمسية كما يقول المشهراوي طاقة كهرباء مجانية الاستخدام، فيما يمكن تخزينها عبر البطاريات لاستخدامها في ساعات الليل.
ويعد قطاع غزة غنيا بالطاقة الشمسية بنسبة سطوع تبلغ نحو 300 يوم مشمس سنويًا بمتوسط حوالي 8 ساعات سطوع يومي، تزداد صيفاً وتقل شتاءً، وهو ما يتيح للوحات الطاقة الشمسية تقليل اعتماد البيوت والمؤسسات على التيار الكهربائي التقليدي، كما يقول المشهراوي.
وتتراوح حاجة قطاع غزة من الكهرباء من 380 ميجا وات ( في الخريف والربيع ) إلى 440 ميجا وات ( في الصيف والشتاء). ولا يتوفر حاليا إلا قرابة 212 ميغاوات، توفر إسرائيل منها 120 ميغاوات، ومصر 32 ميغاوات، و 60 ميغاوات من محطة توليد الكهرباء الوحيدة بغزة. ويقول مسؤولون في سلطة الطاقة الفلسطينية إن قطاع غزة بحاجة إلى 400 ألف لتر من وقود السولار لتشغيل محطة التوليد بكامل طاقتها.
وينوه المشهراوي إلى العائد الاقتصادي "الكبير" لمشروع الطاقة الشمسية من خلال إمكانية استرداد المواطن صاحب المشروع نظام البيع عبر توفير الكهرباء التقليدية، القادمة من شركة توليد وتوزيع الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة.
ويشرح هذه النقطة أكثر بأن مجموع فترة الكهرباء الموفرة في ساعات النهار والليل لو تم حسبتها بتسعيرة تكلفة الكهرباء القادمة من شركة الكهرباء، ففي هذه الحالة، يمكن استرداد سعر النظام الخاص بالمواطن خلال فترة تتراوح من خمس إلى سبع سنوات.
وينوه إلى أن الخلايا الشمسية الموردة ومعظمها من صنع صيني يمكنها أن تخدم لمدة خمس وعشرين سنة، في حين يمكن استبدال البطاريات بعد تلفها ليس قبل مرور خمس سنوات على تشغيلها.
ونظرًا للظروف الاقتصادية السيئة في قطاع غزة يشير المشهراوي إلى أن التوجه الأكبر للسكان يقتصر على تزويد بيوتهم بالإنارة من خلال أجهزة "اليو البي الأس" مع بطارية من دون طاقة شمسية، وهي تكلفهم قرابة 2000 شيكل إسرائيلي.
وطريقة استخدام النظام الشمسي لتوليد الكهرباء تتم من خلال وضع الخلايا فوق سطح المنزل لتحول ضوء الشمس إلى إلكترونات كهربائية، يتم تحويلها بواسطة أسلاك إلى بطاريات تقوم بحفظ الطاقة الكهربائية الناتجة من ضوء الشمس، وبعد ذلك يتم تحويل الطاقة المخزنة بالبطاريات إلى محولات كهربائية توزع الكهرباء على المنزل أثناء ساعات انقطاع التيار الكهربائي.

الحاجة أم البدائل
وبدأت أزمة انقطاع التيار الكهربائي في حزيران عام 2006 عندما أغارت طائرات حربية إسرائيلية على محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة وأصابتها بأضرار بالغة في محولاتها، وذلك ردا على أسر حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
وتقول سلطة الطاقة والموارد الطبيعية في غزة، إنها عمدت لإعداد خطة استراتيجية تهدف إلى تشجيع التوجه للاستفادة من الطاقة المتجددة عامة والشمسية خاصة، حيث أن نسبة الاستفادة المتوقعة من الكهرباء المولدة عن طريق الخلايا الشمسية تصل في العام 2020 حسب هذه الخطة إلى 20 % من إجمالي الطاقة الكهربائية المستهلكة في غزة.
ويشير مدير دائرة الطاقة المتجددة في سلطة الطاقة المهندس رائد أبو الحاج، إلى عدة مشاريع تشرف على تنفيذها سلطة الطاقة في هذه الأثناء معظمها في مؤسسات حكومية غالبا ما تكون بحاجة ماسة جدًا إلى الكهرباء، أو جميع أحمالها في ساعات النهار، وهو ما يجعل المشروع مجدٍ تمامًا.
ويضيف أبو الحاج أن توجه سلطة الطاقة جاء بهدف توليد الكهرباء عبر استغلال الطاقة الشمسية في تزويد المدارس الحكومية، وبعض مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، وبعض العيادات الخاصة بوزارة الصحة كأقسام العناية المكثفة والأطفال الخدج والحضانات.
وعدّد ابو الحاج أبرز المشاريع التي تنفذها سلطة الطاقة بتمويل مؤسّسات دوليّة عدّة، مثل جايكا اليابانيّة والبرنامج الإنمائيّ للأمم المتّحدة (UNDP) والبنك الإسلاميّ للتنمية بالتعاون مع مؤسسة قطر الخيرية، ومنها تزويد 14 مدرسة حكومية بالكهرباء بشكل كامل عبر استخدام الطاقة الشمسية موزعة على كافة محافظات قطاع غزة.
كما أشار إلى عدة مشاريع قيد التسليم بتمويل من مؤسسة جايكا وهما مدرستي شهداء غزة وشهداء خان يونس، فضلًا عن 23 مدرسة تعمل بالكهرباء بشكل جزئي بتمويل (UNDP) تحت برنامج الفاخورة، منوهًا كذلك إلى طرح عطاءات لتنفيذ مشاريع مماثلة في وحدة العناية المكثفة في مستشفى كمال عدوان ومؤسسة فلسطين المستقبل لأطفال الشلل الدماغي، بالإضافة إلى مدرسة أحمد شوقي في مدينة غزة.
ويرفض  أبو الحاج اعتبار هذه المشاريع فيما إذا كانت مجدية من عدمه، خاصة وأن مشاريع الطاقة المتجددة ومن ضمنها الطاقة الشمسية تأتي في إطار دعم الأحمال بالكهرباء وليس في إطار الاعتماد عليها بشكل منفرد.

غلاء الألواح
وأشار أبو الحاج إلى انخفاض تكلفة الطاقة الشمسية في دول العالم في مقابل ارتفاعها في قطاع غزة المكتظ بالسكان، وذلك لعدة عوامل أبرزها الحصار الإسرائيلي المستمر منذ عقد من الزمان، حيث ساهم بنسبة 90 % في منع دخول بضاعة الطاقة المتجددة عن طريق المعابر التي تسيطر عليها إسرائيل.
وذكر عاملا آخر يساهم في ارتفاع بضاعة الطاقة المتجددة وهو أن بعض التجار يلجأون إلى الاحتكار باعتبارهم المورد الوحيد للمكونات الأساسية لأنظمة الطاقة الشمسية كـ"الألواح الشمسية والبطاريات والعواكس Inverters".
وناشد في هذا السياق الحكومة الفلسطينية بإعفاء معدات الطاقة المتجددة بشكل كامل من الضرائب، في سبيل دعم المواطن وإتاحة أسعارها لشريحة كبيرة من المجتمع، منوهًا إلى أن التجار والمقاولين في قطاع غزة يدفعون رسومًا جمركية على جميع معدات الطاقة الشمسية.
وبالنسبة لتزويد بيوت المواطنين في قطاع غزة بالطاقة الشمسية، تحدث عن إشكالية تواجهها سلطة الطاقة وهي اعتماد بعض الأجهزة المصنعة في الصين مثلا، فهناك بعض المواصفات والأجهزة تم اعتمادها في سلطة الطاقة لتنفيذ المشاريع ولكن للأسف على مستوى المواطن يكون سعرها مرتفعاً رغم أنها تكون ذات كفاءة عالية وتوجد عليها ضمانة من الشركة المصنعة لمدة قد تصل إلى عشر سنوات، ولذلك يتجه المواطن دائمًا إلى الأرخص خصوصًا في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في قطاع غزة.
ويضيف: "حاليًا نحن في سلطة الطاقة بصدد حل هذه الاشكالية من خلال دراسة بعض المنتوجات من الصين ولكنها أثبتت كفاءتها بعد التجربة، وهناك أجهزة أخرى قيد تقييم أدائها وتشجيع المقاولين والموردين على جلبها بحيث تكون أسعارها منخفضة وفي متناول الجميع".
ويتابع: "هناك أنظمة كثيرة في سلطة الطاقة نحن ندعمها ربما تساهم في خفض فاتورة الكهرباء، بحيث يساهم المواطن في الاستفادة من الطاقة الشمسية، بمعنى، إذا كان عنده فائض من الطاقة الشمسية فإنه يقوم بضخها على الشبكة ويتم احتسابها له من ضمن الفاتورة بالسالب".
ويقول إن إسرائيل عرقلت مشروعًا هو الأول من نوعه على مستوى قطاع غزة لتوليد الكهرباء، من خلال الطاقة الشمسية في أراضي المحررات (المخلاة من المستوطنات الإسرائيلية في عام 2005) في جنوب قطاع غزة.
وأوضح أن المشكلة تكمن في عدم حصول الشركة المنفذة "مجموعة سماحة" على التراخيص اللازمة من الاحتلال الإسرائيلي، مضيفًا أن سلطة الطاقة على اتصال مباشر مع مدير الشركة حول الموضوع الذي كان مخططاً له أن يزود قطاع غزة بالطاقة الشمسية بقدرة ثلاثين ميجاواط؛ أي تقريبا نفس القدرة التي توفرها مصر حاليا لقطاع غزة.

حرره: 
م.م