حساب مفتوح

حساب مفتوح

حساب مفتوح

ستحتفل حماس في هذا الشهر بالذكرى الـ 28 على انطلاقها. وستحتفل في نهاية الشهر بذكرى مرور عقد على صعودها إلى «الملعب السياسي بانتخابات ديمقراطية»، الامر الذي شكل الخطوة الاولى في سيطرتها على قطاع غزة. فقد انتهى ذلك خلال 18 شهرا من المواجهة مع فتح وحكومة السلطة، وانتهى بقتل أكثر من 100 ناشط في الطرفين معظمهم من فتح. وشمل ذلك التعذيب والقاء جثث ضباط فتح من فوق المباني وسرقة اموال عامة وطرد الكثير من مؤيدي فتح إلى مناطق السلطة والدول العربية.

قد تكون سيطرة حماس هي اللوزة التي بشرت بـ «الربيع العربي» الذي اندلع بشكل عاطفي بعد ذلك بست سنوات. اغلبية الدول التي حاولت فيها الجماهير إحداث الربيع العربي، تغرق الآن في العنف أكثر من السابق. في مصر، بعد عامين من سلطة الاخوان المسلمين، نشأ نظام عسكري قمعي متجدد. في ليبيا الفوضى شاملة. اليمين والبحرين منقسمة في صراعات قبلية. فقط في تونس الديمقراطية تناضل على وجودها. واستمرار الفشل في تحويل العراق إلى ديمقراطية. العملية في غزة كان يفترض أن تشكل ضوء تحذير للغرب: عند الضغط من اجل اجراء العملية الديمقراطية في العالم العربي، قد تكون النتيجة نظام إسلامي متطرف احيانا وغير ديمقراطي في طبيعته.
حماس هي الاحرف الاولى لـ حركة المقاومة الإسلامية. حماس تعني ايضا «تهييج». منذ بداية طريقها في كانون الاول 1987 طلبت الحركة القضاء على إسرائيل. وهذه الحقيقة الاساسية لم تتغير ايضا حينما بدأت الحركة عملها كتنظيم سياسي. النقطة الغريبة هي أن اقامة حماس قد حظيت بدعم جهات إسرائيلية في الاجهزة الأمنية نظرا لكونها تشبه منظمة الصدقات، وتم اعتبارها نقيض لفتح. ميثاق حماس اليوم يقول إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو صراع ديني بين المسلمين والكفار اليهود، وإنه لن يكون أي تنازل عن ارض فلسطين لأن هذه الارض مقدسة.
عشر سنوات هي بلا شك مدة كافية لتحليل انجازات واخفاقات التنظيم في السلطة، سواء كان ديمقراطيا أو ديكتاتوريا أو ثيوقراطيا أو أي دمج بينها. لأنه لا يوجد فصل واحد بين الدين والدولة. إنها ايضا فرصة من اجل تقييم النظرة الإسرائيلية في سياستها تجاه حماس.
سنحاول رؤية الامور من وجهة نظر المواطن في غزة. سنسميه محمد محمود اكرم زيتوني الذي هو في بداية العقد السابع من حياته ويعيش في حي الزيتون في شرقي المدينة. من الواضح أنه يتذكر الحياة في ظل النظام المصري حتى جيل 13 سنة. ومنذ 1967 وحتى 1994 حيث كان عمره 40 عاش تحت النظام الإسرائيلي. واذا أراد محمد «تصفية الحساب» بعد عقد من حكم حماس، فيمكنه مثلنا المقارنة بين العقود الثلاثة الاخيرة التي مرت عليه وعلى عائلته. العقد الاول بين 1984 ـ 1994 حينما فرضت إسرائيل النظام العسكري الكامل في قطاع غزة. الثاني في اعقاب اتفاقات اوسلو وأساسها «غزة وأريحا أولا» ـ بين 1994 ـ 2005 ـ وهو العقد الذي سيطرت فيه السلطة في قطاع غزة برئاسة عرفات. والثالث هو العقد الذي سيطرت فيه حماس على القطاع منذ 2006 وحتى الآن.
الفرصة التي تم تفويتها
إن تنفيذ الانفصال في آب 2005 عانى من ثلاثة أخطاء اساسية تناقض بعضها البعض. الخطأ الأول هو ترك الحدود بين غزة وسيناء، التي تسمى فيلادلفيا والتي ربطت غزة بمصادر السلاح من النوعية التي لم يستطيعوا حتى ذلك الحين ادخالها عن طريق الانفاق الصغيرة. منذ اكمال الانسحاب الإسرائيلي من سيناء بناء على اتفاق السلام مع مصر في 1982، تحول شبه الجزيرة إلى منطقة يسيطر عليها مهربو السلاح والمتفجرات وتجار البشر والمخدرات. ايضا بعض الانفاق الصغيرة التي كانت خلال سيطرة الجيش الإسرائيلي في فلادلفيا، تحولت إلى مئات الانفاق الواسعة التي يمكن لجمل محمل وصناديق سلاح وذخيرة أن تتحرك فيها وايضا الصواريخ التي وصلت عادة من إيران.
حينما نشرت عشية الانفصال خطة تدمير 7 آلاف وحدة سكنية في غوش قطيف، اقترحت تطبيق صيغة تقضي ببقاء الجيش الإسرائيلي في فلادلفيا والقيام بانشاء منطقة فاصلة بعرض 800 متر ونقل 4 آلاف عائلة فلسطينية من المنطقة إلى المنازل التي سيتم اخلاؤها في غوش قطيف مقابل اخلاء المناطق المكتظة التي يعيشون فيها. آمنت في حينه وما زلت على قناعة أن هذا العمل سيمنح السيطرة على الحدود وسيمنع ادخال السلاح الثقيل والمتفجرات إلى القطاع. الامر الذي سيضمن أن كل مواجهة مستقبلية ستكون مقتصرة على السلاح الخفيف وأن يكون تأثيرها على الطرفين جانبيا مقارنة مع الصواريخ التي أطلقت على إسرائيل وقصف القطاع بآلاف الاطنان كرد إسرائيلي. اعتقد مستشارو شارون عكس ذلك، وقدموا له توصية باخلاء فيلادلفيا. وبعد أقل من سبعة اشهر على الانفصال سقط قرب عسقلان الصاروخ الاول من نوع غراد 122 ملم. أما الباقي فهو تاريخ لآلاف الصواريخ من طرف واحد وآلاف الاطنان من المتفجرات من الطرف الثاني، بما في ذلك عمليات مركزة قتل فيها أكثر من 4 آلاف شخص، هذا دون أن نذكر مليارات الشواقل التي تكبدها الطرفان بدل استثمارها في تطوير الاقتصاد.
إن من يزعم أن بقاء الجيش الإسرائيلي في فيلادلفيا كان سيُسبب الاصابات سأُجيبه بطريقتين: الاولى هذه هي بالضبط الاحرف الاولى لـ «تساهل»، جيش من المفروض أن يدافع عن دولة إسرائيل ومواطنيها. وبالطريقة الثانية سأطلب منكم الربط بين نتائج الحاق الضرر بإسرائيل على مستوى المصابين ومكانتها الدولية، والنتيجة في الطرف الفلسطيني، بدءا من صعود حماس ومرورا بالمصابين والدمار والكراهية والتدهور الاقتصادي وابعاد فرصة الاتفاق لعشرات السنين.
الخطأ الاساسي الثاني في الانفصال كان عدم ايجاد صيغة للعبور بين غزة وإسرائيل، بين غزة ويهودا والسامرة، والبضائع من ميناء أسدود إلى قطاع غزة. صيغة كهذه كان يمكنها اعطاء سكان القطاع الشعور بالحرية وانتهاء فترة السيطرة الإسرائيلية بدل الانفصال المطلق عن العالم. خطوة كهذه كان يمكنها مثلا ايجاد تواصل مع ميناء أسدود وتأجير رمزي لوزارة المواصلات الفلسطينية لعشر سنوات وبرقابة اللجنة الأمنية المشتركة التي كانت تعمل بشكل جيد منذ تأسيسها في 1994.
في المقابل كان يجب على إسرائيل تشجيع مبادرة اقامة الميناء في غزة من قبل جهة دولية، الامر الذي كان على جدول الاعمال منذ سنوات بين الدول المانحة وبين السلطة وإسرائيل. كان على إسرائيل الاعلان ـ بشكل أحادي الجانب ـ أنه اذا نجحت فكرة التواصل مع أسدود وأن الطرف الفلسطيني اذا لم يستغلها لادخال السلاح فسيبدأ بناء الميناء في غزة. الامر الذي كان سيؤدي إلى الشعور بالحرية والأمل وكذلك النمو الاقتصادي واستمرار سلطة فتح في القطاع ايضا. الخطأ الثالث. بعد الانفصال كان عدم تغيير سياسة الحرب ضد الإرهاب الغزي. سواء على المستوى السياسي في تحديد اهداف الحرب، أو على مستوى العمليات الكبيرة (الرصاص المصبوب، عمود السحاب والجرف الصامد). وايضا تغيير الاقتراحات من المستوى العسكري منذ ذلك الحين وحتى الآن. كان من المفروض التعامل على أن «صاحب البيت جُن جنونه»، حيث إن الحرب ضد حماس كان يفترض أن تكون مقرونة بالمبادرة إلى الهجوم والاعمال المانعة وليس فقط الاعمال المتسرعة ردا على العمليات والاطلاق ضد إسرائيل.
لقد اختارت السلطة بعد الانفصال، ومن بعدها قيادة حماس في غزة والخارج، انتهاج خط تصعيدي ضد إسرائيل بزعم استمرار الاحتلال رغم عدم وجود أقدام إسرائيلية على الارض باستثناء العمليات والاقتحامات التي كانت ردودا متأخرة على سلسلة عمليات أو اطلاق متقطع على السكان الإسرائيليين حتى تل ابيب.
الطريق المسدود الحالي وصلنا اليه في ظل غياب خطوات جوهرية تضاف إلى الانفصال أحادي الجانب، اضافة إلى عدم الفهم أن الردع التقليدي ضد الدول لا ينطبق على المنظمة الإرهابية. أكثر من 60 سنة من المواجهات مع الفلسطينيين هي فترة كافية كي نتعلم أن هذه الاستعراضات أمام منظمات الإرهاب تكون نتيجتها عكس الردع.
إذا ما الذي حصل عليه محمد زيتوني؟ عقد من الشعور بالسجن وتراجع مستوى الحياة وأيضا يبدو أن أبناءه أُجبروا على العمل في حفر الانفاق الهجومية. والانفاق الهجومية من حي الزيتون باتجاه ناحل عوز. إذا لمن يتوجه محمد زيتوني؟ في هذه المرحلة لن يتوجه ضد حماس التي تنجح بواسطة القمع في الدعاية والتحريض، في اقناعه أن إسرائيل هي المسؤولة الوحيدة. ايضا مصادرة وسائل البناء من محلات مواد البناء وتأميم جميع محلات الحدادة في منطقته، لم تجعل زيتوني يفهم الأولويات فيما يتعلق برفاهه الشخصي ورفاه الشعب الفلسطيني في الجيل الحالي وتطبيق طريق حماس.
الاقتصاد كذخر استراتيجي
في ظل وجود الاحتلال أو عدم وجوده فان المصلحة الاستراتيجية لإسرائيل تقضي بوجود اقتصاد قوي في السلطة الفلسطينية. إن حجم الاقتصاد الفلسطيني هو 4 في المئة قياسا بالاقتصاد الإسرائيلي. ومن خلال تقرير للبنك الدولي في الربيع الماضي يتبين أن نسبة البطالة في غزة وصلت إلى 50 في المئة، وفي اوساط الشباب وصلت إلى 60 في المائة. وأن وضع الاقتصاد الفلسطيني سيتدهور أكثر بناء على هذا التقرير، بسبب الحواجز في إسرائيل ومصر والحروب المتكررة والخدمات المتدنية.
تخيلوا وضع الاقتصاد الفلسطيني بدون العقد الاخير المملوء بالدماء والتفجيرات. الآن تخيلوا الاقتصاد والسياحة في إسرائيل بدون «رصاص، سحاب، صامد»، والعمليات الثماني التي كانت قبلها وخلالها. الامر لا يؤثر على غزة فقط. فنحن نشاهد الضرر في الاقتصاد والسياحة في كل مناطق السلطة وإسرائيل بعد كل مواجهة. 90 في المئة من اقتصاد بيت لحم وشرقي القدس مثلا يعتمد على السياحة المشلولة لعدة اشهر بعد كل مواجهة في غزة.
الدول المؤيدة للسلطة تزعم أن 38 مليار شيكل من اموال الدعم التي منحها المجتمع الدولي تم ابتلاعها دون أن ينشأ مصنع جدي واحد. إن فحص الدول المانحة أظهر أن معظم العاطلين في الضفة يحصلون على الأجر من السلطة بما في ذلك موظفون في السلطة يجلسون في بيوتهم. وأكثر من ذلك، بعض الأسرى في السجون الإسرائيلية يصل راتب الشخص منهم احيانا إلى 15 ألف شيكل شهريا. هذه الحقائق تؤكد ضعف الرقابة الدولية على ما يحدث في السلطة عموما وعند حماس خصوصا. السؤال المطروح الآن هو هل ستأتي النجدة من مصر؟ هذا مشكوك فيه. مصر ستستمر بانشغالها في المستقبل القريب باستقرار نظامها ومطاردة الاخوان المسلمين الخارجين عن القانون والسيطرة على صحراء سيناء ـ التي يسيطر عليها أنصار بيت المقدس التابعين لداعش. هذه الامور ستستمر وسيستمر معها تشديد الخناق على القطاع وفصله عن سيناء. لذلك لا أرى أي انقاذ أو مساعدة حقيقية من مصر في المستقبل القريب، وخصوصا في ظل سلطة حماس.
تغيير النظام من الداخل
الامر المطلوب هو تغيير سلطة حماس، ولكن امكانية احداث التغيير الداخلي من قبل الشعب الفلسطيني غير ممكنة تقريبا. حماس هي المتعدية على حقوق الناس في المنطقة بين النهر والبحر. إن تغيير سلطة حماس سيكون في مصلحة جميع الاطراف، لكن اذا حدث هذا كخطوة داخلية وكاحتجاج من سكان القطاع. أعرف أن خطوة كهذه عبارة عن خيال علمي. لكن لا يمكن اسقاط هذا الخيار من اعتبارات المواطن الغزي محمد زيتوني وأمثاله يريدون فعلا العيش بهدوء.
لقد بدأت تسمع اصوات أولية حيث احتج شاب فلسطيني مؤخرا اثناء مؤتمر في ماليزيا أمام رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، وقدم عدد من الادعاءات التي كتبها صديق له من غزة. هل هذا يبشر بـ «الربيع الفلسطيني»؟ هل سيعرف الشباب الفلسطينيون القيام ضد قادتهم ومحاسبتهم على نتائج الصراع. يبدو أن لا. السنوات الاخيرة لأبو مازن ستستمر كما يبدو كسنوات بقاء وفي نهايتها سينضم إلى ياسر عرفات كزعيم آخر لم يتنازل عن حلم الدولة الفلسطينية بين النهر والبحر وعاصمتها القدس.
إن هذا الخيار للتغيير الذي يستند إلى الانتفاضة الفلسطينية ضد القادة الفلسطينيين، يمكن أن يحدث فقط من خلال جهود إسرائيلية ودولية تشمل دعم السكان في القطاع والضفة بدرجة تدفعهم إلى عدم الاعتماد على المنظمة المتطرفة التي تزيد وضعهم سوءا وخلق وضع يستطيع فيه المواطن العادي رؤية العصا والجزرة، وأن من يحمل ذلك ليس إسرائيل وانما حماس. ومن الافضل بالنسبة له وجود قيادة سليمة ومعتدلة. اذا حدث اطلاق نار أو عمليات في إسرائيل مصدرها غزة أو الضفة، فان المواطنين سيعانون ـ اغلاق كامل وهدم منازل والحاق الضرر بالبنى التحتية وصعوبة في الحياة. اذا كان هناك هدوء فسيحدث نمو اقتصادي وخروج إلى العمل ووصول إلى ميناء أسدود ونقل اموال الضرائب العالقة في إسرائيل.
في هذه الاثناء يتم حفر عشرات الانفاق الهجومية بين غزة وإسرائيل من قبل البعض. حماس تستمر في تهريب وانتاج الصواريخ المملوءة بالمتفجرات. والدليل هو اقتباس من تقرير «الشباك» في الانترنت: «في نظر حماس، التسلح العسكري هو على سلم الاولويات وقبل الاهتمام برفاه السكان في القطاع وتطورهم واعمار الوضع هناك. في هذا الاطار، في الاونة الاخيرة، تصب حماس امكانياتها من اجل شراء البضائع بما في ذلك المواد ذات الاستخدام المزدوج لانتاج السلاح، التي تدخل إلى القطاع بالتعاون مع تجار من يهودا والسامرة وإسرائيل، وكذلك تهريب المواد التي تحتاج إلى اذن خاص من خلال تمويهها. اغلبية المواد، بما في ذلك الاجهزة الالكترونية والكهربائية، تستخدم من اجل الانفاق الهجومية وانتاج السلاح وخاصة الصواريخ». في الاونة الاخيرة عُلم أن حماس في غزة تحاول توثيق علاقتها مع انصار بيت المقدس التي قد توافق مؤقتا على هذه العلاقة بسبب الضغط المستخدم عليها من قبل الاجهزة الأمنية المصرية في سيناء. في ظل هذا الوضع سيكون على الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل اجراء تحضيرات عسكرية لاعمال مختلفة. ففي الجولة القادمة في مواجهة حماس يجب أن تكون المسألة مبادر اليها بعمليات مانعة وليس ردا على خطف أو عبوة أو صاروخ على مدرسة وغيرها. على إسرائيل اتخاذ مبادرة لتغيير جوهري بين لحظة البداية ولحظة النهاية للحرب، هذا اضافة إلى التعاون الاقتصادي من اجل تحسين وضع السلطة عموما وغزة بشكل خاص.

معاريف 
 

حرره: 
م.م