التعديل الوزاري.. طعنة في جسد المصالحة

التعديل الوزاري

قاسم الأغا

زمن برس، فلسطين: يوماً بعد آخر تزداد هوّة الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس"، بسبب الأزمات المتلاحقة التي خلّفها الانقسام السياسي المستمر على الساحة الفلسطينية منذ عام 2007، آخر تلك الخلافات انفجرت بعد إجراء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس وبشكل مفاجئ تعديلاً وزارياً ثانياً على حكومة التوافق الحالية، دون الرجوع لحركة "حماس"؛ الأمر الذي رفضته الحركة وفصائل وطنية أخرى، واعتبروه تعديلاً "غير قانوني"، واستمراراً لحالة الاستفراد بالقرار الفلسطيني.

وكان الرئيس محمود عباس أجرى الاثنين الماضي وبشكل مفاجئ تعديلاً وزارياً جديداً على 3 حقائب في "حكومة الوفاق الوطني" شملت وزارات: العدل، والثقافة، والشؤون الاجتماعية.

وأدَّى الوزراء الثلاثة الجدد اليمين القانونية أمام الرئيس عبَّاس في مقر الرئاسة بمدينة رام الله بحضور رئيس وزراء الحكومة رامي الحمد الله، وهم: علي أبو دياك وزيراً للعدل، وإيهاب بسيسو وزيراً للثقافة، وإبراهيم الشاعر وزيراً للشؤون الاجتماعية.

القيادي في حركة "حماس" إسماعيل رضوان، أكّد على أن التعديل الثاني الذي أجراه الرئيس على حكومة التوافق الوطني "غير قانوني"، ومخالف للإجماع والتوافق الوطني، كما أنه يأتي استمراراً لسياسية التفرد التي تنتهجها السلطة ورئيسها، والتي لا تزيد الحالة الفلسطينية إلَّا تعقيداً وانقساماً.

وقال رضوان بحسب"الاستقلال": "لن نعترف بهذا التعديل غير القانوني، ولن نتعامل مع أي وُزراء يتم إجراء تعديل لهم خارج إطار التوافق الوطني"، مضيفاً أن "هذا التعديل يهدف إلى لفت الأنظار عن "انتفاضة القدس" الجارية في الضفة والقدس المحتلتين، وجهودنا ومعركتنا في حركة "حماس" تنصب اليوم في سبيل الدفاع عن القدس والمسجد الأقصى المبارك، ودعم وتطوير الانتفاضة التي وحّدتنا ميدانياً، والعمل على دفع كافة الفصائل الوطنية والإسلامية للانخراط فيها".

وعن خطوات حركته إزاء هذا التعديل؛ تابع القيادي في "حماس": "لا مجال للحديث الآن حول خيارات سياسية جديدة في ظل اتفاق المصالحة، لكن المطلوب فقط هو الالتزام بما تم الاتفاق عليه" لافتاً في الوقت ذاته إلى أن إتمام المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام، وأزمات قطاع غزة المتلاحقة لم تعد واردة في حسابات السلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس.

وعن أسباب التعديل الوزاري؛ قال عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" ومسؤول ملف المصالحة فيها عزام الأحمد: "إن الوزير السقا تم اقالته لارتكابه خطأً كبيراً بالتصرف في غير صلاحياته وإساءته للعلاقة مع دولة شقيقة دون علم القيادة، وهي ليست من اختصاصه ولم يكن من حقه التصرف في ذلك الاجراء".

وأضاف الأحمد أنه "تم تعيين الشاعر بعد إصرار الوزير شوقي العيسة على الاستقالة، بينما عيّن بسيسو لوجود شاغر في وزارة الثقافة"، معتبراً أن "هذا التعديل تم بشكل طبيعي ولا إشكالية فيه، وأن حماس غير ملتزمة بحكومة التوافق وترفض تمكينها"، على حد قوله.
نرفض الإجراء

من ناحيتها، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مريم أبو دقّة، أعربت عن موقف جبهتها الرافض لأي إجراءات أحادية الجانب اتخذها أو سيتخذها أي طرف من الأطراف، داعيةً في ذات الوقت إلى تشكيل حكومة وَحدة وطنية مؤلّفة من كافة الفصائل، وإفساح المجال لحكومة التوافق الحالية  لبسط سيطرتها على قطاع غزّة؛ "حتى نتمكن من محاسبتها في حال قصرت بعد تمكينها".

وقالت أبو دقّة: "نحن في الجبهة الشعبية ضد أي إجراءات أحادية، نحن مع المصلحة الوطنية التي تقتضي الآن وحدة الشعب الفلسطيني، نريد مجلساً وطنياً توحيدياً وحكومة على قاعدة الشراكة الوطنية وإنهاء الانقسام بشكل كامل" لافتةً إلى سعي الجبهة المتواصل لإنهاء الانقسام، وجسر الهوّة بين حركتي "فتح" و"حماس".

وحمَّلت عضو المكتب السياسي للجبهة طرفي الانقسام المسؤولية الكاملة عن استمرار معاناة الشعب بفعل استمرار حالة الانقسام الداخلي الذي يهدّد الانتفاضة، مطالبةً بضرورة إنهاء هذه الحالة، والعمل على حل كافة القضايا الخلافية لا سيما في ظل مرحلة الانتفاضة الموحدة التي يعيشها الشعب ويرسمها فعلاً بالدم في الضفة المحتلة.
تعديل طبيعيّ

بدوره، الكاتب والمحلل السياسي أكرم عطاالله، رأى أن "التعديل الوزاري الجديد يأتي في السياق الطبيعي، ولا يحمل أي أبعاد مرتبطة بحركة "حماس"، أو تتعلق بملف الشراكة وحكومة التوافق الوطني"، معتبراً أنه "ضرورة داخلية لنجاح عمل الحكومة لا أكثر".

وتابع عطاالله : "من حق حركة "حماس" أن تعتبر هذا التعديل "حجر عثرة" في وجه المصالحة، واستفراداً في القرار الوطني الفلسطيني من قبل السلطة والرئيس عبّاس؛ لأنها تعتبر الحكومة الحالية هي حكومة توافق وإجماع وطني، وبالتالي أي وزير جديد يُعيَّن في هذه الحكومة تفترض حركة حماس أنه لا بد من التشاور معها".

ولفت الكاتب والمحلّل السياسي إلى أن أزمة الخلاف والانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس" أكبر بكثير من  هذا التعديل الذي أُجري على الحكومة، منوهاً إلى أن "الانقسام الداخلي سيبقى مستمراً حتى يدرك الشعب الفلسطيني أن السلطة هي انعكاس لانتخابات، وأن هذه الانتخابات تعطلت ولا شرعية لأحد، كما عليه أن يدرك أن عليه التحرر ليسترد حقه الدستوري والقانوني المأخوذ عنوة والمُغتصب منه، فالشعب محكوم لا بقوة  القانون، بل بهيبة الأمن وقُوَّة السّلاح".

ويعتبر هذا التعديل الثاني الذي أجراه  الرئيس محمود عباس على حكومة الوفاق التي تشكلت مطلع يونيو 2014 بموجب تفاهمات للمصالحة بين وفد من منظمة التحرير وحركة حماس ، في حين جرى التعديل الأول في نهاية أغسطس الماضي وشمل في حينه خمسة حقائب وزارية.

وكانت حكومة التوافق الحالية تشكلت في يونيو من العام الماضي كأول حكومة وفاق منذ بدء الانقسام الفلسطيني الداخلي منتصف عام 2007، غير أن الخلافات تواصلت بشأن تمكينها من العمل في قطاع غزة.

وتواجه الحكومة انتقادات مستمرة من قبل حركة "حماس" التي تتهمها بالتقصير تجاه غزة وحل ملفاتها، لاسيما ملف دمج وصرف رواتب موظفي حكومتها السابقة، البالغ عددهم نحو 45 ألف موظف.

في المقابل، تشتكي حكومة الوفاق من عدم تمكينها من بسط سيطرتها على قطاع غزة، خاصة إدارة الملف الأمني وإدارة المعابر، وسبق أن ألمحت إلى استمرار وجود حكومة "ظل" في القطاع تديرها "حماس". 

حرره: 
س.ع