تطورات نوعية في مصر

إجراءات صحيحة وقانونية ، إتخذها الرئيس المصري محمد مرسي ، بإنهاء خدمات خمسة من كبار ضباط القوات المسلحة ، أعضاء المجلس الأعلى ، وإحالتهم على التقاعد ، وتحويلهم إلى وظائف مدنية رفيعة المستوى ، وكان ذلك بمثابة مكافأة لهم وتقديراً لدورهم المهني ، لسببين :

أولاً : لدورهم في ثورة يناير ودفع الرئيس مبارك للتنحي ، وإستجابتهم لأرادة حراك ميدان التحرير وحركة الأحتجاجات الشعبية ، وحماية الأحتجاجات من قمع الأجهزة الأمنية ، وحمايتهم لمؤسسات الدولة من الأنهيار ، حتى لا تتكرر التجربتين العراقية والليبية ، فقد كانت القوات المسلحة شريك أساسي في الثورة وعملية التغيير ، إلى جانب قوى الحراك الشعبي والقرار الدولي ، والرئيس محمد مرسي وحركة الأخوان المسلمين ، هم الذين يعرفون حقيقة دور القوات المسلحة المصرية في عملية التغيير ، ولولاهم ، لولا هؤلاء وقادة الجيش لما وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه في مصر من تغيير النظام ، من نظام فردي ، تسلطي ، ولون واحد غير ديمقراطي ، غير تعددي ، إلى نظام تعددي تقوده نتائج صناديق الأقتراع .

وثانياً : لدورهم المباشر في نجاح وتولي محمد مرسي رئاسة الجمهورية ، فهم الذين أشرفوا على الأنتخابات البرلمانية ونجح فيها الأخوان المسلمين بالأغلبية ، وهم الذين أشرفوا على الأنتخابات الرئاسية في جولتيها الأولى والثانية ، ونجح فيها مرشح الأخوان المسلمين ، محمد مرسي ، وإحترموا نتائج صناديق الأقتراع ، وسلموه السلطة وأذعنوا لقراراته وها هم يقبلون بها ، بما فيها إحالتهم على التقاعد ، ومكافأتهم بوظائف مدنية رفيعة المستوى من مستشارين ووزراء ومدراء لكبار مؤسسات الدولة المدنية برتبة وزراء . الأجراءات التي إتخذها الرئيس المصري صحيحة وقانونية ، خدمت الرئيس نفسه وأظهرته أنه صاحب قرار ، وخدمت هؤلاء الضباط بتكريمهم بمناصب مدنية رفيعة ، وخدمت الضباط الجدد الذين تولوا مناصب القائد العام ، ورئيس الأركان ، وقادة سلاح الجو والبحرية والدفاع الجوي ، وخدمت العمل المؤسسي بالتحول المهني التدريجي بدون دماء وإنقلابات ، وأخيراً خدمت الأخوان المسلمين .

الأخوان المسلمين وجهوا ضربة معنوية للقوات المسلحة ردت لهم الأعتبار ، الذي فقدوه في ثورة تموز يوليو عام 1952 ، فقد تحالفوا مع عبد الناصر ، وكان منهم ثلاثة من أعضاء حركة الضباط الأحرار ، وخلافاتهم السياسية مع عبد الناصر ، شقت التحالف بينهما ، فحاولوا إغتياله ، بإتهامهم له بخطف الثورة وإبعادهم عنها ، وبطش بهم ، وإستفرد العسكر بالثورة وبالمسار وبالسلطة وألغى أي مظهر للتعددية ، ونهج خطاً جديداً قومياً على المستوى العربي ويسارياً على المستوى الدولي وبما يتعارض مع حركة الأخوان المسلمين وخياراتها وتحالفاتها مع الأميركيين والمعسكر الرأسمالي ، ومع النظام العربي المحافظ .

في ثورة 2011 ، فازوا بالنتائج وجاء التحول والتغيير لصالحهم ، وها هم يثأرون لماضيهم من القوات المسلحة ، ومحاولة تحويلها لتكون أداة ووظيفة في يدهم ، من خلال كونها مؤسسة مهنية ، سيتم تحييدها عن العمل السياسي ، وهو قرار دولي تفرضه الأطراف الممولة عبر المساعدات المالية والفنية التي تقدمها للدولة المصرية ولقواتها المسلحة ، وإضافة إلى أن عهد الأنقلابات العسكرية ولى ، ولن يكون له موقع شرعي مهما بدا مغلفاً بأهداف نبيلة .

التحالف بين الأخوان المسلمين وقوى المعارضة الوطنية والقومية واليسارية والليبرالية سيزداد حسماً وستتبلور إصطفافات جديدة متعارضة ، فالتفاهم الذي أوصل محمد مرسي في مواجهة أحمد شفيق ، سيتلاشى تدريجياً ، والصراع السياسي المدني القانوني الدستوري الديمقراطي الشعبي سيزداد شراسة ما بين الأخوان المسلمين الذين سيسعون لأحكام قبضتهم على السلطة ، وما بين الأتجاهات السياسية الأخرى الذين سيدفعون ثمن خيارهم بإنحياز بعضهم لمرشح الأخوان المسلمين ضد أحمد شفيق .

h.faraneh@yahoo.com