خيارات الشلل الفلسطيني...
محمد مرار- زمن برس
يوم الثالث والعشرين من سبتمبر للعام الماضي، وقف الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة وألقى خطابه الشهير مطالباً باعتراف دولي يقضي بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، معتبراً التوجه للأمم المتحدة هو الخيار الوحيد المتاح أمام السلطة الفلسطينية، في ظل أزمة اقتصادية وفشل للمفاوضات وانقسام بين شقي الوطن. لكن المحاولة الفلسطينية فشلت بعد معارضة أمريكية وفيتو متعطش دائما لوقف التحركات الفلسطينية. فشلٌ حاولت السلطة الفلسطينية التقليل من حجمه قائلة انها ستعيد المحاولة مرة ثانية.
عامٌ مر بعد ذلك الخطاب ولم يحصل أي تقدم، وما زال ملف المصالحة متعثراً رغم كل اللقاءات والوساطات، والأزمة الاقتصادية احتدت حتى أن السلطة الفلسطينية باتت لا تعرف ما اذا كانت قادرة على دفع رواتب موظفيها في نهاية كل شهر أم لا، فهل أصيبت السلطة بحالة من الفشل وأصيبت كل خياراتها بالشلل؟ أم أنه ما زال أمامها خيارات أخرى وأوراق يمكنها استخدامها لتحقيق تقدم على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية؟.
القيادة تلوح بالخيارات ولا تخوضها
الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري رأى في مسألة التوجه إلى الأمم المتحدة خطوة الى الأمام كان من المفترض أن تكون بداية طريق افتتحه الرئيس بخطابه، إلا أن خطوة البداية كانت ذاتها النهاية وفقا لما قاله المصري، وأضاف " خسرنا وقتاً كثيراً اذ أننا نقترب من أيلول القادم و لم نعرض الطلب للتصويت على مجلس الأمن، ولم نتقدم بطلب آخر في الجمعية العامة، ونتحدث عن العودة الى الأمم المتحدة حيث صادقت لجنة المتابعة العربية على ذلك، ولكن دون جدول زمني محدد، وهذا يدل على أن القيادة مترددة وهي تؤثر الانتظار والتلويح بالخيارات دون الاستعداد للدخول فيها ودفع الثمن المترتب عليها".
وأكد المصري أنه بدون وجود إرادة لاختيار استراتيجية جديدة، تكون المصالحة والتوجه للأمم المتحدة وبناء المؤسسات المعززة للصمود جزء منها، ستبقى القيادة تسير خطوة للأمام وخطوتين للخلف وهذا يخلق حالة انتظارية أشبه بالشلل بحيث تصبح السلطة فاقدة للخيارات والبدائل وفقاً لما قاله المصري.
خيارات معدومة
أما المحلل السياسي عادل سماره فيرى أن القيادة الفلسطينية لم يكن لديها خيارات أصلاً، لأن أي خيار مطروح أمامها سيكون عملياً تحت سقف القرار الإسرائيلي والأمريكي، وأضاف " السلطة أتت الى هنا عبر اتفاق أوسلو وعبر الموافقة الاسرائيلية والأمريكية، والحديث عن الخيارات هو مناورة تهدف لتخدير الشارع من أجل دعم أنصار السلطة الذين يحملون هذه الخيارات ويدورون بها في الشوارع دون أن تباع، وهذا يعني أنه لا خيارات أمام السلطة بالمفهوم السياسي".
وبالحديث عن خيار الانتفاضة الذين نسمع عنه بين الفينة والأخرى من قبل بعض الأطراف في وسائل الإعلام نوه سماره أن الانتفاضة هي حراك شعبي وجماهيري نتيجة ظروف معينة، والشارع في الأراضي المحتلة مخدر ولا يفكر في انتفاضة، وتابع قائلاً " أصبح الشارع مجموعة من الناس ينتظرون الراتب في نهاية الشهر، وما يحول دون تحركهم هو غياب المعارضة الحقيقية، وغياب المعارضة يسحب المفجر أو المعبئ للشارع، وبذلك يمكننا القول إن المشكلة الرئيسية ليست في انسداد أفق السلطة وإنما في انسداد أفق المعارضة".
جدل فتحاوي حمساوي حول الخيارات
موقف السلطة الفلسطينية وحديثها عن وجود خيارات مفتوحة وأوراق ما زال بإمكانها استخدامها تمثل في حديث الناطق باسم حركة فتح أحمد عساف الذي اعتبر أن الخيار الأول يتمثل في صمود الشعب الفلسطيني أمام السياسات الاسرائيلية الهادفة لزرع المستوطنين بدل المواطن صاحب الأرض، ورأى عساف أن هذا الهدف يتحقق من خلال استمرار التحرك السياسي على كافة المستويات لحشد التأييد للموقف الفلسطيني بالتحرك للأمم المتحدة من أجل الحصول على الاعتراف الدولي الذي سيجلب الكثير من الانجازات للشعب الفلسطيني وفقا لما قاله الناطق باسم فتح.
وعلى الصعيد الداخلي قال عساف إن انجاز ملف المصالحة هو أولوية لدى حركة فتح والسلطة، على الرغم من رفض حركة حماس لتطبيق بنودها، ورفضها لعمل لجنة الانتخابات في غزة، الا أن فتح ستبقى متحاورة مع الشركاء في الساحة السياسية أملا بتحقيق الوحدة في أسرع وقت على حد قوله. وختم عساف كلامه قائلا "إن التحرك سيبقى قائماً دائماً ولا يوجد حالة شلل في الخيارات، لأن الشلل يعني عدم القدرة على القيام بأي حركة قادمة، والسلطة تتحرك وستبقى كذلك حتى تحقق الهدف داخليا وخارجياً".
وعلى النقيض من موقف فتح قال القيادي البارز في حركة حماس محمود الزهار إن خيارات السلطة وحركة فتح هي خيارات افلاس، وإن حركته لا تفكر أبداً بخيارات كالتي تفكر فيها السلطة في رام الله وأضاف " مللنا من كلام فتح و ومشاريعها لأنها مكررة ومفلسة ولا فائدة منها، وأبو مازن لا يجد خيار غير التوجه الى الأمم المتحدة وستمنعه أمريكا، وإذا ذهب إلى هناك سُيعاقب على ذلك " وعن الخيار الأمثل الآن رأى الزهار أنه يجب على الجميع أن ينتبه الى ما يجري في العالم العربي ومصر بالذات وتأثير ذلك على القضية الفلسطينية.
المفاوضات تقتل كل الخيارات
وبالعودة الى الآراء التحليلية بعيداً عن المواقف السياسية رأى الكاتب و المحلل السياسي خليل شاهين أنه لم يتم تجربة سوى خيار واحد وهو خيار المفاوضات منذ مؤتمر مدريد عام 1991، مشيراً الى أن الرئيس محمود عباس يكرر دائماً أن المفاوضات هي الخيار الأول والثاني والثالث.
وعلق شاهين على بعض التحركات سواء في مجال المقاومة الشعبية أو التحركات على المستوى الدولى بأنها تأتي في إطار التكتيك من أجل تحسين شروط العودة الى المفاوضات والذي يقطع الطريق على بلورة خيارات أخرى وفقاً لما يراه شاهين.
أما الخيارات المتاحة الآن أمام القيادة الفلسطينية فيرى شاهين أنها محدودة ولكن على قلتها تعتبر حاسمة التأثير إن أحسن استخدامها سواء على المستوى المحلي و مستوى مجابهة الاستيطان أو على مستوى التحركات الدولية، وأضاف "التحول باتجاه خيار ما يتطلب تحديد استراتيجية شامله تحدد أولا ما هو المطلوب فلسطينياً من أجل بناء المقدرة على تنفيذ مثل هذه الاستراتيجية، وثانياً تحديد نقاط القوة والضعف في المشروع الصهيوني الاستيطاني، وثالثاً تحديد المجالات التي يمكن من خلالها التحرك على المستويات الدولية". وأشار شاهين إلى ان الاستراتيجية التي تحدث عنها ترتكز على اعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني بالإضافة إلى قطع امكانية العودة الى مفاوضات في ظل اختلال ميزان القوى لصالح اسرائيل .
*نشر أيضاً في صحيفة الحال