حماس و«الدولة الإسلامية»: نحو المواجهة

داعش

صحف عبرية

طرأ مؤخرا تصعيد ملموس في المواجهة بين حماس وبين عناصر الجهاد السلفي، «مناصري الدولة الإسلامية» في قطاع غزة. الاحداث التي وقعت في الاسابيع الاخيرة شملت حوادث إطلاق نار من اسلحة خفيفة وزرع عبوات في المباني العامة وإطلاق قذائف داخل مدن القطاع وبإتجاه إسرائيل. المواجهة التي وقعت بين افراد الدولة الإسلامية وبين الفلسطينيين سكان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، ومن بين افراد من حماس، كانت ايضا هي شاهد آخر على التوتر المتصاعد بين الطرفين.

على هذه الخلفية اعتقلت قوات الامن التابعة لحماس في غزة العشرات من النشطاء السلفيين كما قاموا بهدم مسجد سلفي في دير البلح. وردا على اعتقالهم هدد ناطقون من قبل جماعة انصار الدولة الإسلامية انه اذا لم تطلق حماس المعتقلين خلال 72 ساعة، حسب ما جاء في البيان)، فإنهم سوف يفتحون معركة شاملة على جميع الجبهات ضدها، الا ان ذلك لغاية الآن لم يتم تنفيذه.

التوتر بين حماس وبين المنظمات التي تنتمي للتيار السلفي ـ الجهادي في قطاع غزة وتعمل في إطاره وتحت سيطرته، ليس بالظاهرة الجديدة. فالفوارق الايديولوجية والتي تتعلق بطريقة ادارة الحياة في غزة- بين حماس البراغماتية، والتي تنتمي لتيار الاخوان المسلمين، وبين المنظمات التي تنتمي للتيار السلفي الجهادي، الذين يطالبون بالتطبيق الفوري وبالقوة لقوانين الشريعة الإسلامية على سكان القطاع- كانت قد ادت في الماضي لخلافات حادة وكذلك لمواجهات عنيفة بين المعسكرين. والابرز من بينها هو الذي حدث في شهر آب / اغسطس من العام 2009 في مسجد رفح، الذي كان يديره الشيخ عبد اللطيف موسى، والذي كان يقف على رأس تنظيم انصار الله. فقد اعلن عبد اللطيف عن إقامة امارة إسلامية في غزة الامر الذي شكل تحدياً لهيمنة حكومة حماس على القطاع. كما حاول الشيخ المتمرد توحيد جميع الفصائل السلفية في غزة تحت سقف واحد. وردا على ما اعتبر من قبل حماس تمردا على سلطتها، قامت وبواسطة قوة عسكرية ضد الشيخ ورجالاته وقتلت منهم نحو عشرين شخصا. ومنذ ذلك الحين حافظ الطرفان على حوار متوتر، شهد صعودا وهبوطا واستند اساسا على موقف الجانب السلفي ـ الجهادي بضرورة عدم شد الحبل على الآخر مع حماس.

لقد ادى اعلان ابو بكر البغدادي عن إقامة «الدولة الإسلامية» وعن نفسه كخليفة، قبل نحو السنة، بمجموعة من التيارات السلفية ـ الجهادية في قطاع غزة، للاعلان عن دعمها للدولة الإسلامية. كما منح جزء منها الولاء للبغدادي. ومن بين هذه التيارات «مجلس شورى المجاهدين» «انصار الدولة الإسلامية»، «انصار الشريعة ـ بيت المقدس»، «النصرة المقدسية»، «للدولة الإسلامية». ومع ذلك، فإنه لغاية الان لم تنجح هذه التيارات في ان تتوحد تحت قيادة واحدة، لكي تحظى بدعم الدولة الإسلامية، ولكي تتحول إلى جزء من الخلافات- مثل «ولاية سيناء» (التي يقودها انصار بيت المقدس) و»ولاية غرب افريقيا» (التي يقودها تنظيم بوكو حرام). والسبب في ذلك هو التشرذم والانقسام، الذي يميز التنظيمات العاملة في قطاع غزة، وعدم قدرة هذه التنظيمات على تأسيس منطقة حكم ذاتي تسود فيها الشريعة الإسلامية وفقا للتفسيرات والطريقة التي تقود فيها الدولة الإسلامية، وكذلك ـ قتالهم غير المجدي مع إسرائيل او مع حماس.

بشكل عام، القومية الدينية الفلسطينية، كقضية منفصلة، مرفوضة من قبل «الدولة الإسلامية». ووفقا لرؤيتها، فإن الحل القليمي يأتي عبر تطبيق الشريعة على منطقة الصراع باكملها، ربما كجزء من «ولاية سيناء». ويشار بهذا الصدد، ان اشخاص من غزة، جزء منهم اعضاء سابقون في حماس، يشغلون مواقع قيادية في «ولاية سيناء». كما يستخدم التنظيم قطاع غزة كقاعدة للتجنيد، وللتدريب وكذلك كمأوى. فعلى سبيل المثال، افادت التقارير ان شادي المنيعي، من قادة انصار بيت المقدس، وكذلك عبد الله الاشقر، من قادة «مجلس شورى المجاهدين» يختفون في غزة من امام القوات المصرية. وهذا يشكل الخلفية، انه في هذه المرحلة نرى، ان تقديم الدعم للدولة الإسلامية واشهار التأييد معها من قبل التنظيمات السلفية ـ الجهادية في غزة، لا يتم الرد عليه بتصريحات دعم من قبل قيادة «الدولة الإسلامية»، او من الفصائل في غزة الذين يحظون بدعمها العسكري والاقتصادي في المعركة، التي يديرونها امام حماس او إسرائيل. كما ان الهجمات المتفرقة من منطقة شبه جزيرة سيناء، التي قام بها تنظيم انصار بيت المقدس خلال المواجهة التي دارت بين حماس وإسرائيل في صيف 2014 تعبيرا عن مناصرة اخوانهم في الجانب الفلسطيني، لا يمكن اعتبارها كدعم فعلي للصراع الفلسطيني بشكل عام وللمنظمات الجهادية السلفية بشكل خاص. وعلاوة على ذلك، فإنه لغاية الآن لا يعرف اي نشاط كبير من قبل الدولة الإسلامية، هدفه تعزيز المعركة ضد إسرائيل من اراضي قطاع غزة.

كما هو معروف فإن لإسرائيل اهتمام كبير في الصراع بين حماس وبين العناصر السلفية ـ الجهادية وخاصة حول امكانية، ان يتأسس على ارض القطاع خلايا او مبعوثين «للدولة الإسلامية» بحماية البغدادي. التطورات بهذا الاتجاه من شانها ان تؤدي إلى التعبير عن ذلك في اراضيها ايضا. ويجب ان نذكر هنا ان جزء من ادعاءات المنظمات السلفية ـ الجهادية تجاه حماس تتركز على مطالبتها بترك سياسة ضبط النفس العسكري والابتعاد عن وضع العراقيل امامها من اجل القيام بعمليات لاطلاق الصواريخ على إسرائيل والقيام بالاعمال الإرهابية ضدها. وعلى الرغم من النشاط العدائي لحماس ضد معارضيها من التيار السلفي الجهادي في قطاع غزة، فإن المواجهة بين المعسكرات من شأنه ان يؤدي إلى رفع اصوات الانتقاد، التي تسمع بين السكان في القطاع تجاه حماس، بسبب الوضع الاقتصادي الصعب في المنطقة وبسبب الجمود في اعمال إعادة اعمار غزة من الدمار الكبير الذي وقع هناك خلال عملية الجرف الصامد. تزايد الانتقادات والدعوات الاحتجاجية من قبل افراد المعارضة في القطاع، من شأنها ان تضيف مؤشرا آخر للضغط على قيادة حماس لتسخين المنطقة الحدودية مع إسرائيل، من اجل ان ترسل لها بإشارات واضحة ان الوضع الاقتصادي والانساني في القطاع وغياب اي علامة للتغيير القريب لا يمكنه ان يستمر طويلا وبلا حدود، وان خيار تجديد إطلاق الصواريخ من قبل العناصر المختلفة التي تنشط في القطاع، ومن بينها المنظمات الجهادية ـ السلفية، ما زال قائما.

ان الوضع المعقد والتهديدي في الشرق الاوسط الذي خلقه صعود الدولة الإسلامية، خلق ديناميكا من التقاء المصالح، الذي شمل دولا وتنظيمات، التي لا تحظى بالمشروعية الدولية، مثل حزب الله وحتى القاعدة ومبعوثيها في سوريا من «جبهة النصرة». التعبيرات المختلفة لالتقاء المصالح هذا، عرفت مثلا على خلفية الحرب الاهلية في سوريا.

هكذا، هو حال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، من جهة، وحزب الله، الذي يقاتل إلى جانب قوات لشار الاسد، من جهة اخرى، حيث يقاتل كلاهما ضد تنظيم «الدولة الإسلامية». وبصورة مماثلة تقريبا، فإن إسرائيل وحماس توجدان في نوع من التقاء المصالح، بسبب الاهتمام ـ كل واحد من وجهة نظره ـ بمحاربة تأثير «الدولة الإسلامية» في قطاع غزة، الذي من شأنه ان يمتد إلى الضفة الغربية.

يبدو انه وفي اطار الجهود لوقف توسيع تأثير «الدولة الإسلامية» في قطاع غزة وسيناء سوف يخلق تعاونا غير مباشر وغير معلن بين حماس ومصر، وبين حماس وإسرائيل. وذلك على الرغم من ان مصر تتهم علنا حماس بمساعدة نشاط «انصار بيت المقدس»، ولكن على ما يبدو، فانه اذا عملت حماس بصورة حازمة، وفاعلة وشاملة ضد نشاطات التنظيمات السلفية في سيناء وداخل قطاع غزة، فسوف يطرأ تحسن تدريجي، حتى ولو متواضع، على العلاقة الصارمة التي يظهرها النظام في مصر بقيادة عبد الفتاح السيسي تجاه حماس. اما بالنسبة لإسرائيل، فإن الوقف التام لاطلاق الصواريخ من غزة إلى اراضيها من قبل التنظيمات المارقة وفي مقدمتها تنظيمات الجهاد السلفي، هي بالنسبة لها شرط الزامي لاستمرار التسهيلات التي تتخذها بهدف تحسين الاوضاع المزرية في القطاع. فإذا اثبتت حماس فعلا، انها على استعداد للدخول في عملية تهدئة طويلة الامد مع إسرائيل وتساعد في المعركة الاقليمية ضد توسع الدولة الإسلامية، فهذا من شأنه ان يسجل نقطة لصالحها، وتخلق توازنا على صورتها السلبية، التي تعاظمت في انحاء الشرق الاوسط في اعقاب المعركة التي دارت في الصيف الماضي مع إسرائيل.

يورام شفايتسر

نظرة عليا 

صحف عبرية

حرره: 
م.م