عائلات تعيش فوق القنابل في غزة
زاهر الغول
(خاص) زمن برس، فلسطين: آلة القتلة الإسرائيلية لم ترحل بعد قطاع غزة، فرغم أن الحرب انتهت، إلا أن أدواتها ما زالت حاضرة، فكميات كبيرة من القنابل والصواريح التي لم تنفجر ما زالت تفخخ منازل المواطنين وأراضيهم.
عائلة المواطن فضل ناصر تعيش مع قنبلة ألقتها طائرة إسرائيلية في العدوان الأخير على قطاع غزة، ولكنها لم تنفجر، طولها عشر أقدام وتزن طناً، وبقيت سبعة أشهر داخل المنزل، وعندما تم التخلص منها كان هناك احتفال من العائلة.
تلك العائلة هي واحدة من 40 عائلة تعيش مع قنابل حية في بيوتهم في غزة؛ لعدم وجود بدائل، حيث لم تتم أي إعادة بناء في ظل حالة التشنج لملف الأعمار، أو أنها قد تمت على نطاق ضيق جداً لا يسمن ولا يغني من جوع منذ الحرب في الصيف الماضي.
بيد أن بعض المدارس التي تم فتحها للنازحين عن بيوتهم، تمت إعادتها إلى وزارة التربية والتعليم، وما بقي منها مأوى للنازحين مكتظ، وليس فيها مجال للمزيد. وفي الطرف الآخر فإن ما بقي من بيوت للإيجار بعد الحرب تضاعف إيجاره إلى أكثر من 200%.
وتتألف عائلة المواطن فضل ناصر (41 عاماً) من 18 شخصاً يعيشون في بيت واحد، وتتراوح أعمارهم ما بين عامين وأربعةٍ وستين عاماً. وتوجد في المنزل فتحة كبيرة في أرضية الغرفة الأمامية. وبعد أن تم التخلص من القنبلة شعر هؤلاء وجيرانهم في البيوت المجاورة بالارتياح ، ويقول ناصر"عندما عدنا إلى البيت ، كان هناك الكثير من الناس الذين اتهمونا بالاستهتار واللامبالاة، فقلت لهم ماذا تريدون مني أن أفعل؟ أين أذهب؟ فالشقق التي كانت تكلف 150 إلى 200 دولار في الشهر أصبح إيجارها 600 دولار شهريا، وهي شقق صغيرة جداً، والمدارس أصبحت تضيق بساكنيها".
وأضاف ناصر:"طبعاً كنا قلقين طيلة الوقت بسبب وجود القنبلة في منزلي وبين أولادي، وذهبنا للجهات المسؤلة عدة مرات دون جدوى، وأخيرا أرشدونا إلى متخصص في نزع مثل تلك القنابل والقذائف التي ألقيت ولم تنفجر".
أحمد ميات، هو الذي أخرج القنبلة ومعه فريق متخصص بقيادته، يقول إنه اكتسب خبرته بهذا المجال في ألمانيا، وأوضح أنه أخذ دورة هندسة قصيرة في ألمانيا، أما التخلص من القنابل فتعلم كيفيته بنفسه، وكان اعتماده بشكل كبير على الإنترنت، وقد قام بتخليص عدة بيوت من المتفجرات، وان لديه قائمة على الانتظار.
ويقول ميات إن الأمر مكلف وليس بالهين، فكل مشروع يكلفه خمسة آلاف دولار تقريبا، ما بين أجور لثمانية عشر رجلا هم طاقم متخصص معه، بالإضافة إلى تكاليف استئجار المعدات اللازمة، مضيفاً أنه يتحمل هذه التكاليف من جيبه الخاص.
وكانت غارة جوية إسرائيلية قد دمرت مصنع الإسفلت الذي يملكه في الشجاعية في تموز/ يوليو، وكبدته خسارة قيمتها 250 ألف دولار.
ويضيف ميات "لدي أموال أخرى، وإذا احتاج الأمر أن أنفقها في مساعدة الناس سأفعل ما دام معي مال. تعيرنا الوزارة أحيانا جرافة، وأحيانا أفراداً من المفترض أن يشرفوا علينا، وقد طلبت العون من الأمم المتحدة، ولكني لم أتلق رداً".
ويتابع: "استغرق العمل لحفر نفقاً تحت البيت 13 يوما لنستطيع جر القنبلة إلى الخارج، و ثلاثة أسابيع أخرى لتأمين هيكل البيت حتى لا يسقط.
هناك أكثر من مئة ألف بيت تم تدميره أو إصابته بأضرار جسيمة خلال الحرب، وأن حوالي 40 ألف شخص دون مأوى، مع أن برنامج إعادة الأعمار برعاية الأمم المتحدة قد بدأ، ووعد المجتمع الدولي بـ 5.4 مليون دولار، إلا أنه لم يدخل غزة سوى القليل ودون الحد الأدنى المطلوب من المواد المحتاجة.
والإسرائيليون يقولون إنه دون وجود تدقيق أمني كاف، فإن المواد قد تذهب للاستخدام العسكري، وحركة فتح تتهم حركة حماس برفضها تسليم إدارة أمن الحدود، وحركة حماس تقول إن الإسرائيليين يتعمدون إبقاء أهل غزة في حالة من الفقر،والأطراف كلها تشكو من بيروقراطية الأمم المتحدة.
عائلة الحاج " أبو عمر المصري" هي أيضاَ ممن تضررت بيوتهم جراء العدوان الإسرائيلي، ومازالوا بانتظار الإسمنت للقيام بإصلاح جدران منزلهم، الذي تضرر بقذائف الدبابات، ولكن ما يقلقهم أكثر، كما كان الحال بالنسبة لعائلة ناصر، المتفجرات المدفونة، الموجودة في باحة المنزل من الخارج، حيث وصلت تلك القذيفة تقريبا في الوقت ذاته الذي قصفت فيه طائرات إسرائيلية بيتاً مجاورا، وقتل وجرح فيه عدد منهم.
ولكن مازالت العائلة تعيش داخل منزلها رغم وجود ذلك الشبح المتوقع أن ينفجر في أي حين، فلا ملاذ لهم سوى البقاء، وفقاً لما قاله رب الأسرة الحاج أبو عمر.
بينما ختم أحمد ميات حديثه معنا بالقول إن حالة من حال أصحاب البيوت المدمرة، ويحتاج مصنع لمصاريف ضخمة حتى يتم إصلاحه، مضيفاً أنه حتى لو امتلك الأموال اللازمة للإصلاح، فإنه ما زال متردداً لأن حرباً جديدة قد تنشب قريباً على حد قوله.