القبلية ليست الأساس

نتنياهو

يعتقد الكثيرون أن فوز الليكود في الانتخابات جاء في الاساس من التماهي «القبلي» للجمهور الشرقي مع اليمين ومع الليكود. هناك بالتأكيد قدر لا بأس به من القبلية في اليمين وحتى يوجد هنا وهناك (ليبق الامر بيننا) قبلية في اليسار. لكن ليس هذا هو الاساس.
بداية من المشكوك فيه اذا كان فوز نتنياهو سيتحقق بدون اصوات المهاجرين من روسيا، الذين اغلبيتهم الكبيرة دعمت اليمين والليكود، وهم ليسوا من المصوتين لليمين جراء حسابات من الخمسينيات أو حقد قبلي للاشكناز العلمانيين. صحيح أن لديهم بصورة عامة توجها صقريا، لكنهم صوتوا بأغلبيتهم في 1992 لحزب العمل وميرتس ورفعوا اسحق رابين إلى سدة الحكم. في 1999 اغلبيتهم صوتت لاهود باراك، ودعمت اريئيل شارون في عهد الانفصال. لقد وثقوا به وفهموا أن غزة ليست غنيمة كبيرة. الآن اغلبيتهم الساحقة في اليمين. الانتفاضة الثانية دفعتهم بقوة نحو اليمين ـ الصواريخ من غزة بعد الانسحاب وفي السنوات الاخيرة ـ الشعور بالتهديد في أعقاب الاحداث في المنطقة، والخشية من أن كل منطقة تخليها اسرائيل ستسقط في أيدي الإرهابيين الإسلاميين الذين سيقومون منها بتهديد قلب البلاد.
معقول أن هذه هي الاعتبارات الأساسية التي حركت أكثر من أي شيء آخر، مصوتين شرقيين تقليديين بأغلبيتهم، صقور لكن براغماتيين، ليقرروا (في اللحظة الاخيرة بعد تردد) ابقاء نتنياهو في السلطة. الظروف التي نشأت هنا في السنوات الاخيرة كانت تعمل في صالح اليمين في كل مكان في العالم. الأخطار الامنية ملموسة وواضحة للجميع، الخطر السياسي على المدى البعيد من عدم تقسيم البلاد ملموس بصورة أقل كثيرا. الكثيرون يفرضون بيقين، اذا كانت الظروف مناسبة، أن الليكود يعرف كيف يُظهر البراغماتية كما عرف ذلك في السابق. هم لا يُقدرون بصورة صحيحة المغزى الصعب لمشروع الاستيطان.
اسحق هرتسوغ بالتأكيد لا يستخف بالأخطار الامنية (مقاربته للموضوع السياسي كانت حذرة وربما حذرة جدا). لكن الخطاب البلاغي الذي يُسمع من حين إلى آخر من صفوف اليسار، وخاصة ذلك الخطاب الإعلامي والثقافي، يستخف حقا بالمخاطر، كما أنه يستخف بعرض اسرائيل كمتهمة رئيسية بكونها مهددة. بلاغة كهذه تصعب على كل المعسكر أن يحظى بثقة الجمهور.
نظرا لأن «الروس» صوتوا بأغلبيتهم لليمين، ونظرا لأن العديد من الاشكناز غير الروس صوتوا لليمين (الحريديين ومعتمري القبعات المنسوجة، الذين صوتوا باغلبيتهم في هذه المرة لليكود، وآخرين) فان الدرس الذي لا يمكن تجاهله هو أن جمهورا شرقيا كبيرا لم يصوت لاحزاب اليمين. بالنسبة للآخرين الذين يشكلون الاغلبية، يُفضل التخلي عن أقوال بصيغة «بيبي يخذل الفقراء وهم يصوتون له بجموعهم بدافع القبلية».
أولا ـ من قال إنه محظور على الفقير أن يصوت خلافا لمصلحته الشخصية، ومن اجل ما يراه لصالح الدولة (بصورة خاطئة حسب رأيي)؟ اذا صوت شخص ثري خلافا لمصلحته الاقتصادية ومن اجل مصلحة الجميع ـ نحن نُقدر ذلك. هل يريد رجال اليسار القول للفقير إنه ليس مهما بما يكفي من اجل أن يهتم بمصلحة الدولة في تصويته؟.
ثانيا ـ اغلبية مصوتي الليكود ليسوا فقراء، واغلبية الفقراء ليست مصوتي ليكود. اغلبية الفقراء في اسرائيل (وهم أقلية بين السكان) تصوت لشاس ويهدوت هتوراة والقائمة العربية المشتركة ـ أو لا يصوتون.
العمود الفقري التصويتي لليكود هو الطبقة الوسطى من الشرقيين التقليديين بأغلبيتهم. مفهوم أن «الطبقة الوسطى» هي عنوان واسع ولكن الحديث لا يدور عن مضطهدين ليس لهم ما يفعلونه في حياتهم سوى كراهية العرب واليساريين، كما يصور ذلك القالب النمطي المتعجرف. الحديث يدور عن اشخاص لديهم ميل صقوري، ولكن اغلبيتهم ليسوا يمين متطرف أو يمين ايديولوجي. اذا اقتنعوا أنه سيكون بالامكان العيش بسلام بجانب دولة فلسطينية فانهم سيدعمون اقامتها. وفي نهاية المطاف، رغم الفوز الكبير لليكود، معسكر اليمين كله ـ كل الاحزاب التي تعهدت لناخبيها أن تدعم نتنياهو، اضافة إلى يهدوت هتوراة، حصلت في هذه الانتخابات على 57 مقعدا. المصوتون لهم بما في ذلك المصوتين لـ ايلي يشاي كانوا أقل من نصف اصوات الناخبين. في انتخابات 2013 حصل هذا المعسكر على 61 مقعدا، وفي انتخابات 2009 حصل على 65 مقعدا. في فترة تهديدات متزايدة، وفي جو من المخاوف التي خدمته، فان اليمين هبطت قوته وفقد الاغلبية الساحقة في الكنيست. ليس لدي ما يدعو إلى التفاؤل لقوله حول الحكومة التي سيتم تشكيلها لكن ليس هناك أساس للادعاءات بشأن التوجه نحو التطرف اليميني للجمهور الاسرائيلي.

هآرتس

حرره: 
ز.م