ثقافة الاغتصاب لدى الشرطة الإسرائيلية

صورة توضيحية

بقلم موشيه نغبي

العفن الأخلاقي والجنائي الذي تفشى عميقا في اوساط القيادة العليا للشرطة، كما يظهر في المنشورات حول جرائم الجنس المتواصلة والممنهجة لدى ضباطها، هوتهديد وجودي وملموس ليس فقط على الشرطيات، ولكن على كل إمرأة عاملة في اسرائيل، تجد نفسها مكشوفة أمام رغباتهم وبلطجتهم وتعذيبهم. يعلم الجميع كم هو صعب على أمرأة في هذه الحالة ان تستجمع شجاعتها وتتقدم بشكوى ضد من تتعلق معيشتها وتقدمها المهني به.

ما هو إحتمال أن تفعل ذلك بعد ان علمت بأن قمة الشرطة ـ وهي المنظمة التي يفترض بها ان تستمع لاقوالها بتعاطف وحساسية ـ سوف تتجاهل دون اكتراث شكواها، وأن الرؤساء الذين يفترض بهم التضامن معها، وبدلا من ذلك تضامنوا بالذات مع اولئك الذين اساؤا لها؟

جرائم الجنس المتعلقة بمدراء الشرطة تكشف أيضا عن تهديد استراتيجي لسلطة القانون في إسرائيل: يتضح أن الكثير من العاملين على فرض القانون، وعلى الاغلب القدماء منهم وذوو الدرجات العليا، يتجاهلون تماما قواعد الاعتقال الجنائي مما يطبقونه عادة على المواطنين، كما أنهم يدوسونها بأقدامهم.

وعلى النقيض من ادعاء محامي المشتكى عليهم بأن الشكوى كاذبة، ذلك انه لا يجري الحديث عن قواعد جديدة لم تسنح الفرصة بعد لضباط الشرطة بالاطلاع عليها واستيعابها، فالقانون الذي يحظر التحرش الجنسي، بما في ذلك المشاكسات الكلامية والألفاظ والعروض التي تحمل طابعا جنسيا واضحا ـ سبق وأن أقرته الكنيست قبل 17 عاما! وهذا يعني، انه سبق لهم ومنذ بداية سيرتهم المهنية في الشرطة، ان اطلعوا على القانون، والذي ينص على أن الملاحظات والعروض المشينة من قبلهم للشرطيات لا تعتبر بمثابة مغازلة لطيفة، بل جريمة جنائية واضحة حكمها سنتين خلف القضبان.

كذلك: سبق وقبل نحو عشر سنوات، ان تحدد في تعريف الاغتصاب في قانون العقوبات، بان اي ارتباط او اتصال جنسي مع إمرأة تكون قانونية ومقبولة، بحيث انه ليس كافيا عدم إبدائها المعارضة، ولكن المطلوب موافقة حرة من قبلها. ومن الواضح انه عندما تقف المرأة في حالة إرتباط او دونية واضحة أمام الرجل ـ فإن موافقتها لا تصدر عن إرادة حرة وإقامة العلاقة الجنسية معها في هذه الحالة تعتبر من قبيل الاغتصاب.

إذا لم يكن الضباط قد امتلكوا ما يكفي من الثقافة لإدراك ذلك من خلال القانون، فقد كان عليهم فهمه من تفسيرات المحكمة العليا، عندما ارسلت إلى السجن لفترة طويلة رئيس الدولة السابق، موشيه قصاب. لكن يتضح من ممارساتهم أن تعريف الاغتصاب في القانون، وكذلك تفسيرات المحكمة العليا لم تعط ابدا اي اهتمام.

هذا العمى القانوني كما هو معروف خطير جدا، ولكن الاشد خطرا هو إنعدام الاكتراث الاخلاقي المحيط به ـ تجريد المرأة من انسانيتها، بحيث لا ينظر إليها ككائن مستقل، حساس وذو مشاعر، بل غرض متاح يعمل بمثابة دعوة للرجل كي يرضي نزواته. هذه هي ثقافة «الاغتصاب» التي عبرت عنها الناشطة النسائية أندريا دوبوركين، بأنها تعبر عن ذاتها عبر اختزال المرأة بعضوها الجنسي. عندما تتحكم هذه الثقافة في قمة منظمة هرمية وسلطوية مثل الشرطة، فلن يكون عجبا إذا استبيحت دماء وأجساد وأرواح النساء في درجات الوظائف الدنيا.

لذلك، من الضروي اقتلاع «ثقافة الإغتصاب» من شرطة إسرائيل. لايجب أن يعاقب ضابط او شرطي استغل موقعه لتلبية رغباته الجنسية ـ وبالتأكيد ذلك الذي استغل ضعف المرأة لكي يقيم معها علاقات جنسية بدون موفقتها الحرة ـ لا يجب ان يعاقب فقط عبر طرده من الخدمة. يجب استنفاذ القانون الجنائي معه كما هو جار مع المغتصبين، وارساله خلف القضبان. كذلك، في كافة الفصول الدارسية لاعداد رجال الشرطة ـ ابتداءا من دورات الشرطة التأسيسية وصولا إلى كلية الشرطة للقيادات العليا ـ يجب دمج تعليم شامل وعميق حول القوانين والمواد المتعلقة بالجرائم الجنسية، بما في ذلك إجراء مقابلات مع متطوعات من مركز المساعدة للنساء المعتدى عليهن جنسيا.

في الشهر الماضي نشرت مدعية النيابة العامة البريطانية، أليسون سوندرس، تعميما لسلطات فرض القانون بعدم إغلاق أي ملف شكوى حول جرائم جنسية، وعدم التنازل عن الاجراءات الجزائية ضد المتهم، إلا إذا وفر للمحققين تبريرا كافيا لأفعاله، بأن المشتكية وافقت برغبتها الحرة على الاتصال الجنسي معه. فقط عندما يكون هذا هو توجه الشرطة الاسرائيلية، عندها سوف نضمن حماية شرف النساء وحريتهن.

هآرتس

حرره: 
س.ع