أيام الانحطاط ليهود الولايات المتحدة

أيام الانحطاط

إن الاقوال اللاذعة لاشخاص بارزين ليسوا قليلين في الجالية اليهودية الامريكية وممثلين في الكونغرس، التي خرجت ضد خطاب رئيس الحكومة المخطط له في تلة الكابتول، أثارت من سباتها الصمت المخجل لهذه الجالية ازاء كارثة يهود اوروبا. صحيح أن الحديث يتم في ظروف مختلفة واوقات مختلفة، لكن يجب عدم تجاهل الخط الوهمي الذي يربط بين ـ ولو بصورة جزئية ـ السلوك السلبي والخانع للمؤسسة اليهودية وزعمائها في تلك الايام الظلامية وبين الايجابية المقاتلة تجاه حكومة إسرائيل، الذي مصدره في جزئه الاكبر من رجال الاعمال في هذه الجالية.

رغم حقيقة أن الجالية اليهودية في الولايات المتحدة مرت بطريق طويل ومؤثر، وفي مسار اندماج اجتماعي وسياسي منذ فترة الكارثة، ومنذ الايام التي القت فيها لجنة الكونغرس للتحقيق في الاعمال المعادية لامريكا برئاسة السناتور جوزيف مكارثي الفزع (حيث أن جزءا كبيرا من اهداف اللجنة وضحاياها كانوا يهودا)، لم تختف نهائيا المخاوف المكبوتة في شأن مكانها ومكانتها في الواقع الامريكي. هذا في الوقت الذي في ظله ما زال الخوف من أن يفسر دعم إسرائيل الكاسح ـ في الاساس عندما تكون مواقف الادارة تجاه قيادتها صدامية بشكل خاص ـ كتعبير عن الولاء المزدوج، وهكذا يتم التشكيك في موقفها ومكانتها داخل النسيج الاجتماعي والثقافي.

مثال واضح على هذا أنه حتى في زمن التعاون الاستراتيجي المتعاظم فما زالت موجودة ندوب عميقة في وعيها مثل ذكريات الخمسينيات، «قضية بولارد» التي انفجرت في تشرين الثاني 1985، ورغم أن اعتقال وادانة بولارد لم تؤد إلى خطوات عقابية من جانب الرئيس ريغان تجاه حكومة بيرس، فقد كان لهذه المسألة تأثير كبير على يهود الولايات المتحدة (ليس فقط على البيروقراطية الامريكية التي اظهرت كراهية متواصلة تجاه إسرائيل)، الازمة فتحت من جديد اسئلة قاسية تتعلق بتحديد هوية وعلاقة الجالية اليهودية، كذلك فان مسألة بولارد أثبتت لممثلين كثيرين في الجالية أن دعم إسرائيل من شأنه ـ في حالات متطرفة ـ أن يضر بالمصالح الامنية الامريكية.
النتيجة المباشرة لهذه الازمة في الوعي كانت تحفظا اكثر من جانب هذه القيادة، التي خلال النصف الثاني من العقد الماضي امتنعت بصورة عامة عن المبادرة للقيام بعمليات دعم وتأييد لإسرائيل. مرت ثلاثة عقود تقريبا منذ انفجرت قضية بولارد، ويبدو أن الزمن توقف عن السير تماما عندما يجري الحديث عن هذه القضية، وفي الحقيقة، ورغم أن الجالية اليهودية (مع الكونغرس) كانت اكثر من مرة تشكل المحور المركزي لدعم وتأييد إسرائيل (واكثر من مرة من خلال الاستعداد لانتقاد مواقف الادارة ولتجنيد الدعم ضد خطواتها)، فانه عندما نتحدث عن موقف حاسم من جانب رأس الهرم، فاننا نشهد مرة تلو الاخرى ارتداع معظم الاشخاص والمنظمات اليهودية عن مواجهة مباشرة مع البيت الابيض.
بالعكس، في هذه الحالات تكررت ظاهرة وقوف اشخاص مركزيين في الجالية اليهودية على رأس داعمي الرئيس في الساحة الامريكية الداخلية. هكذا حدث في ذروة «الضمانات للبناء» في بداية 1992، وهذا ما يحدث في هذه الايام، الايام التي يجري فيها النقاش حول موضوع خطاب رئيس الحكومة أمام الكونغرس.
من الممكن أن نعدد نجاحات وتحفظات بشأن الطريقة المثالية لوضع موضوع الاتفاق القادم مع إيران في صلب الخطاب الجماهيري والسياسي في الولايات المتحدة، والتحذير من مخاطره واحتمالاته.
من جهة هناك فرق بين الخلاف المشروع وبين صيحات الانقسام التي تصدر من اوساط مختلفة في الجالية اليهودية. بالتحديد على خلفية القوة البارزة في الخطاب الامريكي الحالي فان هذه الصيحات تثير الشك في أن الحديث يدور عن دورة ثانية من مشكلة الهوية القديمة، التي لم ينجحوا في التغلب عليها رغم أن العديد منهم حققوا الحلم الامريكي. يمكن فقط الأمل بأنه كلما اقترب موعد الخطاب سيقل الضجيج الذي يحيط به، وهكذا سيشق من جديد طريق للنقاش الموضوعي والصريح مع هذه الجالية.

إسرائيل اليوم 

 

حرره: 
م.م