مصنع للهذيانات العسكرية

تدريب عسكري

بقلم عميرة هاس
 

مهم جدا لحركة حماس أن تنشر على الملأ بانها تنظم تدريبات عسكرية للاولاد ابناء 14 فما فوق، وتشير إلى العدد الدقيق للاولاد والفتيان الذين أنهوا «دراستهم» في معسكري تدريب (17 الف). وفي نفس الوقت الذي تنفق فيه المقدرات كي تدربهم استعدادا للحرب التالية، فانها تبعث المتظاهرين أو تسمح بالمظاهرات أمام مباني الامم المتحدة، احتجاجا على أن العالم لا يعمر القطاع بعد الحرب السابقة.

ومثل المسيرة العسكرية التي أجرتها في كانون الاول، معسكرات التدريب من انتاج حماس والمنشورات عنها، فهي تنخرط في خطاب المقاومة الذي يبدو سطحيا أمام القوة العظمى العسكرية الاكبر في المنطقة اسرائيل كل تفاصيل حياتهم على مدى عشرات السنين. في هذه الوضع، والسلاح هو جزء طبيعي من المشهد المادي والعقلي.

في السنوات الستة الاخيرة انضم هؤلاء الاولاد ومئات الالاف غيرهم (ليس بعد) إلى معسكرات الشبيبة الحماسية، اجتازوا ثلاث هجمات اسرائيلية كبرى وغيرها اقل اتساعا. والاهالي يبلغون كم صعبا عليهم مع أولادهم: فهم عنيفون، مكتئبون، عديمو الدافع للدراسة لانهم يعرفون بان فرصهم لايجاد عمل متدنية، محبطون من قلة الفعل ولا يعرفون ماذا يعملون بانفسهم، فهم لا يزالون يعانون من صدمة الحرب. كل ضجيج استثنائي يفزعهم، وهناك من يبللون فراشهم في منامهم، وهناك من يتلعثمون. الماء الذي يشربونه مثل باقي سكان القطاع غير جدير بالشرب للانسان، وبالكاد للاغتسال. هناك الاف الاهالي ممن ليس لهم ترف الانتباه لهذه «الصغائر»، لانهم وأولادهم لا يزالون يعيشون في منازل شبه مدمرة او منتشرون في المدارس التي تحولت لتصبح ملاجيء لعديمي المنازل.

هؤلاء هم الاولاد الذين يصلون إلى المخيمات العسكرية. ومشوق أن نعرف كم منهم اجتاز العلاجات لما تعرضوا له من صدمة (العلاجات غير الناجحة، بشهادة الاهالي والمعلمين) التي كل انواع المنظمات غير الحكومية تنتهجها، كفعل سيزيفي عابث، منذ سنين. والاولاد الخريجون من المخيمات العسكرية مروضون على ان يقولوا بانهم سيقاتلون ضد العدو الاسرائيلي. ولكن ينبغي الافتراض بانه قبل أن تقع لهم هذه الفرصة، فان هؤلاء الاولاد مع التعليم العقائدي الذي يتلقونه بحقن مركزة، سيشكلون تعزيزات هامة لحماس في الخصومة السياسية بينها وبين حركة فتح الضعيفة والمفتتة.

«عندما يكون مال، فإن حماس هي الحكومة، حركة الحكم المدني. عندما لا يكون مال، فانهم «المقاومة»، اشار احد سكان القطاع الذي اختار الهرب منه إلى الخارج. منذ بدأ مال الانفاق ينفد، نشأ تقسيم عمل تضاربي بين مفهوم «الحكومة» ومفهوم «المقاومة»: اعطاء الخدمات للجمهور واعمار الدمار المادي والنفسي او رفع الطلبات لاسرائيل للسماح بسفر الطلاب إلى الخارج عبر الضفة الغربية (كما تفعل السلطة الفلسطينية) هو دور ناكر للجميل لكل جهة باستثناء حماس. المجد الذي في الصمود حقيقي أو وهمي ضد العدو هو لحماس. اما من هو واع لهذه السخرية هنا فليس حرا في الاحتجاج.

ممنوعات الحركة التي تفرضها اسرائيل على قطاع غزة مذ 1991، واشتدت بالتدريج منذ العام 2000، كانت تفيد حماس دائما وتجذرها في المجتمع. وفي داخل المعتقل الكبير هذا الذي خلقته اسرائيل، والاغلبية الساحقة من الـ 1.8 مليون من معتقليه لم يخرجوا منه، سهل على حركة سلطوية مثل حماس ان تصمم الوعي، ولا سيما للاكثر شبابا. ففي وضع الحبس الجماعي المتواصل الذي تفرضه اسرائيل على قطاع غزة، فان وهم القوة الذي توفره التدريبات العسكرية هو أكثر حقيقية من أحلام الدراسة في الخارج او في الضفة الغربية، وبالتالي ايجاد عمل.

هآرتس

حرره: 
س.ع