أوروبا تغير تعاملها مع المسلمين

صورة توضيحية

بقلم آشر شختر

فرنسا ومعها اوروبا جميعها تلقت في الايام الاخيرة مذكرة موجعة للتحديات الكامنة في استيعاب السكان المسلمين في القارة.

والحقيقة هي أن اثنين على الاقل من المعتدين الثلاثة اللذين اقتحموا موقع المجلة الفرنسية في باريس وقتلوا 12 شخصا بريئا هم من مواطني الدولة، الاخوة سعيد وشريف كواشي من مواليد فرنسا من أصل جزائري في الثلاثينات من أعمارهم الذين تنطبق حالتهما على ما تزعمه «مارين لوبان» وحزب «الجبهة الوطنية» اليمينية المتطرفة، التي تحذر الفرنسيين منذ سنوات من أنه لا يوجد أي مجال في أن يتعايش المجتمع الفرنسي مع الاسلام بسلام.

الهجوم المثير على «شارلي إبدو» ليس هجوما على حرية التعبير بل ايضا هو تعبير عن النسيج الاجتماعي اللطيف لفرنسا الآخذ في التفكك بوتيرة مقلقة في السنوات الاخيرة، وتعبير عن فرص المجتمع الفرنسي في استيعاب الاقلية المسلمة الكبيرة (الأكبر في غرب اوروبا) في داخلها. ويبدو أن اسوأ المخاوف التي تعيشها فرنسا من قبل مئات المواطنين الذين قاتلوا في السنوات الاخيرة في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والقاعدة في العراق وسوريا، قد تحقق.

وباضافة حالات فارقة على صفحة المجلة الاخيرة «شارلي إيبدو» التي صدرت في يوم العملية ظهرت شخصية الكاتب الفرنسي ميشيل وولباك الذي انتقد بشدة الاسلام في السنوات العشر الاخيرة وتمت ملاحقته من قبل منظمات اسلامية بسبب هذا. وكتابه الاخير الذي صدر يوم الاربعاء تحت عنوان «الخنوع» يتوقع حدثا مستقبليا (غير واقعي كما يعترف بنفسه) في 2022 وهو أن يقوم مرشح اسلامي ويهزم لوبان ويفوز في الانتخابات الرئاسية بحيث يكون مدعوما من الاسلاميين واليمين المعتدل. وبعد يوم من ذلك ستتوقف النساء عن اللباس الغربي والذهاب إلى العمل. وفي الاحياء الفقيرة اليوم في فرنسا تختفي الجريمة وتتحول الجامعات إلى اسلامية ويستقيل المعلمون غير المسلمين اذا لم يكن في امكانهم اعتناق الاسلام. وعلى الصفحة الساخرة لـ «شارلي إيبدو» تحت العنوان «نبوءات الساحر وولباك»، حيث يقول: في 2015 سأفقد أسناني وفي 2022 سأصوم في رمضان.

وفي المقابل للذكرى التراجيديا والصعوبات في استيعاب الاقلية الاسلامية الآخذة في الازدياد تلقت اوروبا هذا الاسبوع تذكيرا آخر بالمأزق الأخلاقي الذي تواجهه القارة في هذه الايام الذي يتعلق باللاجئين (واغلبيتهم من المسلمين) الذين يستمرون في الوصول اليها بأعداد كبيرة. ومنذ اسبوعين كان 360 مهاجرا سوريا على ظهر سفينة «عز الدين» التي تم جرها إلى الشاطيء من قبل حرس السواحل الايطالي، حيث كانوا يجلسون باكتظاظ ومجمدين في حاويات أُعدت في الأصل لنقل الابقار. وقد نفذ لديهم الماء والغذاء منذ اليوم الاول، وفيما بعد نفذ لديهم الوقود وبقيت السفينة بلا كهرباء، فقرر طاقم المهربين الذين دفع لهم اللاجئين بين 1000 إلى 2000 دولار للفرد الواحد – قرروا تركهم في عرض البحر بدون كهرباء وفي احوال جوية عاصفة.

هؤلاء اللاجئون أكثر من 70 منهم تحت سن الـ 18، وبينهم ايضا اطفال ونساء حوامل خرجوا قبل اسبوعين من تركيا على سفينة «عز الدين»، وهي سفينة نقل عمرها 50 سنة رفعت علم سيراليون (وكانت مسجلة في لبنان). واغلبية هؤلاء هم ناجون من الحرب الاهلية في سوريا التي حولت في السنوات الاربع الاخيرة نحوا من 3 ملايين شخصا إلى لاجئين. وأغلبية هؤلاء اللاجئين تدفقوا إلى الدول المجاورة، مثل لبنان التي تزايد عدد سكانها بنسبة 25 بالمئة بعد أن وصل اليها 1.5 مليون لاجيء سوري في السنوات الاخيرة. ولكن الآلاف منهم اختاروا أن يدفعوا ما لديهم من مال والمخاطرة بحياتهم من اجل الوصول إلى اوروبا يحدوهم الأمل بأن يحظوا بحياة أفضل. ونقطة الانطلاق كانت دائما تركيا أو ليبيا، والهدف في اغلب الاحيان هو ايطاليا أو اليونان أو مالطا. وهي بوابات اللاجئين السوريين إلى الحلم الاوروبي.

ولحسن حظ لاجئي سفينة «عز الدين» وبعد أن تركها أفراد الطاقم على مسافة 65 كم من شواطيء ايطاليا عثرت عليها سفينة حرس السواحل الايسلندي التي كانت تقوم باعمال الدورية في المنطقة في اطار برنامج الاتحاد الاوروبي، وشخصت السفينة بعد أن سمعت منها نداءات الاستغاثة من قبل المسافرين، واضطر حرس السواحل الايطالي إلى جرها إلى ميناء كورليانو كالبرو بسبب الاحوال الجوية العاصفة. وبذلك تمكن اللاجئون الذين تم أخذهم إلى ملجأ في ايطاليا بعد ذلك من تقديم طلبات اللجوء السياسي. لم يحظ جميعهم بالموافقة ولكن وضعهم سيكون افضل مما كان عليه وضع 20 ألف طالب لجوء آخرين الذين ماتوا في العقدين الاخيرين في البحر وهم يحاولون الوصول إلى اوروبا.

إن حادثة «عز الدين» ليست حادثة منفردة، بل هي سفينة الاشباح الثالثة التي تم انقاذها من قبل حرس السواحل الايطالي وهي مليئة باللاجئين، خلال أقل من اسبوع، والثانية التي تم انقاذها خلال ثلاثة ايام. قبل يومين كانت السفينة بلوسكاي إم التي تُركت في عرض البحر وعلى متنها 750 لاجئا سوريا دفعوا آلاف الدولارات من اجل الوصول إلى اوروبا، وبعضهم استجابوا للاعلانات في الـ«فيسبوك» التي اقترحت على طالبي اللجوء السوريين ممرا آمنا إلى اوروبا مقابل 6 آلاف دولار للشخص، وقد وجد اربعة منهم ميتين على ظهر السفينة.

إن التقارب في الزمن بين انقاذ السفينتين ليس صدفة. ففي الاشهر الاخيرة كانت عملية ترك لسفن نقل كبيرة محملة باللاجئين، كانت عبارة عن تكتيك مركزي لشبكات التهريب الاوروبية التي تحولت في الربيع العربي إلى شبكات تهريب ذكية وأكثر جرأة من أي وقت مضى. ويقوم هؤلاء بعمليات ابداعية من اجل مضاعفة ارباحهم من المعاناة الانسانية. وقد كانوا في السابق يستخدمون وسائل نقل صغيرة وخفيفة، ولكن في الاشهر الاخيرة تحولوا إلى استخدام سفن النقل الكبيرة والقديمة التي خرجت من الخدمة حيث يستطيعون أن يحملوا فيها مئات اللاجئين ويربحوا نحوا من مليون دولار في كل رحلة. في السابق كانت القوارب الصغيرة تخرج إلى اوروبا من ليبيا (وهناك ايضا كان المهربون يتركون المسافرين في عرض البحر)، ولكن السفن الكبيرة تخرج اليوم من الموانيء التركية، وهناك يجبي المهربون ثلاثة اضعاف ما كان يجبيه المهربون من ليبيا.

الفكرة البسيطة هي: المهربون ينقلون أعدادا كبيرة من اللاجئين – سوريين، اكراد أو من شمال افريقيا – في سفن نقل قديمة يشترونها بمبلغ 100 – 150 ألف دولار حسب التقديرات ويوجهونها إلى اوروبا بواسطة قبطان آلي ويهجرونها بعد فترة قصيرة في زوارق ذات محركات، ويبقى طالبو اللجوء وحدهم في ظروف صعبة وغالبا بدون غذاء على السفينة التي لا يقودها أحد. ويفترض المهربون أن الاوروبيين – اليونانيين أو الايطاليين – لن يسمحوا لسفينة مملوءة بالمهاجرين بالتحطم أمام شواطئهم بدون انقاذ من عليها. وهكذا ينجح هؤلاء في ضمان الأمان لطالبي اللجوء الذين كانوا تحت سيطرتهم، ويصل اللاجئون إلى اوروبا، ومن ناحية اخرى يضاعف هؤلاء ارباحهم. إن السفن التي ينقلون فيها هي بصعوبة يمكن تسميتها سفن. فهي سفن قديمة جدا تُبدل أسماءها بين حين وآخر وتُبدل أصحابها وأهدافها وطرق سيرها، وهي مُعدة لنقل البضائع وبعيدة جدا عن أن تكون آمنة، ويتم شراؤها اغلب الظن كسفن للتفكيك. ويصعد عليها المهاجرون اليائسون في رحلة خطرة إلى اوروبا، وهي سفن نقل خربة يفضلها اللاجئون على الحروب التي هربوا منها. وميناء مارسين في تركيا يستخدم على الاغلب كنقطة انطلاق لسفن النقل الكبيرة لأنه ما زال يرتبط بمدينة اللاذقية السورية من خلال العبارات. وهذا ما يحول هذه الظاهرة إلى خطرة بشكل خاص وهو أنه من الصعب العثور على هذه السفن حتى عندما تسير بسرعة باتجاه الشاطيء، وفي احيان كثيرة تكون هيئة التشخيص الآلية لها معطلة وهذا ما يحولها إلى غير ممكنة الكشف، ولهذا السبب فعلّت ايطاليا في الاونة الاخيرة برنامج للبحث والانقاذ اسمه «مارامستروم» الذي تم العمل به بعد غرق أكثر من 350 طالب لجوء في 2013. وحسب التقديرات فان «مارامستروم» أنقذ حتى الآن حياة 100 ألف انسان، ولكن تم الغاؤه مؤخرا بسبب تكلفته العالية، حيث أن ايطاليا ما زالت تواجه ازمة اقتصادية، وتكاليف البرنامج تُقدر بنحو 9 ملايين يورو في الشهر. وبناءً على طلب ايطاليا قامت وكالة تأمين الشواطيء «فرونتكس» بالحلول محل «مارامستروم»، والبرنامج الخاص بها اسمه «ستريتون»، وهذا البرنامج أقل كلفة من البرنامج السابق بنحو ثلثي القيمة.

صناعة تهريب اللاجئين

ظاهرة سفن الاشباح من سوريا التي تحولت في الاشهر الاخيرة إلى وجع رأس كبير للايطاليين – 15 سفينة اشباح وصلت إلى ايطاليا منذ آب – هي فقط جزء صغير من ازمة اللاجئين الكبيرة التي تواجهها اوروبا في هذه الايام. ومئات آلاف طالبي اللجوء من سوريا وافريقيا، مسلمين وغير مسلمين، يطرقون الابواب. وهذه اكبر ازمة انسانية تمر بها قارة اوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، وعلى خلفية صعود اليمين المتطرف وموجة الكراهية المعادية للاسلام التي تغمر اوروبا في هذه الايام (ومن المتوقع أن تتزايد في اعقاب الهجوم الارهابي على شبكة «شارلي إيبدو»)، والابعاد السياسية والاجتماعية لهذه الازمة ستكون كبيرة. ففي 2013 تم تقديم 435 ألف طلب لجوء إلى اوروبا، أي حوالي 100 ألف أكثر من عام 2012، وهذه الوتيرة آخذة في الازدياد.

وسبب تزايد طلبات اللجوء إلى اوروبا هو أن عدد اللاجئين في العالم آخذ في الازدياد. ففي السنوات الاخيرة، بسبب الصراعات في سوريا والعراق ولبنان واريتيريا وبسبب الربيع العربي، طُرد ملايين اللاجئين أو اضطروا إلى ترك بلادهم والبحث عن ملجأ في دول اخرى. وفي السنة الاخيرة وحدها اضطر 50 مليون شخص إلى ترك بيوتهم في اعقاب الحروب والصراعات في بلادهم. وهو العدد الاكبر من المقتلعين منذ الحرب العالمية الثانية. ومن بين هؤلاء اللاجئين 348 ألفا حاولوا القيام بذلك عبر البحر في 2014، وأكثر من 207 آلاف منهم حاولوا الدخول إلى اوروبا – ثلاثة اضعاف ما كان عليه الوضع سابقا في 2011. بعد اندلاع الحرب الاهلية في ليبيا، حسب معطيات وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة، فان 3500 منهم ماتوا خلال ابحارهم إلى اوروبا (في 2013 مات حوالي 600)، 150 ألفا تم انقاذهم من قبل ايطاليا وحدها.

إن وصول مئات الآلاف من طالبي اللجوء في السنة إلى شواطيء اوروبا هو جزء من القصة فقط. حسب منظمة الهجرة الدولية، 10 بالمئة من المهاجرين غير القانونيين الذين يدخلون اوروبا يقومون بذلك عن طريق البحر، وعدد كبير آخر يقومون بذلك عن طريق البر من خلال دول مثل هنغاريا وبلغاريا المجاورة لدول شرق اوروبا والتي ليست عضوا في الاتحاد الاوروبي. ولكن ازدياد المهاجرين عبر البحر هو نتيجة تشديد المتابعة في الحدود البرية للاتحاد، الامر الذي يكشف الازمة التي يجب أن تواجهها اوروبا في هذه الايام. والمأزق الذي يجب أن يواجهه الاوروبيون عموما: هل يستوعبون جميع هؤلاء المهاجرين في ديارهم على رغم المشاكل الاقتصادية والسياسية والثقافية المترتبة على ذلك، أم يعيدوهم إلى بلادهم حيث سيكون موتهم.

إن اوروبا التي يتزايد فيها كره الاجانب في السنوات الاخيرة، تعتبر طالبي اللجوء تحديا سياسيا واقتصاديا واخلاقيا مركب لها، ويبدو أن اوروبا لم تتحرك لمواجهة هذا التحدي بعد. ومن جهة اخرى ليس لديها الكثير من المبررات.

إن الهجرة الحالية تضع اوروبا في فترة حساسة بشكل خاص التي تتعاظم فيها قوة اليمين المتطرف الذي يكره الاجانب مثل المانيا والدانمارك والسويد. إلى جانب هذا حظيت الاحزاب المعارضة للهجرة مثل فرنسا بنجاح كبير. والاقتصاد الاوروبي يعاني من المشكلات ويصعب على الدول الاوروبية قبول طالبي اللجوء كما عملت في السنوات العشر السابقة للازمة. ففي هذا الاسبوع مثلا اضطرت بلغاريا الرازحة تحت عبء اللاجئين السوريين المتدفقين اليها منذ سنوات عبر تركيا – اضطرت إلى اعادة قبول أكثر من 3 آلاف لاجيء غادروا اراضيها وحاولوا دخول دول اوروبية اخرى. ومعا مع ايطاليا ومالطة واليونان تدعي بلغاريا أن الوضع الحالي الذي تتحمل فيه وحدها اعباء استيعاب اللاجئين هو وضع غير منطقي. وفي السنوات الاخيرة منذ اقامة «فرونتكس» في 2004 شددت دول اوروبا من سياسات الهجرة اليها إلى درجة ان منظمات حقوق الانسان بدات تنعت سياسات الهجرة لهذه الدول «حصن اوروبا» (وهو مصطلح استخدمه النازيون في وصف دول اوروبا المحتلة التي بنت على شواطئها جدارا بديلا لمنع دخول دول الحلفاء. في شهر تموز نشرت منظمة حقوق الانسان «إمنستي انترناشيونال» تقريرا تحت عنوان «الثمن الانساني للحصن الاوروبي» انتقدت من خلاله الرد الاوروبي على موجة اللاجئين التي تحاول الوصول إلى اوروبا ومحاولات منعهم من الدخول. وفي التقرير تدعي المنظمة أن دول اوروبا استثمرت في السنوات الاخيرة في بناء الجدران وتكنولوجيا المتابعة وقوات الشرطة ومنشآت الاعتقال من اجل بناء حصن غير قابل للاختراق ومعد لابقاء المهاجرين في الخارج. إن نجاح تلك الخطوات في كبح دخول طالبي اللجوء هو أمر مشكوك فيه كما تقول «إمنستي». والثمن الانساني مقابل ذلك لم يتم أخذه بعين الاعتبار.

فيما وصف التقرير كيف تحاول دول اوروبا مثل اليونان وبلغاريا اعادة طالبي اللجوء إلى بلادهم بشكل مخالف لقوانين الاتحاد الاوروبي التي تمنع الاعادة بالاكراه لطالبي اللجوء إلى بلادهم التي قد يعيشون فيها في حالة خطر. حسب القانون الاوروبي يوجد لطالبي اللجوء حق في الغذاء والعلاج الطبي ومنح الملجأ، ولهم الحق في التقييم الخاص لمطالبهم الشخصية. وبامكانهم تقديم طلب لجوء سياسي، ولهم الحق في الحصول على العمل بعد تسعة اشهر.

تغيرت السياسات الاوروبية تجاه طالبي اللجوء في السنوات الاخيرة على خلفية الموجة المتزايدة لكره الاسلام وزيادة قوة الاحزاب اليمينية المتطرفة التي نقشت على رايتها كراهية الاجانب، والتي تضغط على السياسيين المعتدلين وتدفعهم إلى التعامل مع مخاوفها ومخاوف ناخبيهم. اذا كانت قبلت دول مثل اسبانيا سياسات هجرة ليبرالية أدت إلى موجة هجرة كبيرة في سنوات ما قبل الازمة الاقتصادية فانها اليوم تخشى من أن يتسبب ذلك بعبء اضافي على انظمة الربح الخاصة بها. بريطانيا مثلا رفضت في تشرين الاول دعم مهمات انقاذ طالبي اللجوء في البحر المتوسط بدعوى أن عدم انقاذهم يشكل عامل ردع جيد لهم، وقد تم تبني هذه السياسة من قبل دول اوروبية اخرى سمتها منظمات حقوق الانسان سياسات «دعوهم يغرقون».

ولكن المشكلة الكبيرة لرئيس حكومة بريطانيا دافيد كامرون هي ليست طالبي اللجوء من سوريا وافريقيا بل شيئا آخر وهو طالبو اللجوء من اوروبا نفسها. فهو معني باصلاح سياسات الهجرة للاتحاد الاوروبي قبل اجراء استطلاع للرأي العام الذي وعد البريطانيون في 2017 فيما يتعلق بمواصلة عضويتها في الاتحاد الاوروبي الذي يشكل عام الضغط على الاتحاد الاوروبي لتغيير ميثاقه الاساسي الذي يحترم حرية التعبير ليكون بامكانه كبح جماح هجرة البولونيين والاسبان واليونانيين إلى بريطانيا واحد التغيرات في هذه السياسة هو برنامج يمنع المهاجرين الذين حصلوا على لجوء في اوروبا من المخصصات قبل المكوث فيها اربع سنوات على الاقل.

حتى في السويد يحرقون المساجد

مع الكثير من الاحترام للاسبان الذين يطلبون بدل بطالة من بريطانيا فان ما يزعج الجمهور الاوروبي هو المهاجرون المسلمون وتشديد التعامل الاوروبي مع طالبي اللجوء المسلمين بأغلبيتهم ليس عرضيا، فان سياسيين مثل كامرون وانجيلا ميركل وفرانسوا أولاند (دعم بشكل متحمس الهجرة) يجب أن يواجهوا في السنوات القادمة التزايد المقلق في قوة اليمين المتطرف لاحزاب مثل حزب الاستقلال البريطاني والسويديين الديمقراطيين في السويد وسياسيين مثل مارين لوبان في فرنسا وحركات سياسية راديكالية مثل بغيدا الالمانية، وهذا الحزب الالماني مثال ممتاز للطريقة التي تهدد بها ازمة اللاجئين اوروبا واستقرار الهيئات السياسية. وجيدا هذه (الوطنيون الاوروبيون ضد أسلمة الغرب) قامت في الاشهر الاخيرة بعدة مظاهرات واعتصامات في المانيا وخارجها وصلت ذروتها في الاسبوع الماضي بمظاهرة عملاقة في مدينة دردزان تواجد فيها 18 ألف متظاهر احتجاجا على أسلمة المانيا نتيجة قبول طلبات آلاف اللاجئين المسلمين اليها في السنوات الاخيرة. ومنظمة بغيدا هذه هزت الجمهور والهيئة السياسية في المانيا بسبب تصريحاتها العنصرية ونشاطاتها وبسبب أنها راكمت شعبية كبيرة في عدة مدن في المانيا وخارجها منذ انشائها. ولكن لمزيد المفارقة فانها الاكثر شعبية في درزدن وذلك بسبب أنه في ولاية سكسونيا التي تقع فيها دردزن فقط 3 بالمئة من سكانها من المهاجرين ومنهم 0.1 بالمئة مسلمين.
ومع ذلك لا شك أن بغيدا تمثل جذبا كبيرا ومتزايدا في المانيا ضد ما يُعرف في اوساط الجمهور الألماني بالعجز أو عدم رغبة السياسيين في كبح الهجرة الاسلامية إلى الدولة. وحسب استطلاع اجرته «دير شبيغل» في الشهر الماضي فان ثلث الالمان يؤمنون ان المانيا تعيش حالة أسلمة وان ثلثي المستطلعة اراؤهم يعتقدون ان الحكومة لا تقوم بما يكفي لتهدئة هذه المخاوف. ان المانيا هدف الهجرة الثاني الكبير في العالم بعد الولايات المتحدة، وقد قبلت عددا كبيرا من طلبات اللجوء في 2014 لنحو 200 ألف شخص اغلبهم من العراق وسوريا، وذلك اكبر من أي دولة في اوروبا، وفي 2015 يتوقع ان يتزايد هذا العدد بشكل كبير.

ولكن تزايد قوة اليمين المتطرف بعيدة عن ان تكون مشكلة في المانيا بمعان مختلفة. فالهزة الارضية التي تسببها الهجرة الحالية هي في بدايتها، وفي بريطانيا كانت المنظمة الانفصالية كارهة الاجانب هي المنتصرة الكبرى في الانتخابات للبرلمان الاوروبي قبل اكثر من سنة. وفي السويد ذات الشخصية الاكثر تحملا يظهر فيها حزب السويديين الديمقراطيين الذي يتحول إلى الحزب الثالث في حجمه في البرلمان. وفي السويد تم احراق ثلاثة مساجد في الاسابيع الاخيرة. وقائد حزب السويد الديمقراطي، يامي اكسون، وصف الاسلام ليس كالخطر الاكبر على السويد منذ الحرب العالمية الثانية بل كخطر على دولة الرفاه القائمة في السويد. وفي فرنسا التي هزها الهجوم على مكاتب المجلة فمن المتوقع أن تدخل لوبان إلى قصر الاليزيه في 2017.

إن من قرر التدخل في ازمة اللاجئين الاوروبية هو البابا فرانسيسكو في خطاب في الذكرى السنوية لغرق السفينة «بلموفديزا»، دعا اوروبا إلى تغيير سياسة الهجرة الخاصة بها وفتح ابوابها للاجئين. «أطلب من جميع النساء والرجال في اوروبا فتح ابوابهم وقلوبهم»، كما قال البابا، ثم توجه للاجئين وقال لهم «اريد ان تعرفوا اني قريب منكم وأصلي من اجلكم وأصلي لأن تفتح الابواب المغلقة امامكم على مصراعيها».

هآرتس

حرره: 
س.ع