أوروبا ضد المستوطنات

مستوطنة

بقلم أوري سفير

اسرائيل اليوم تفقد ليس فقط الشريك التجاري الاساس، بل وايضا الشريك القيمي والفكري الهام. نحن نفضل الانتماء لاوروبا، وليس للشرق الاوسط. ولكن الاوروبيين لم يعودا يريدوننا، إذ برأي الكثيرين لم نعد ننتمي الى المؤسسة القيمية التي توحدهم: مناهضة الاستعمار، احترام حقوق الانسان وتأييد التعايش السلمي
كل رحلة يجريها اسرائيلي الى باريس تثير حسدا استثنائيا لدى المتبقين وراءه. ولكن ليس سهلا أن يكون المرء اسرائيليا في العاصمة الفرنسية هذه الايام. فقد زرت هناك الاسبوع الماضي كي احقق مشاريع سلام في أوساط مصممي الرأي العام البارزين.

باريس نفسها لا تتغير: فالسحر الفرنسي لا يزال في افضل احواله. فلا نهاية للرومانسية، الجمال حتى أكثر من الاخلاق، والحياة الارق في العالم. اما ما تغير بالفعل فهو الموقف من اسرائيل. لم يسبق لي ان سمعت مسؤولين فرنسيين كبار في الادارة، في الصحافة وفي عالم الروح يتحدثون بمثل هذه الحدة تجاه اسرائيل، وبقلق عميق وحقيقي يسألون: «ما الذي يحصل لكم؟ تحولتم من نموذج عالمي للمساواة الاجتماعية، الليبرالية والديمقراطية تحت النار، الانسانية بعد الكارثة، الى مجتمع عنصري، محتل، يطارده جنون الاضطهاد وكراهية الاجانب».

كنت في باريس عشرات المرات في الماضي مع شمعون بيرس. رأيت كيف ان قادة فرنسا الذواقين يأكلون من كف يده وجبات من السلام الشرق اوسطية والتعاون مع اسرائيل. قصة بناء أمة اسرائيل أثارت اعجاب الفرنسيين.

بين فرنسا الرسمية واسرائيل الرسمية يدور حوار طرشان. فالفرنسيين يحاولون الاقناع بان حرية الفلسطينيين هي شرط لامننا. وحيال الخطاب القيمي، يسمعون من مندوبينا بان بالذات السيطرة على شعب آخر ستجلب الامن؛ وانه محظور اعطاء الحرية للفلسطينيين في الضفة، خشية أن تصبح هذه حماستان. وعلى حد قول من حاورتهم «فاننا نتحدث عن الحرية وعن حقوق الانسان ونستجاب بالاحتلال والمستوطنات. هناك من عزوا الانتقاد للسامية، كالمعتاد وفي كل مكان. ثمة في فرنسا لاساميون، مثلما في كل دولة، ولكن الحديث يدور هنا عن اناس يحبون اسرائيل، وثمة الكثيرون كهؤلاء.

فرنسا ليست وحيدة في اوروبا. فالسويد وانجلترا تسيران في ذات الطريق. وهولندا هي اخرى تحث مقاطعة ضد المنتجات من المستوطنات. ولعلنا بقينا مع برلين، وحتى هذه في علامة استفهام. هذا شرخ عميق. اسرائيل اليوم تفقد ليس فقط الشريك التجاري الاساس، بل وايضا الشريك القيمي والفكري الهام. نحن نفضل الانتماء لاوروبا، وليس للشرق الاوسط. ولكن الاوروبيين لم يعودا يريدوننا، إذ برأي الكثيرين لم نعد ننتمي الى المؤسسة القيمية التي توحدهم: مناهضة الاستعمار، احترام حقوق الانسان وتأييد التعايش السلمي.

في القدس الرسمية يميلون الى الاستخفاف بهذه المسيرة. «هذه بالاجمال اوروبا. وأمريكا وحدها هي التي تقرر»، يقولون هناك ويشجبون «الازدواجية الاخلاقية الاوروبية».

في اللحظة التي يصمت التأييد القيمي، مثلما وجد تعبيره في باريس، فان التأييد السياسي والعلاقة الاقتصادية يكونان في خطر. ثمة منذ الان رجال دولة وروح يشبهوننا بجنوب افريقيا ذات مرة، ومن هنا السبيل الى المقاطعة قصير. الولايات المتحدة ايضا غير محصنة من تأثير حلفائها الاساسيين خلف المحيط. فقد تحدث من تحاورت معهم من الفرنسيين عن اسرائيل الجديدة، اسرائيل بينيت، اسرائيل المستوطنات، التشريع العنصري، المستوطنات؛ وليس اسرائيل بيرس.
ليس سهلا الاقناع بان هذا ليس الوضع. المشكلة توجد هنا، وليس في باريس. قلت لاصدقائي اني أؤمن باننا سنعود الى طريق القيم والحكمة، بصفتي متفائل لا صلاح له. والا، كما تقول خاتمة فيلم «كازبلانكا»: «دوما ستكون لنا باريس».

معاريف

حرره: 
س.ع