المعجزة يمكن أن تتحقق

المعجزة

أوري أفنيري

لا خصومة لي مع روغل ألفر. فأنا أتمنى له السعادة، حسب طريقه، في كل ما يسير عليه. لي خصومة مع القول ان كل شيء ضائع، ولم يعد ممكنا انقاذ دولة اسرائيل من نفسها. القدر هو أن نصبح دولة أبرتهايد ظلماء ومقرفة، لا يهودية ولا ديمقراطية. وهذا هو. لا يوجد ما يمكن عمله. اناس مثلي، ممن يدعون الى الكفاح، يقعون في خطأ الهذيان.

في مقاله في «هآرتس» في 3/10 يقتبس ألفر مقابلة اجراها معي قبل بضعة اشهر واضطررت فيها «في ختام الامر الى الاعتراف» أني اؤمن أن الشعب سيصحو في اللحظة الاخيرة. كيف، يسأل. وأنا قلت: «ستقع معجزة!».

أنا ملحد تام. لا اؤمن بالمعجزات من السماء. ولكني اؤمن بالمعجزات من فعل يد الانسان. عندما يحدث لي أن احاضر في المانيا، اعرض على الجمهور السؤال التالي: «من منكم صدق، قبل اسبوع من سقوط السور، أن هذا سيحصل في ايام حياته؟» لم يحصل أبدا ان رفعت حتى ولا يد واحدة. سقوط السور بدا كالمعجزة، ولكن تسببت به سياقات طبيعية كانت خفية عن العيان. في المرحلة النهائية تسبب به جموع الناس، ممن فروا من الشرق الى الغرب عبر براغ.

كانت هذه «معجزة» صغيرة مقارنة بالمعجزة الهائلة: انهيار الاتحاد السوفييتي. قوة عظمى عالمية، صناعة هائلة، الاف القنابل النووية، ايديولوجيا تعانق العالم، مؤمنون ومؤيدون في كل موقع وموقع ـ وها هو، في احد الايام، وعلى نحو مفاجيء، ينهار من داخل نفسه. بدون حرب، بدون ثورة، ببساطة انهار. هذه «المعجزة» كانت نتيجة سياقات خفية عن العيان. الدليل: لم يتوقعها اي جهاز استخبارات في تلك السنة مسبقا. لا سي.اي.ايه ولا استخباراتنا، التي كان لها عملاء في كل ارجاء الدولة السوفييتية.

وها هي قصة من حياتي: في 1942 اقتحم الجيش النازي مصر ووصل حتى العلمين، نحو 100 كم عن الاسكندرية. وكان يخيل ان بينهم وبيننا لا يوجد شيء. البريطانيون في البلاد بعثوا بنسائهم واطفالهم الى العراق، وجلسوا على الحقائب. في ذاك الوقت اقتحم الجيش النازي القوقاز. نظرة في الخريطة أظهرت ان الطريق الى البلاد قصر من هناك. قبل سنة من ذلك احتل الجيش النازي جزيرة كريت، في غزو جريء من الجو. غزو آخر ناجح كهذا كان يمكن أن يجلبهم الى البلاد. من ثلاثة اتجاهات مختلفة تقدم الجيش النازي الينا. والوضع بدا مرعبا. منظمة الهاغناة خططت لمعركة يائسة أخيرة على الكرمل. عرفنا أنها هي، نهايتنا ستأتي في غضون بضعة اسابيع. ولكن هذا لم يحصل.

بعد الحرب نشرت كتب في الغالب واتضحت الصورة التالية: دبابات رومل وصلت الى العلمين بقطرات البنزين الاخيرة. ولم يكن بوسعها التحرك الى الامام. كما أن رومل ما كان يمكنه أن يتلقى تموينا جديدا: اولا، لان هتلر على الاطلاق لم يولي اهمية للمعركة في مصر وكان بحاجة الى البنزين لحربه في روسيا، وثانيا، لان الانجليز فكروا لغز سلاح البحرية الايطالي وكمنوا لكل سفينة خرجت من ميناء ايطالي. والى القوقاز وصل الجيش الالمانية بقواته الاخيرة. وقد توقف وعاد من هناك مباشرة الى برلين. والغزو من الجو لكريت اعتبرها مقر القيادة الالماني مصيبة. ولم يكررها.

باختصار – في الوقت الذي توقعنا الموت لانفسنا، لم يكن أنتظارنا على الاطلاق اي خطر. ببساطة لم نعرف العوامل والميول التي كانت تعمل من تحت السطح.

ماذا يثبت هذا؟ انه لا يوجد شيء «يجب» أن يحصل. وأن الوضع «الضائع» ليس ضائعا بالضرورة. وانه لا توجد حتمية. كل شيء يخضع للانسان. وطالما كنا احياء، يوجد أمل.

في تلك المقابلة قلت لروغل اني اقف على دكة «تايتنك» وأرى الجبل الجليدي في الافق. لا يزال يوجد وقت للصحوة، للاندفاع نحو جسر القيادة، لصرف القبطان السكران، وادارة الدفة. اذا حصل هذا، فستكون هذه معجزة. ومثل هذه المعجزة ليس «واجبا» ان تقع. يحتمل ان تصطدم دولة اسرائيل الديمقراطية بالفعل بالجبل الجليدي فتغرق. ولكن المعجزة يمكن ان تحصل. وهذا منوط ايضا بنا، بكل واحد منا.

لا، لم نصل بعد «الى اللحظة الاخيرة» مثلما يدعي روغل. لم تحن بعد اللحظة التي يطلق فيها في ميدان المعركة نداء «فلينقد نفسه من يستطيع ذلك». لا تزال هناك جموع من الاسرائيليين ممن لا يريدون العيش في دولة ابرتهايد، يريدون العيش هنا في دولة ديمقراطية، انسانية، ليبرالية.

أنا متفائل.

مثلما كتب على الورقة المالية الجديدة، على لسان شاؤول شترنخوفسكي: «سأبقى اؤمن بالانسان ايضا/ بروحه ايضا، روح شديدة».

 

هآرتس