سنة جديدة نظام إقليمي جديد

سنة جديدة

بقلم: عاموس هرئيل

حادثتان أمنيتان في اليوم الذي سبق آخر السنة العبرية المنصرمة كفيلان بان يدلا على ما يبدو على شيء ما ايضا من الواقع الاستراتيجي الذي ستقف امامه اسرائيل في السنة الجديدة. في الضفة الغربية، في نوع من خطوة الانهاء المتأخرة للصيف الطويل والمضني، قتلت أذرع الامن مخربي حماس المشبوهين باختطاف وقتل الفتيان الثلاثة غيل عاد شاعر، نفتالي فرنكل وايال يفرح في غوش عصيون في شهر حزيران. اما في هضبة الجولان فقد أسقطت منظومة الدفاع الجوي طائرة قتالية سورية اجتازت الحدود، بالخطأ على ما يبدو، فدخلت الى مجال اسرائيل الجوي.
هذه بعيدة عن أن تكون الصورة الكاملة. فقد بدأت السنة الجديدة في ظل توتر متصاعد في الساحة الشمالية. حزب الله، الذي جمع رجاله في نهاية الاسبوع حطام طائرة بدون طيار للجيش الاسرائيلي تحطمت في جنوب لبنان، غير سياسته ويحاول تحديد سقف رد فعل عنيف لكل خطوة تعتبر في نظره كخرق اسرائيلي للوضع الراهن.
في قطاع غزة، الساحة الاكثر توترا ونزفا في السنة الماضية، تستأنف الان المساعي لمحاولة تحقيق استقرار للوضع من خلال وقف نار طويل المدى. ومع أن الاستخبارات لا تشخص حاليا خطرا فوريا لاشتعال واسع في احدى الجبهات، يبدو أن الواقع اكثر تعقيدا مما كان في الماضي. فالساحات المختلفة تتداخل الواحدة بالاخرى – والامن النسبي الذي تمتع به معظم الجمهور الاسرائيلي في السنوات الاخيرة، والتي كان فيها مستوى التهديد الفوري متدن للغاية، يبدو منذ الان اكثر هشاشة وآنية بكثير مما كان في الماضي.
أعضاء خلية حماس من الخليل، الذين اختطفوا وقتلوا الفتيان الثلاثة في 12 حزيران، نجحوا في التملص من المطاردة الاسرائيلية على مدى اكثر من مئة يوم. قائد الخلية، حسام القواسمي، اعتقل في مخيم شعفاط للاجئين في القدس في 11 تموز، حين كان يوشك على الفرار الى الاردن. اما مروان القواسمي وعامر ابو عيشة، اللذين حسب المخابرات نفذا العملية، فقد غيرا عدة اماكن اختباء، بينها حفر مجاري في منطقة الخليل. وفي الشهر والنصف الاخيرين مكثا في قبو صغير، بعرض متر واحد وطول ستة أمتار، داخل منجرة لنشيط حماس في شمالي الخليل. وقد اعتقل الرجل أول أمس، وعلى حد قول المخابرات اعترف لدى التحقيق معه على مكان اختباء المخربين.
ما حصل بعد ذلك لا ينبغي أن يفاجيء احدا. عندما أمر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بمطاردة القاتلين، كان الافتراض انهما لن يمسك بهما على قيد الحياة.
وكان القواسمي وابو عيشة مسلحين ببندقيتين ومسدسين وفي الاستخبارات قدروا بانهما سيحاولان تنفيذ عملية «استشهاد» في الضفة قبل أن تصل اليهما قوات الامن، على فرض أن قدرهما محتوم على أي حال.
وقد بقيا مخلصين للفكرة التي يتبناها الذراع العسكري في الخليل والتي تقضي بان معظم المطلوبين سيفضلون القتال حتى الموت، على تسليم أنفسهم. وعندما فهما بان قضي الامر، أدارا (حسب رواية الجيش والمخابرات) اشتباكا مع مقاتلي وحدة «يمم»، قتلا في نهايته. من زاوية النظر الاسرائيلية، كان الاعتبار هنا المنطقي تماما: لا يوجد سبب يدعو الى تعريض حياة المقاتلين للخطر في مواجهة مسلحين، مشبوهين بالقتل، يصرون على مواصلة القتال. ومشكوك ايضا أن يكون في الطرف الفلسطيني احد فوجيء بالشكل الذي انتهت فيه القضية.
في الجهود الواسعة للعثور على القواسمي وابو عيشة، شاركت كل اذرع الامن ذات الصلة: المخابرات، الجيش والشرطة.
واستغل الرجلان رد الفعل البطيء على نحو خاص في الطرف الاسرائيلي – فالساعات التي مرت في اعقاب عدم استغلال المكالمة الهاتفية من الفتيان الى مركز الطوارىء 100 الشرطي وبعدها الاستيقاظ المتأخر حتى بدء مساعي التفتيش من الجيش الاسرائيلي – للتملص من ساحة الجريمة بعد أن اطلقا النار فقتلا الفتيان ودفنا جثثهم. ولا يزال، فان الفترة الزمنية الطويلة التي مرت صدعت قليلا من اسطورية السيطرة الاستخبارية والعملياتية المطلقة لاسرائيل في الضفة الغربية. وتبين أنه حتى عندما تكون هوية المشبوهين معروفة، وتكون السلطة الفلسطينية تقدم هنا وهناك المساعدة، فان المطاردة كفيلة بان تكون لزمن طويل.
مسألة لم يتم ايضاحها نهائيا تتعلق بالعلاقة التي بين خلية الاختطاف – من الضفة وقيادة حماس في قطاع غزة. في البداية مالت اوساط شعبة الاستخبارات والمخابرات الى التقليل من أهمية هذه العلاقة. وتبين لاحقا أن شقيق حسام القواسمي، قائد الخلية، هو احد مطرودي صفقة شاليط الذي انتقل الى قطاع غزة ويعمل هناك بتكليف من قيادة العمليات في حماس، بمساعدة صلاح العاروري، مسؤول المنظمة الذي ترك الضفة ويتواجد حاليا في تركيا. وتلقى حسام القواسمي 220 الف شيكل من أخي، استخدم بعضها لعملية الاختطاف.
ومع ذلك، يقدرون في اسرائيل بان الخلية الخليلية عملت استنادا الى توجيهات عامة من غزة، لاستغلال الفرص لعملية اختطاف من اجل تحرير المزيد من السجناء مثلما في صفقة شاليط – ولم تنفذ أمرا مفصلا لتنفيذ عملية في توقيع محدد. وفي المخابرات يشتبهون بان العاروري، بتنسيق مع القيادة في غزة، يوجه من بعيد مزيدا من الخلايا في الضفة ذات الهدف المزدوج: الحاق خسائر باسرائيل وهز استقرار حكم السلطة الفلسطينية في المناطق. وهذا ميل يقلق على أي حال القيادة في رام الله. فبعد أن زار رئيس المخابرات، يورام كوهين، القيادة وهو يحمل توثيقا لتحقيقات نشيط حماس الذي اعتقل لدى اسرائيل في ايار الماضي واعترف بتخطيط مؤامرة ضد السلطة، غضب الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) جدا لدرجة أنه اصطدم مباشرة مع خالد مشعل في لقائهما في قطر.
وكاد مقتل المخربين الاثنين يستخدم من الفلسطينيين كذريعة لالغاء ارسال الوفد المشترك للسلطة وحماس الى القاهرة، لاستئناف المحادثات غير المباشرة مع اسرائيل على وقف نار طويل المدى في قطاع غزة. وفي النهاية ارسل الوفد، ولكن الاتصالات تجري الان على مستويات عمل اقل ارتفاعا وتتركز على تحديد جدول أعمال المفاوضات. والنية هي لاستئنافها بجدية اعظم، بعد رأس السنة وفي هذه الاثناء كسب الوقت وضمان استمرار الهدوء في القطاع. المشكلة، في المدى الابعد، تتعلق بالحصار الاقتصادي على غزة والبطء الذي تجري فيه مساعي الاعمار. فالسلطة توضح لسكان غزة، صبح مساء، بانه بدون تواجد رجال اجهزتها في معابر الحدود لن يضمن اعمار القطاع. كما أن اسرائيل ومصر تتصرفان وكأن لديهما الوقت رغم أن حركة الشاحنات من اسرائيل الى القطاع عبر معبر كرم سالم، تكاد تتضاعف. وبدون تسوية أوسع، فان العنف على الحدود قد يستأنف.

الجبهة الشمالية

في هضبة الجولان اسقط صباح امس صاروخ باتريوت طائرة قتالية سورية، لاول مرة منذ 1985. الطائرة، من طراز سوخوي 24 الروسية، وصلت حتى 800 متر من غربي الحدود. في هذه المرحلة شخص الطياران على ما يبدو بانهما أخطآ وبدآ يتراجعان. ولكن الصاروخ كان قد اطلق نحوهما فتم اعتراض الطائرة فيما تمكن الطياران من النزول بالمظلات في الاراضي السورية.
بقدر ما هو معروف لم يكن هنا خرق مقصود. فالطائرة كانت في طلعة هجومية ضد اهداف الثوار في الجانب السوري من الحدود في الجولان. ولكن اسرائيل لا تأخذ مخاطرات في مثل هذه الحالات. فالوضع في الجانب السوري غير مستقر لدرة أنه لا يمكن معرفة متى يقرر احد ما – من معسكر الاسد او مقرب من منظمات الثوار – تنفيذ عملية في الاراضي الاسرائيلية. وبينما يمكن التجلد هنا وهناك على «تسلل» غير مقصود الى الجانب الاسرائيلي من الحدود، ولكن ليس على اختراق طائرة. وفي المعارك بين الثوار والنظام تجتهد اسرائيل على عدم التدخل. وأنهت منظمات المعارضة المختلفة مؤخرا السيطرة على نحو 90 في المئة من منطقة الحدود مع اسرائيل، باستثناء منطقة جبل الشيخ، والجيب المجاور حول قرية الخضر الدرزية.
لقد اصبحت الصورة في الشمال اكثر تعقيدا حيث يتداخل فيها حزب الله في الحدود اللبنانية ايضا. ويتحدث زعماء المنظمة في السنة الاخيرة عن «حساب قديم، حساب جديد وحساب متجدد» مع اسرائيل – ويقصدون ما تفسره شعبة الاستخبارات كتغيير في السياسة، نهاية التجلد على ما يعتبرونه كخطوات عسكرية لا تأخذ اسرائيل عليها مسؤولية. في 5 ايلول، في حادثة نالت هنا انتباها قليلا فقط، قتل خبير متفجرات من حزب الله في انفجار منشأة تجسس انكشفت في جنوب لبنان. وفي لبنان اتهموا اسرائيل بتفجير من بعيد للمنشأة بعد انكشافها. بعد اسبوعن من ذلك سقطت طائرة صغيرة اسرائيلي فوق مرجعيون.
حزب الله ومنظمات في معسكر الاسد مسؤولون منذ بداية السنة عن سلسلة عمليات على حدود اللبنانية، وبالاساس في هضبة الجولان، شرحت كرد فعل من جانبهم على اعمال عدوانية اسرائيلية. هذه ايضا سابقة تستلزم تأهبا خاصا في الشمال، مع دخول موسم الاعياد. يخيل أن تصريحات كبار رجالات الجيش الاسرائيلي في الاسبوعين الاخيرين عن الحاجة الى الحفاظ على الهدوء في الحدود السورية واللبنانية وعلى خطط حزب الله، يجب أن ينظر اليها على هذه الخلفية ايضا.
ان التطورات على حدود اسرائيل هي فقط عرض جانبي اذا ما أخذنا بالاعتبار ما يحصل الان في سوريا وفي العراق، حيث بدأ الهجوم الجوي الكبير ضد قوات داعش ومنظمات القاعدة. في هذا الصراع، تضع اسرائيل نفسها الى جانب الولايات المتحدة، التي تقود التحالف الدولي الذي يضم عدة دول عربية. والمساهمة الاسرائيلية تتركز في نقل المعلومات الاستخبارية، ولكن عندما يكون في المعسكر الذي يقاتل ضد داعش، بشكل غير مباشر وبتحفظ ما، ايران وحزب الله ايضا، فانه يمكن أن نرى في ذلك دليلا آخر على الجلبة الشرق اوسطية الحالية.
لقد كانت «تشعاه» السنة التي في نهايتها انزلق عدم الاستقرار الاقليمي، اكثر من الماضي، الى حدود اسرائيل ايضا. فرغم ذكرى داعش المتكرر في خطابات المسؤولين الاسرائيليين، فان التنظيم لا يركز اهتمامه في هذه المرحلة على ما يجري هنا بل هو غارق اكثر في ذبح الشيعة والعلويين واحيانا الغربيين. ولا يزال فان الواقع الاستراتيجي الاقليمي يتشكل الان من عدد كبير من المتغيرات لدرجة أنه سيكون صعبا جدا التوقع كيف وكم سيؤثر على اسرائيل في السنة القريبة القادمة.

هآرتس

 

حرره: 
م.م