تركيا وحماس وإسرائيل

تركيا وإسرائيل

استقر رأي أردوغان بعد عملية الرصاص المصبوب على احتضان الحركة للضغط على نتنياهو

بقلم: تسفي برئيل

«اردوغان هو خلف غبلز» – كان هذا هو رد وزير الخارجية افيغدور ليبرمان على رشقة الشتائم التي صدرت عن رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان نحو اسرائيل في اثناء عملية الجرف الصامد، لكن يبدو أن ذلك كان طلقة البدء فقط من قبل اسرائيل.
إن ليبرمان، الذي طُلب اليه أن يرد في بدء العملية على تصريحات اردوغان، استقر رأيه آنذاك على ضبط نفسه. «اذا استمر اردوغان على الهجوم فسنرد»، قال مشيرا اشارة خفية الى أن اسرائيل لا تريد أن تُرى تتدخل في حملة اردوغان الانتخابية. وكانت الخشية من أن كل رد اسرائيلي سيزيد في مقدار السُم ويساعد اردوغان أكثر على أن ينتخب رئيسا. ويصعب أن نُقدر مبلغ إفادة سياسته نحو اسرائيل في احراز نصره الكاسح (52 بالمئة من الاصوات) في الانتخابات التي أجريت في 10 آب، لكن نشك في أنه كان لموقفه من اسرائيل وزن ما بازاء الانهيار المطلق لسياسة تركيا الخارجية في الشرق الاوسط.
وجاءت الطلقة الاسرائيلية التالية في يوم الاثنين حينما كشف «الشباك» عن أمر اعتقال 93 من نشطاء حماس ونسب اليهم فيما نسب التخطيط لاسقاط السلطة الفلسطينية. وأشار «الشباك» الى صالح العاروري رئيس الشبكة في الضفة والذي خطط واستعمل وأنفق على نشاطها والذي يُعرف بأنه مؤسس كتائب عز الدين القسام في الضفة والذي طُرد الى سوريا في 2010 فانتقل منها الى تركيا بعد قطع العلاقات بين حماس وسوريا.
تمتع العاروري الذي مكث سنين كثيرة في السجن الاسرائيلي وكان بين الوسطاء في صفقة شليط، تمتع بضيافة مريحة في تركيا وهو يُجري فيها اجتماعات ولقاءات مع رجال حماس. وتقول مصادر في تركيا إنه رجل الاتصال بين رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل وبين حكومة اردوغان، وهو ايضا الذي ينظم لقاءات المتبرعين للمنظمة من الدول العربية الذين يأتون الى تركيا للتبرع بمالهم.
تعرف اسرائيل منذ سنين بنشاط العاروري في تركيا، لكنها امتنعت بسبب الحساسية الدبلوماسية والرغبة في خفض التوتر بين الدولتين من أن تطلب تسليمه أو القيام بحملة دعائية معلنة على استمرار بقائه في اسطنبول. وأثارت اسرائيل ذلك الموضوع عدة مرات أمام الادارة الامريكية، لكن يبدو أن الولايات المتحدة ايضا التي وافقت هذا الاسبوع على أن تبيع تركيا 145 صاروخا لمدى متوسط، تفضل ألا تورط نفسها مع ادارة اردوغان التي لو كانت الظروف مختلفة – أو لو كانت ايران مثلا – لشُملت منذ زمن في قائمة الدول التي تساعد الارهاب.
هل يصبح كشف «الشباك» والصلة بين العاروري والادارة التركية منذ الآن سلاحا سياسيا في يد اسرائيل كي تستعمل على عضو حلف شمال الاطلسي ضغطا امريكيا؟ قال دبلوماسيون غربيون لصحيفة «هآرتس» إن الكشف المغطى اعلاميا لاعتقال خلية حماس يشهد بأنه توجد نية سياسية من ورائها. لكن في مسألة هل يُضر عرض الصلة التركية الحماسية في شأن الارهاب بالعلاقات بين دول اوروبا والولايات المتحدة وتركيا، قدّر اولئك الاشخاص أنه في وضع تشارك فيه الولايات المتحدة في الحرب في العراق، ولأنها تحتاج الى تركيا في المعركة الجارية في سوريا، يُشك في أن يصبح العاروري فجأة مركز اهتمام دولي.
لكن العاروري هو حلقة واحدة فقط في العلاقة بين تركيا وحماس التي أخذت تقوى على إثر عملية الرصاص المصبوب في نهاية 2008 لأنه اذا كانت حكومة اردوغان حتى العملية قد صرّفت امورها بحذر شديد فيما يتعلق بصلاتها بالمنظمة بل جهدت أن تنسق وتُبلغ اسرائيل عن اتصالاتها، فان عملية الرصاص المصبوب هي التي بدأت الازمة.
قبيل العملية التقى رئيس الوزراء اهود اولمرت مع اردوغان في بيته في نطاق جهود الوساطة التركية بين اسرائيل وسوريا. واستُقبل اولمرت آنذاك ضيفا مرغوبا فيه مقبولا، وأجرى الاثنان، اردوغان واولمرت، محادثة غير مباشرة مع رئيس سوريا بشار الاسد. وشعر اردوغان آنذاك كما يبدو بأن له حليفا اسرائيليا يمكن العمل معه.
وفي ذلك الوقت حُشدت في ظاهر غزة قوات اسرائيلية وأصبح واضحا أن اسرائيل توشك أن تهجم. وعلى حسب قول مصدر تركي رفيع المستوى ثقة، طلب اردوغان الى اولمرت في لقائهما أن يتيح له فرصة لمحاولة التأثير في حماس لتكف عن هجماتها على اسرائيل. وقال له اولمرت إنه مستعد للتفكير في ذلك وإنه سيبلغه عن قراره في غضون وقت قصير. وحينما عاد اولمرت الى القدس حاول اردوغان أن يتصل باولمرت لكنه لم ينجح. وعلى حسب ما يقول المصدر التركي غربل اولمرت المكالمة ولم يرد عليها. وبدأ اردوغان يقلق وأدرك في غضون وقت قصير أن اولمرت لا ينوي أن يُشركه في قراره ألبتة.
وانطلقت عملية الرصاص المصبوب فجُن جنون اردوغان. وبعد ذلك بأشهر في لقاء المنتدى الاقتصادي في دافوس في 2009 لم يستطع اردوغان ضبط نفسه. فانفجر غاضبا على الرئيس شمعون بيرس في لقاء تلفزيوني مشترك وطرح السماعة وغادر القاعة غاضبا.
يُقدرون في تركيا أنه تشكل منذ ذلك الحين القرار عند اردوغان على احتضان حماس ولو بالضغط على اسرائيل في موضع يؤلمها. لكن ليس سلوك اولمرت وحده أغضب اردوغان. فقد تم ابعاد تركيا في واقع الامر عن كل مشاركة في المسيرة السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين، وبرغم أنها شعرت بأنها تستطيع أن تكون وسيطا، أبعدتها اسرائيل ومصر مبارك الذي كانت علاقاته باردوغان تشبه العلاقة بين جبلي جليد.
إن اردوغان الذي جهد في تحقيق السياسة التي صاغها وزير خارجيته احمد داود اوغلو واعتمدت على مبدأ «صفر مشكلات مع الجيران»، اقترب جدا من بشار الاسد، وحسّن علاقات تركيا بايران. لكن هذه العلاقات لم تنفعه في المجال الفلسطيني. ولذلك استعمل استراتيجية تشبه استراتيجية ايران وأساسها: اذا لم تكن قادرا على التأثير بواسطة الدول فحاول بواسطة منظمات.
وبعد سنة من عملية الرصاص المصبوب والعرض في دافوس وقعت قضية القافلة البحرية التي يبدو أنها لم تحظ بتمويل تركي مباشر لكنها حظيت برعاية رسمية تحت مبدأ رفع الحصار عن غزة الذي تبنته تركيا حتى قبل القافلة البحرية. وجعلت النتائج البائسة للقافلة البحرية التي قتل فيها تسعة مدنيين أتراك، جعلت اردوغان فارس غزة بحيث لم يمحُ اعتذار نتنياهو بعد ذلك بثلاث سنوات واستعداد اسرائيل لدفع تعويضات، طلب تركيا السياسي رفع الحصار.
وحينما قطعت حماس صلتها بسوريا على إثر المذبحة الجماعية التي نفذها الاسد في مواطنيها، وغادرت قيادة حماس سوريا في شباط 2012، دُفعت المنظمة الى صعوبات مالية ضخمة لأن الانفصال عن سوريا إستتبع انفصالا عن ايران وخزانتها العميقة التي ساعدت المنظمة بمئات ملايين الدولارات. وفي تلك السنة كان الاخوان المسلمون يحكمون مصر، لكن المعاملة الجيدة التي منحها الاخوان لأبنائهم الايديولوجيين لم تستطع أن تحل محل التمويل المطلوب الذي لم تستطع الوفاء به خزانة مصر الفارغة.
وهبت قطر التي تستعمل هي ايضا استراتيجية التأثير بواسطة المنظمات، هبت للمساعدة بل تبرعت بمبالغ ضخمة للانفاق على بنى تحتية مدنية في غزة لتقوية حكومة حماس. وفي تشرين الاول 2012 جاء أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني لزيارة رسمية لغزة كي يعلن تبرعا كبيرا بـ 400 مليون دولار. وكان بين مستقبليه صالح العاروري الذي جاء خاصة من تركيا لحضور مراسم الاستقبال.
واكتفت تركيا في مقابل ذلك بمبالغ مالية أصغر. فتقول التقديرات إنها منحت حماس بين 2012 و2013 نحوا من 300 مليون دولار، وهذا مبلغ قليل بالنسبة لمطالب حماس الكبيرة التي تقف ميزانيتها على نحو من مليار دولار كل سنة. وفي نهاية 2013 قُلصت المساعدة التركية فجأة وسافر خالد مشعل مع المسؤول عن الاموال في حماس للقاء اردوغان لطلب زيادة المساعدة وإكمال المبلغ الذي وُعد به ولم يُحول. وبعد اللقاء حصل مشعل على إكمال المبلغ وعلى وعد بمساعدة اخرى ايضا.
إن تركيا مستعدة الآن للمشاركة في الانفاق على تعمير غزة متابعة بذلك المساعدة التي حولتها لبناء مستشفى وبناء مشاريع مدنية اخرى. ومشكلتها هي أن تعمير غزة حينما يبدأ ستشرف عليه السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس كما يبدو. وليس عباس ممن يحبهم اردوغان برغم أنه حظي بتهنئته على انتخابه رئيسا كما حظي ايضا من مشعل ومحمد مرسي رئيس مصر المعزول.
وهذه علاقة متبادلة. إن عباس أكثر لطفا من رئيس مصر عبد الفتاح السيسي في معاملته لاردوغان لكنهما لا يريان الرئيس التركي الجديد ممثلا للتيار الاسلامي المقرب من الاخوان المسلمين (برغم أن اردوغان ليس معدودا في الحركة) فقط بل يريان أن رعايته لحماس تشوش على ادارة سياسة عربية منسقة. إن مصر تقاطع تركيا في واقع الامر، وتشبه مكانة تركيا في القاهرة مكانة قطر.
لا يستطيع عباس الملازم للسيسي ولا يريد الأخذ بسياسة مختلفة تجعله في مسار صدام مع مصر والسعودية. والنتيجة هي أن تركيا بقيت في مقعد المتفرجة الآن ايضا في محادثات الهدنة. واذا نجحت الهدنة ووقع على اتفاق طويل الأمد بين اسرائيل والحكومة الفلسطينية على تعمير غزة فقد تستطيع تركيا أن تعود لتؤدي دورا في الساحة الفلسطينية بتنفيذها وتمويلها مشاريع بنية تحتية مدنية، لكنها لن تكون لاعبة مفردة بل ستكون متعلقة ايضا باستعداد مصر للتعاون معها، وبمنافسة الدول الاوروبية والدول العربية التي سترى مسار التعمير وسيلة تأثير لن تريد أن تدعها في يد اردوغان.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م