التلويح بالحرب

الحرب

بقلم: اليكس فيشمان

ما زال المجلس الوزاري في حيرة، لكن قيادة الجنوب تحشد قوات في مواجهة قطاع غزة. ونفذت في الايام الاخيرة هناك سلسلة اعمال لزيادة الاستعداد لكل تطور في هذه الجبهة القابلة للانفجار: سواء كان ذلك بأمر من الحكومة أم كان نتيجة تصعيد العمليات من قبل القطاع. وقد نشرت قيادة المنطقة قوات كبيرة بصورة مؤثرة جدا كي يرى العدو. ونقل شيء من الوحدات التي اشتغلت بالبحث عن الفتيان المخطوفين في الضفة الى منطقة غزة. ووجهت الى هناك ايضا قوات مدرعة لا يحاول الجيش حتى اخفاء سيرها في الشوارع.

إن هذه الكتلة الكبيرة يفترض أن تبث الردع. وإن توصية جهاز الامن للمجلس الوزاري المصغر الآن هي أن يُظهر القوة والاستعداد على ألا يقلب الطاولة، ومعظم الجهد العسكري استخباري وجوي. وتحاول الاستخبارات أن تلتقط في الوقت المناسب تحولات قد تقع في المستوى التكتيكي للنشاط العسكري عند الجدار، وفي المستوى السياسي. وهم يتابعون مقدار استقرار حماس وقدرتها على السيطرة على ما يجري في القطاع، ويحاولون أن يتعرفوا مسبقا على استعدادات لاطلاق قذائف صاروخية ومحاولات تسلل. إن حماس في وقت حرج جدا. وغزة قريبة اليوم أكثر مما كانت في أي وقت مضى من وضع يذكر بما يجري في الصومال، فهي منطقة دامية تغطيها الفوضى مشحونة بالعصابات المسلحة التي تسيطر على الشارع دون سلطة مركزية فعالة يمكن أن تكون عنوانا. وعلى هذه الخلفية اجتمع المجلس الوزاري المصغر ثلاث مرات ليبحث في رد مناسب على حماس.

إن الذي يبرد على نحو عام حماسة وزراء المجلس الوزاري المصغر الذين يتوقون الى هجوم على غزة هو الخوف على قدرة الجبهة الداخلية على الصمود، والمعاني الدولية التي قد تكون لهذا الهجوم. ويلي ذلك في سلم التبريد الاثمان العسكرية لعمل بري واسع. وفي النهاية فقط في اسفل السلم يُذكر الثمن الذي لا يُتصور للمكوث في قطاع غزة زمنا طويلا.

كانت هذه المراسم مستمرة منذ سنين طويلة ولا تميز الحكومة الحالية خاصة. يجب أن يحدث شيء ما مؤثر جدا كتضعضع مطلق لتوازن الردع كي تتخذ حكومة تقدر الامور قرار عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة تشبه «الرصاص المصبوب» بل حتى «عمود السحاب». إن الضربات العسكرية ترمي الى تغيير توازن القوى واعادة الردع، ومن المؤكد أنها ليست للعقاب فقط.

من المعقول جدا أن نفرض أن هذا هو ما حدث في هذه المرة ايضا حينما استقر رأي وزراء المجلس الوزاري المصغر على تأخير بت أمر توجيه العمل على حماس في القطاع وأن يُترك توقيت الهجوم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون؛ هذا الى أنه منذ اللحظة التي وجدت فيها جثث الفتية المخطوفين ضعف «انجاز» حماس وتحولت قضية الاختطاف في الحقيقة الى فشل وعبء على المنظمة. فلا عجب من أنهم يتهربون من تحمل مسؤولية عن هذه العملية كتهربهم من النار. وتحول الخطف من وجهة نظر حماس من حادثة ذات قدرة استراتيجية على احداث تفاوض للافراج عن سجناء وابراز قضية السجناء في برنامج العمل العالمي، تحول الى حادثة قتل اسرائيليين أسرى لا يوجد أي مكسب منها. بالعكس. انها وزن آخر في كفة اخفاقات سلطة حماس.

وعلى العموم يُعرفون في جهاز الامن الفترة الحالية بأنها من أدنى نقط حكم حماس في غزة، فقد جُمدت حكومة المصالحة الوطنية وأخذت الصحف الفلسطينية تنتقد حماس ويهدد قادة الاجهزة الامنية في الضفة بتصفية الحساب معها. ولم يعد الحديث عن عزلة سياسية فقط. إن حماس في غزة منظمة مفلسة فلا مال للوقود ولا مال للرواتب، وتقترب نسبة البطالة في القطاع من 50 بالمئة. وإن كل هجوم سيحسن فقط مكانة حماس ويعيد اليها مكانة الضحية في العالم العربي

ويوجب على الاوروبيين والامريكيين أن يمدوا اليها يد المساعدة، فلماذا تُساعَد اذا؟.

ما كان يجب أن يتلقى القسم الامني السياسي في وزارة الدفاع رسائل من السلطات المصرية كي يدرك أن المس الشديد بغزة ولا سيما في رمضان قد يفضي الى صعاب في تثبيت حكم السيسي في الشارع المصري لأن قتل مسلمين في رمضان يدعم الاخوان المسلمين في مصر وحماس غزة من اذرعهم المتقدمة.

اصبحت الخطوة جاهزة لكن ليست هذه هي القصة كلها، ففي هذا الاسبوع وضعت أمام المجلس الوزاري المصغر معطيات اخرى ساعدت الوزراء الذين يقودون النهج المعتدل – وفي مقدمتهم وزير الدفاع يعلون – على اقناع الباقين جميعا بأن يدعوا الفريسة وشأنها في هذا الوقت. هذا الى أنهم حصلوا على نصيبهم السياسي. فقد عرضت على الملأ توصياتهم القتالية وتوبيخاتهم المعلنة لرئيس هيئة الاركان والجيش. والآن وقد انتهت التمثيلية وأطفئت الاضواء يمكن أن تترك القرارات للقادة والمختصين. إن تلك المعطيات الجديدة التي عرفها المجلس الوزاري المصغر غير مفرحة حقا، هذا اذا لم نشأ المبالغة. إن قيادة حماس تتحدث بصوتين الاول موجه الى سمع اسرائيل والعالم والثاني الى الداخل ويشجع تجديد النشاط العسكري عالماً أن هذا النشاط سيجر اسرائيل الى القطاع. والصوتان المختلفان تعبير آخر عن ضعف قيادة المنظمة، فقادة حماس ممزقون بين حاجتهم الى الحفاظ على الشرعية في الشارع الفلسطيني وركوب امواج مقاومة اسرائيل وبين عدم رغبتهم في التوصل الى مواجهة عسكرية. يستطيع متحدث حماس في غزة أن يعلن أن المنظمة لا صلة لها بعملية الخطف وأنها غير معنية في بدء مواجهة عسكرية مع اسرائيل، لكن سلوك حماس على الارض على طول حدود القطاع يقول شيئا مختلفا تماما؛ هذا الى أن ذراع حماس العسكرية لها أجندة خاصة ليس من الضروري أن تتفق عليها مع القيادة السياسية. فلا عجب اذا من أن قيادة منطقة الجنوب اصبحت منذ بضعة ايام على تأهب واستعداد للتطورات التي قد تكون لها معان استراتيجية ايضا. إن خطة الجيش الاسرائيلي جاهزة.

ويعرض الجيش – وبخاصة قائد منطقة الجنوب، سامي ترجمان ورجال الاستخبارات حوله – يعرضون صورة قاسية عن صورة حكم سلطة حماس في القطاع، فقد مكنت حماس الفصائل المختلفة في الاسابيع الثلاثة الاخيرة من تنفيذ اطلاق صواريخ على اسرائيل لتنفيس الغضب، ومن جهة اخرى يخشى قادة حماس اللحظة التي تنقض فيها اسرائيل على الجهاد والفصائل الاخرى. في هذه الحال ستستخف هذه المنظمات بها، فاذا حاولت حماس أن توقف اطلاق الصواريخ فستوجه السلاح اليها. إن حكومة حماس مهما يبدُ الأمر تناقضيا تشبه مرساة بالنسبة لاسرائيل. إن اسرائيل وحماس لا صلة بينهما بصورة رسمية. لكن في التدبير اليومي تجد صرخات انكسار قادة حماس طريقها الى مسامع «الشباك» والجيش. ويُقدرون في الجيش الاسرائيلي أن ضغطا لا رقابة عليه على القطاع، سواء كان اقتصاديا أم عسكريا، قد يفضي بحماس الى فقدان السيطرة فيكف الشارع ببساطة عن اطاعة السلطة المركزية.

هذه فرصة من يؤيد دعوات وزراء المجلس الوزاري المصغر الى اسقاط حكومة حماس، بل إنه لا يحتاج الى توجيه ضربة كبيرة، لكن من حسن الحظ ما زال يوجد في هذه الحكومة مجموعة من الوزراء يدركون بالضبط ما الذي ستحصل عليه اسرائيل في غزة بدل حماس، ولن نذكر معاني تجديد احتلال القطاع. في خلال اعمال البحث عن المخطوفين هاجم الجيش الاسرائيلي نحوا من 100 هدف في القطاع، الجزء الاكبر منها لحماس وتشمل مصانع ومستودعات صواريخ بعيدة المدى وبنى تحتية ومواقع عسكرية وغرف قيادة. ومما هوجم ايضا خنادق اطلاق قذائف صاروخية بعيدة المدى. وأصاب سلاح الجو قذائف صاروخية بعيدة المدى وصواريخ غراد يبلغ مداها 40 كم. ونفذ سلاح الجو في حين كانت العيون تتجه الى منطقة الخليل، في قطاع غزة هجمات في اوسع نطاق منذ كانت عملية «عمود السحاب»، واستوعبت حماس الضرب ولم ترد الى أن كان يوم السبت الاخير وهذه علامة اخرى على ضعفها.

عاد الجيش الاسرائيلي الى تنفيذ تصفيات مركزة، فقد صفي اربعة نشطاء ارهاب على الاقل في القطاع. ولاحظت وسيلة طيران لسلاح الجو في منطقة خانيونس خلية كانت تدبر لاطلاق صواريخ فأصابتها. واشتكت حماس للمصريين أن أحد القتلى في الهجوم، وهو زياد محمد عبيد، نشيط في كتائب عز الدين القسام، لم تكن له صلة. وفي ذلك المساء ولاول مرة منذ اشهر كثيرة، أطلقت حماس نفسها قذائف صاروخية على اسرائيل. وجاء الاطلاق الذي وجه الى مناطق مفتوحة ليُبين أنهم لن يوافقوا على تصفية مركزة لرجالهم، وفهموا الرسالة فورا في اسرائيل.

يرمي قرار عدم الخروج الى الآن في هجوم واسع على غزة في الاساس الى تجميد الوضع. فالتوتر حول القطاع عال جدا، وتنتظر الاطراف جميعا التطورات. وعند اسرائيل شعور عميق بأن حماس والجهاد يوشكان أن يخطئا خطأ قاتلا وأن ينفذا عملية كبيرة أو عملا عسكريا غير حذر يحرق اوراق اللعب جميعا. وبرغم ذلك بقي معبر كيرم شالوم مفتوحا للبضائع في وقت اصبح فيه معبر رفح الى مصر مغلقا تماما.

قاتلون في زمن مستعار

يصعب أن نقول هذا بعد ثلاثة اسابيع قاسية من التجند الوطني والبحث، لكن منذ اللحظة التي وجدت فيها جثث الفتية الثلاثة عادت الحادثة المأساوية الى حجم عملية قتل بغيضة بدم بارد كما حدث اكثر من مرة في الماضي. ويزعم أمنيون أنه لولا تقصير الشرطة في المركز 100 في منطقة شاي لانتهى أمر الاختطاف في وقت اسرع واعتقل الخاطفون. ولا توجد الى الآن شهادة على أن الخاطفين خططا للعملية وفيها مسار الهرب، بدقة. بالعكس اختارا مسارا مرتجلا كشف عنه سريعا نسبيا، وقد نفذوا كل تحركاتهم في مناطق عاشوا وعملوا فيها كل يوم. وأخفيا الجثث قرب بيت كحيل وسافرا من هناك الى الخليل فاجتازاها ووصلا الى بلدة دورا وأحرقا السيارة واختبآ في مكان سري. ولا توجد أية معلومة عن أن الاثنين نجحا في الخروج من منطقة الخليل. والصورة المصورة هي صورة قاتلين مرتجلين ولهذا من المحتمل كثيرا أن يكونا ما زالا في داخل الضفة.

لو وصل شريط المكالمة الهاتفية مع المركز 100 فورا الى الوحدات التي تشتغل في التعرف على الاصوات لكان من المحتمل جدا أن نفترض أن يتعرفوا على القاتلين فورا، وقد مكثا في الماضي في السجن الاسرائيلي. ويُقال في فضل «الشباك» إنه في ليل يوم الجمعة بعد 12 ساعة أو أكثر قليلا من بدء البحث عن المخطوفين، نجح في التعرف على هوية الخلية، ومكّن التعرف المؤكد من حصر اعمال البحث في مناطق محددة. ويبدو أنه بسبب الضغط الذي استعمل على الخاطفين في ذلك الوقت لم ينجحا في الاتصال بجهة خارجية تعرض مطالب للتفاوض في اعادة الفتية. وقد صارت حياتهما الآن تساوي قشرة ثوم، وسيتوصلون اليهما والمسألة مسألة وقت فقط.

ونقول بحساب مرحلي إن «الشباك» وقيادة الوسط أتيحت لهما فرصة توقيف 400 من رجال حماس ذوي درجات مختلفة بدأ ذلك من الشيخ حسن يوسف قائد حماس في الضفة مرورا باعضاء مجلس الشعب ونشطاء الدعوة، وانتهاءً الى من أُفرج عنهم بصفقة شليط وعشرات النشطاء الميدانيين. وبموازاة ذلك أغلقت عشرات المؤسسات المدنية لحماس وصودرت اموال للمنظمة. ونجحت اسرائيل في استغلال الاختطاف لجعل حماس قزما وللمس بحكومة الوحدة، بل إنها نجحت في انشاء وحدة هدف مع السلطة الفلسطينية في هذه القضية. إن عملا عسكريا لا رقابة عليه في قطاع غزة أو في الضفة أو عملية شارة ثمن – اذا كانت هي ما حدث أول أمس في شمال القدس – وصفة مضمونة لخسارة كل المكاسب التي نجحت اسرائيل في الحصول عليها.

ينظر الجيش بنصف عين في تطورات التحقيق في قتل الفتى الفلسطيني من شعفاط. ففي هذا القتل قدرة كامنة على اشعال احتجاج شعبي عنيف في الضفة الغربية. ويُقدر عسكريون أنه بعد ثلاثة اسابيع قاسية من نشاط الجيش الاسرائيلي في الضفة أصبح الشارع الفلسطيني مستعدا لانفجارات عنيفة، وهكذا لا تستطيع قيادة الوسط أن تبيح لنفسها اضعاف الاستعداد. وتنتظر هناك ايضا خطط درج لاستيعاب قوات نظامية – وقوات احتياط بعد ذلك ايضا – لمحاولة احتواء المواجهة. وقد تمت في الفترة الاخيرة في القيادة العاب حرب وتمرينات استعدادا لامكان نقل قوات كبيرة الى المنطقة في أقل من يوم واحد.

على أثر الاختطاف استعملت اسرائيل تدبيرات عقاب لم يُر مثلها في يهودا والسامرة منذ عشر سنين تقريبا. وقبل المجلس الوزاري المصغر هذا الاسبوع توصية «الشباك» بأن يُهدم من الآن فصاعدا بيوت المخربين. وتلقى العاملون في الادارة المدنية أمرا بهدم مبان تُعرف بأنها غير قانونية مع تأكيد المباني التي هي لنشطاء حماس أو لها صلة ما بالمنظمة. وامتنعت اسرائيل الى الآن عن علاج مبان غير قانونية لحماس في المنطقة ب التي تخضع للسلطة المدنية للسلطة الفلسطينية. لكن هذا لن يكون بعد الآن حتى إن حكومة المصالحة الفلسطينية لم تعد ورقة تين. وبين مسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية لنظرائهم الاسرائيليين أنهم ينوون أن يضربوا رجال حماس بقوة كبيرة دون مساعدة اسرائيل. وعادت حماس لتصبح جسما مضطهدا في الضفة.

إن التوصية بطرد قادة حماس الى غزة أو الى اماكن اخرى في الشرق الاوسط ما زالت بمثابة توصية مفتوحة وهي من اكثر وسائل العقاب ردعا، لكن المجلس الوزاري المصغر لا يستطيع أن يوافق على ذلك ما لم يحصل على موافقة المستشارين القانونيين.

وفي خضم هذه الدوامة كلها يستمر البحث عن القاتلين الذي ما زال يستدعي قوات بعدد لا يستهان به من قيادة الوسط ومن الوحدات الخاصة أيضا.

يديعوت