نتنياهو بين المطرقة والسندان

نتنياهو

سيضطر نتنياهو الى أن يناور بين مطالب اليمين والنقد الدولي

بقلم: عاموس هرئيل

ما زالت اسرائيل تصوغ خطوات ردها بعد الكشف عن جثث الفتيان الثلاثة المخطوفين. وجلس المجلس الوزاري المصغر يبحث في ذلك في ليلة أمس ولم ينجح في أن يبت الامر وسيجتمع في هذا المساء مرة اخرى لتباحث آخر. وتدل الانباء المسربة من الجلسة الاولى على أن اللقاء كان مشحونا، فقد طلب الوزير نفتالي بينيت عقابا شديدا للفلسطينيين؛ وطلب وزير الدفاع يعلون ورئيس هيئة الاركان غانتس صد ذلك. وسُمع رئيس الوزراء نتنياهو ميالا الى الأخذ بموقف جهاز الامن لكنه كان قلقا من الآثار السياسية لضبط النفس.
إن المعضلة الاسرائيلية في أساسها هي بين عملية عسكرية عنيفة في قطاع غزة قد تنشب صداما مع حماس، وبين اجراءات أضيق في الضفة الغربية. ويلاحظ أن نتنياهو غير مهتم بجولة حرب في غزة لكن يجب عليه في مقابل ذلك أن يعمل على نحو يُهديء النفوس الهائجة من نشطاء الليكود والمستوطنين (وقد أصبح التطابق بين هاتين المجموعتين في السنين الاخيرة أكبر مما كان في الماضي). وقد وعد نتنياهو في تصريح نشره بعد كشف الجثث فورا قائلا: «سنحاسب حماس، وستدفع حماس الثمن»، لأن هذا هو ما تطلبه الغريزة الاسرائيلية الآن.
واقتبس رئيس الوزراء ايضا في تصريحه من شعر الشاعر بيالك الذي قال: «إن الانتقام لدم ولد صغير لم يخلقه الشيطان بعد». ووجد هنا فقدان تناسب ما كما هي الحال في كثير من التصريحات الاخرى التي سُمعت في اليوم الذي تلا ايجاد الجثث. لا اعتراض على أن المقتولين كانوا فتيان أبرياء، لكن يُخيل إلينا أن نتنياهو كآخرين ينسى أن ليس الحديث عن ضحايا عملية تنكيل في اوكرانيا قبل مئة سنة بل عن مواطني دولة قوية كثيرا مسلحة حتى بقدرة ذرية بحسب ما تقوله أنباء غير رسمية.
في أحاديث مع نشطاء غاضبين من الليكود اليوم وعد وزراء بأن الدولة «ستُعد عددا من ساحات وقوف السيارات الجديدة» في الخليل. وهذه اشارة خفية الى نية تجديد سياسة هدم البيوت التي حظيت أمس بموافقة المحكمة العليا التي رفضت استئنافا يعترض على هدم بيت المتهم بقتل ضابط الشرطة باروخ مزراحي. ومن المحتمل أن تُهدم ايضا بيوت قاتلي الفتيان الثلاثة ومساعدي الخلية. وبُحثت في الوقت نفسه خطوات اخرى موجهة على الجهاز المدني – الاقتصادي لحماس وطرد نشطاء كبار من الضفة.
وتظهر مقدمة مشكلة في المادة الاخيرة أثارها المستشار القانوني للحكومة يهودا فينشتاين، فالقانون الدولي يبيح نقل مدنيين من مكان الى مكان في داخل ارض محتلة لا خارجها – وقد أعلنت اسرائيل أنها تخلت عن مسؤوليتها عن قطاع غزة بالانفصال (كان طرد السجناء الذين أُفرج عنهم بصفقة شليط من الضفة الى غزة ممكنا في حينه لأنهم وقعوا على كتاب موافقة).
وترمي كل هذه الخطوات الى عرض سقف عقاب رسمي من اسرائيل على الفلسطينيين وأن تحبط بذلك عمليات شارة ثمن مستقلة من اليمين المتطرف الذي تخشى الشرطة و»الشباك» أن يحاول الانتقام قريبا لقتل الفتيان بعمليات. وهذا مع تفهم العوامل القسرية السياسية عند نتنياهو هو السبب الذي جعل أفراد الجناح الذين هم أكثر حمائمية في الائتلاف الحكومي يكونون مستعدين للتفكير فيه.
والقضية الجوهرية الثانية المطروحة للنقاش هي البناء في المستوطنات. فالمستوطنون يأملون موافقة غير عادية على بناء عشرات آلاف الوحدات السكنية الجديدة. وينضم يعلون الذي يعرض في المسائل العسكرية خطا معتدلا، ينضم هنا الى جناح الصقور وعرض أول أمس الانشاء المجدد لمستوطنة في البؤرة الاستيطانية المهجورة جفعوت غربي غوش عصيون.
قال ساسة إن نتنياهو التقى أمس عددا من قادة المستوطنين منهم زئيف (زمبيش) حفير، المدير العام لـ أمانه. وزمبيش غير معني بغزة بل يريد وحدات سكنية. وهنا ايضا يقوم الجناح الاكثر اعتدالا في المجلس الوزاري المصغر – الوزيران لفني ولبيد واهارونوفيتش أحيانا على نحو مفاجيء ايضا – بمعركة صد. سيكون بناء لكن الحمائم يفضلون أن يتم في داخل غوش عصيون لا في مستوطنات مفرقة. وسيحاولون ايضا أن يضائلوا عدد الوحدات التي تتم الموافقة عليها. يتوقع بالطبع أن يثير البناء في المستوطنات نقدا دوليا لاسرائيل، لكنه سيفضي مع كل ذلك الى غضب أقل من الغضب لعملية عسكرية كبيرة في غزة.
نشر اللواء (احتياط) غيورا آيلاند الذي كان رئيس مجلس الامن القومي في الماضي، نشر اليوم مقالة في صحيفة «يديعوت احرونوت» أوصى الحكومة فيها بأن تفكر مع كل ذلك بهجوم واسع على القطاع. فـ آيلاند يلاحظ فرصة ويلاحظ ضعف حماس بسبب القطيعة مع مصر. والى جانب ذلك يلاحظ الحاجة الى عملية والمس بقدرة حماس على صنع قذائف صاروخية لمدى متوسط تستطيع أن تصيب غوش دان. وقد اعتاد آيلاند بعد أن تولى مناصب رفيعة في عهد حكومتي شارون أن يصف بشيء من السخرية المباحثات العاجلة التي تمت على أثر عمليات انتحارية قاتلة. وفي الاكثر كان يوجد فرق بين تصريحات البدء القتالية وبين القرارات التي اتخذت في النهاية، وقد يتكرر هذا الامر عند نتنياهو ايضا.
إن اسرائيل ردها منضبط الى الآن. وتمدح الجيش الاسرائيلي هذا الصباح بهجوم ليلي على 34 هدفا في القطاع. وهوجمت في واقع الامر في الاساس مكاتب ومستودعات في داخل موقع عسكري لحماس وأصيب اربعة سكان اصابات طفيفة. وتشهد الساعة المتأخرة وعدد المصابين القليل على أن المخططين أرادوا أن يتحققوا من أن يكون آخر موظفي حماس قد خرج الى بيته ليشاهد لعبة كرة القدم للجزائر قبل الموافقة على القصف.
يتحدث عدد من الخبراء في النقاشات التلفزيونية الطويلة عن الحاجة الى عمليات اغتيال لكبار قادة حماس في غزة. وليس احتمال أن تتاح هذه الفرصة في الايام القريبة كبيرا لأن أكثر القادة الكبار من المنظمة بادروا الى الاختفاء بعد ايجاد الجثث فورا ومن المؤكد أنهم سيحرصون على حذر زائد في الايام القريبة.

حفظ الروح العامة والطمس التلفزيوني

في مساء هذا اليوم بعد العثور على الجثث بيوم واحد سمحت المحكمة بنشر الشريط المسجل للمكالمة الهاتفية بين الفتى المخطوف ومركز طواريء الشرطة. والشريط المسجل يحدد عظم التقصير بخلاف اللغة التي كانت تستعملها الشرطة في الايام الاولى التي تلت الاختطاف – وبخلاف كلام الطمس والتضليل للوزير يئير لبيد مع مجري المقابلات الصحفية من القناة الثانية في 20 حزيران. ففي النسخة التي نشرت يُسمع بوضوح الهمس بقول «خطفوني» وبعدها صرخات «الرأس الى أسفل» وما يُسمع على أنه ضجيج طلقات.
حتى لو كان الصوت يُسمع في المكالمة الاصلية بشكل أكثر غموضا بسبب قوة الضجيج في السيارة، فان حقيقة أن من يعملون في مركز الطواريء اتصلوا ثماني مرات بالهاتف المحمول للفتى تشهد كألف شاهد على أن الارتياب ثار عندهم وبأنه كان يجب عليهم أن يستصرخوا كل الاذرع الامنية وأن يبدأوا مطاردة.
ويبدو أن هذا ما كان لينقذ الفتيان (الذين أطلقت النار عليهم في اثناء المكالمة)، لكن ذلك كان سيسلب الخاطفين مهلة بضع ساعات فازوا بها قبل أن تبدأ المطاردة وربما كانت المطاردة تبلغ نهايتها في وقت أسرع ويُحل مع ذلك لغز مصير المخطوفين بدل الدراما الفظيعة في الاسبوعين ونصف الاسبوع الاخير.
أنتج نشر التفاصيل كما كان متوقعا نظريات مؤامرة كثيرة احدى الشائعات منها سياسية من قبل اليسار وهي أن القيادتين السياسية والعسكرية عرفتا فورا أن الفتيان أموات بسبب تحليل الشريط المسجل وآثار الرصاص في السيارة المحروقة التي استخدمت للخطف. وبدل قول ذلك للجمهور اختبأتا وراء مقولة: «فرض عملنا أن المخطوفين أحياء». وأخفيت المعلومة لخدمة اجراء عسكري واسع على الفلسطينيين ولاحباط المصالحة بين السلطة وحماس بذلك أو لصرف التباحث عن الحاجة الملحة الى تغيير ترتيب الأولويات الاقتصادي (وتتعلق النهاية بوجهة نظر المتأمل).
لا تثبت هذه النظريات لامتحان الواقع لأن الذي منع اعلان موت الفتيان في بداية القضية عدم وجود معلومة قاطعة. فقد كان المحققون يملكون الشريط المسجل وآثار رصاص وتحليل قضايا اختطاف سابقة شهد بأن خلايا حماس في الضفة تفضل ألا تورط نفسها في الابقاء على المخطوفين أحياء وتترك وراءها في الاكثر «أثرا» استخباريا لقوات الامن. ولم تبق في السيارة المحروقة آثار دم تشهد على مصير المخطوفين ولهذا بقي شيء من الأمل على الأقل أن يكون أحد الفتيان بخلاف المنطق قد بقي حيا بعد اطلاق النار واحتجز حيا.
وكانت هناك حاجة مع ذلك الى حفظ الروح العامة، أعني توجه الجيش الاسرائيلي الذي يرى عدم ترك جرحى أو مفقودين في الميدان (حتى لو كانوا مدنيين) وواجب حث القادة والجنود على الاستمرار على اعمال البحث بكامل القوة برغم الحرارة الشديدة. قبل اسبوع وعلى نحو متأخر بدأت محاولة للجم توقعات الجمهور وكان الذي بادر اليها رئيس هيئة الاركان بني غانتس الذي تحدث عن خوف متزايد على حياة المخطوفين بعد زيارة لقوات التمشيط.
ومع ذلك وكما كتب هنا اكثر من مرة طول القضية، كان يجب قول ذلك في وقت أبكر وعلى نحو أكثر قطعا. فقد دخلت في الفراغ الذي خلفته القيادة وسائل الاعلام التي شجع بعضها عن عمد مهرجانا شعوريا على شاكلة قضية شليط. ومن حاول أن يعرض نهجا مختلفا قد يكون أكثر براغماتية اضطر الى أن يتكلم بالاشارات الخفية والرموز بسبب قيود الرقابة وأوامر حظر النشر. ومن هنا نبعت الدعوى المكررة في صحيفة «هآرتس» أنه يحسن عدم انشاء أمل باطل في نهاية هوليوودية للقضية.
والآن ايضا ما زال بعض أوامر الحظر ساري المفعول وهذا توجه غريب في أحسن الاحوال. لأن المخربين يدركان أن هويتهما معلومة ومنشورة ويعلمان بالضبط ما الذي يُنسب اليهما. والاثنان مسلحان موجودان في مكان سري لكن «الشباك» والجيش الاسرائيلي سيكشف عنهما في وقت ما. وحينما يوجدان فان أكثر الاحتمالات أن ينتهي الامر بمعركة وجها الى وجه لا باجراء اعتقال مشتبه به ومحاكمة.

هآرتس 

 

حرره: 
م.م