من يجمع العاشقين؟
بقلم: أحمد دحبور
قضيت في احد ايام الاسبوع الفائت، وقتا سعيدا امام التلفزيون، وانا اشهد الحوار الشيق مع محمد هباش حول فرقة العاشقين الفلسطينية، ومحمد ذو موهبة لم تبخل عليه الحياة بالخبرة الموسيقية والصوت الدافئ القوي، ولم تبخل عليه اخلاقه بالوفاء والامانة الموضوعية.
لقد اشار الى الدور المركزي الذي قام به الراحل الكبير عبد الله الحوراني في تأسيس هذه الفرقة، مع ان ذاكرة هذه الايام، ولا سيما الشق السياسي منها، ضعيفة وانتقائية. كما اشار هذا الشاهد الامين الى دور الموسيقي الفلسطيني الفذ حسين نازك في تشكيل هذه الفرقة ورعايتها، واتى على اسماء بعض المؤسسين من امثال الشاعر الكبير الراحل صلاح الحسيني المعروف بأبي الصادق، اضافة الى دور لي اعتز به في هذه التجربة.
ولاستكمال الصورة التي لم يقصّر محمد هباش في تقديمها، اذكر ان هذه الفرقة الفنية التي حازت على اهتمام الفلسطينيين في وقت قياسي، كانت قد تشكلت بما يشبه المصادفة السعيدة. ففي العام 1977، قررت دائرة الثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، وكان رئيسها الاخ ياسر عبد ربه، اما مديرها العام فهو عبد الله الحوراني، ان تقدم مسرحية بعنوان «المؤسسة الوطنية للجنون» من تأليف الشاعر الكبير سميح القاسم، واخراج العبقري العربي السوري المرحوم فواز الساجر. وقد اراد فواز ان يثري المسرحية ببعض الاغاني التي طلب مني تجهيزها، فكتبت نصوصا تلائم الحدث الدرامي مسبوقة بنص مفتوح متحرر من المناسبة وكان هذا النص هو اغنية والله لازرعلك بالدار يا عود اللوز الاخضر - وقد وضع ابو علي، حسين نازك لهذه الاغنية لحناً ساحرا جعل المستمعين يظنون انه من الفلكلور الشعبي لعراقته ومدى تأثيره، والواقع ان اللحن الفلكلوري الاصلي كان شيئا آخر وهكذا نجحت الاغنية بما يتجاوز مناسبة المسرحية لتصبح عملا شعبيا يحفظه الكثيرون..
لتصبح عملا شعبيا يحفظه الكثيرون..
يومها انتبه ابو منيف، عبد الله الحوراني الى اهمية ان يكون لدينا مشروع موسيقي خاص بفلسطين. فطلب من حسين ومني انجاز هذه المهمة، وعلى الفور، ومن غير تفكير طويل، تساءل ابو علي نازك، عما اذا كان ممكنا ان نسمي الفرقة المقترحة «اغاني العاشقين».
وهكذا، في اسابيع محدودة، ظهرت الى الحياة مجموعة اغان فلسطينية بتوقيع اغاني العاشقين، وقد جمعها ابو علي من كلمات اللوز الاخضر ومختارات من اشعار محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد، وسرعان ما اصبحت تلك الاغاني نواة موسيقية لاول مسلسل تلفزيوني فلسطيني، وهو «بأم عيني» حتى ان المسلسل اصبح اسما لذلك الشريط الجميل..
ولم يكن مشروع حسين نازك بيضة ديك، اذ سرعان ما احتضن قصيدة درامية طويلة من شعر الراحل الكبير توفيق زياد، هي سرحان والماسورة، وابدع ابو علي في هذا العمل حيث جمع الغناء الفردي «الصولو» الى الحوار المسرحي، الى استخدام جملة موسيقية شعبية تتعلق بتشييع الشهيد، ولم يلبث هذا العمل ان اصبح شبه نشيد ملازم لمعظم الاعمال الفلسطينية.
واهتدى ابو علي حسين الى ابي علي آخر، هو ذو الحنجرة الجبلية الفريدة حسين منذر الذي لم يكن مغنيا كبيرا وحسب، بل كان ولا يزال طبعا، يتمتع بطواعية درامية تسبغ الفن والجمال على كل ما ينشده، وحتى تكتمل الحلقة الذهبية، دخل على الخط اخونا ابو ايمن، محمد مسعد ذياب، عازف الفلوت الذي استطاع بمهارته الادارية ان يصنع اسطورة العاشقين، لا سيما بعد ان انضم اليها الفنان الراقص المصمم ميزر مارديني، وهو ما أغرى بتغيير اسم الفرقة الى فرقة العاشقين، لان ما تقدمه ليس مقصورا على الاغاني، ولم يلبث ان رزقت الفرقة بموهبة فريدة هي موهبة شاعرنا الكبير ابي الصادق، صلاح الحسيني الذي قد لا يعرف الكثيرون ان معظم الاغاني التي يترنمون بها هي من شعره الشعبي الجميل، العميق ولا سيما اغاني مسلسل عز الدين القسام، وما تبع ذلك من اعمال متنوعة.
كانت الضربة الكبرى للفرقة عام 1983 يوم قدمت في عدن برنامجها الشهير بالكلام المباح، وهو مواكبة للصمود الفلسطيني اللبناني في بيروت، وكان لي شرف كتابة هذا البرنامج.. من يومها وفرقة العاشقين تتقدم، وتنجز بقدرة كبيرة حتى على ان تتجاوز نفسها..
كان هؤلاء الشباب وفي طليعتهم محمد ابو زيد هباش، تعطي بلا حساب، وبلا مقابل تقريبا، بل كان تجمع آل الهباش، محمد وشقيقاه الكبيران خليل وخالد، ثم انضمت اليهم شقيقتاهم آمنة وفاطمة، مشروعا متكاملا شجع الكثيرين على الانضمام الى هذا المشروع.
وتستمر الحكاية حتى تتحول الى سؤال مشروع: بعد هذا التوزع والتشتت والترحال الفلسطيني.. اما آن لهذه الفرقة ان تستعاد؟ فمن يجمع شمل العاشقين؟