حكاية «المتحف الفلسطيني»

بقلم: بديعة زيدان

 
بمجرد أن تجتاز عتبة متحف روكفلر في القدس الذي كان يعرف باسم «المتحف الفلسطيني» في عهد الانتداب البريطاني، وبات تحت سيطرة الاحتلال وإدارته، تصطدم بتمثال ملكة يونانية اكتشف في غزّة، وفق ما كتب عليه، ثم تصعق في جولة داخل غرفه المتعددة!
لا يقتصر الأمر على تمثال من غزة، فهناك قطع أثرية نادرة ومن عصور متعددة، بعضها من بيت لحم، وأخرى من نابلس ومحيطها، بل إن أجزاء من بوابات المسجد الأقصى الخشبية، وعتبات كنيسة القيامة الرخامية، خصّصت لكل منها غرفة في المتحف. وكلما انبهرت بقطعة أثرية فيه أدركت حجم السرقة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، ليس فقط للأرض بل للآثار والتاريخ أيضاً، وينسبها إليه كجزء من تاريخ إسرائيلي يعود إلى العصور الحجرية الأولى وما قبلها، علماً أن قاعات خصصت لآثار العصور الحجري والبرونزي والحديدي، وأخرى للعصرين اليوناني والروماني. واللافت هو وجود حجرة مخصصة للآثار الفرعونية، وأخرى للإسلامية.
متحف «روكفلر» التابع لـ «سلطة الآثار الإسرائيلية» هذه الأيام، كان يعرف باسم المتحف الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني وبعده في العهد الأردني. أُسس عام 1935، ليكون متحف الآثار الأول في إسرائيل، وفقاً لرجل الأعمال الأميركي الصهيوني جيف د. روكفلر. وقد صمّمه المهندس المعماري البريطاني أوستيل سانت هاريسون، مازجاً بين أساليب البناء الغربية والشرقية.
استقبل المتحف الزائرين للمرة الأولى عام 1938، ويحتوي وفق رواية سلطة الآثار التابعة لسلطة الاحتلال على القطع الأصلية ذاتها منذ افتتاحه، ويروي تاريخ «إسرائيل» أي تاريخ فلسطين المسلوب، منذ وجود الإنسان الأول حتى عام 1700 قبل الميلاد، من خلال القطع الأثرية القديمة المعروضة فيه.
ووفق كتيّب المتحف، فإن الموقع الذي أنشئ عليه كان ملكاً لعائلة الخليلي، وهي عائلة فلسطينية مقدسية شهيرة أصولها من مدينة الخليل في جنوب الضفة الغربية، وتقطن القدس منذ القرن السابع عشر. ومن بين الشخصيات المعروفة في العائلة الشيخ محمد الخليلي الذي شغل منصب مفتي القدس في ذلك الوقت، وسمي على اسمه الموقع «كرم الشيخ». وبنى الخليلي عام 1771 بيتاً من طابقين في قطعة الأرض التي يتربع عليها متحف «روكفلر» منذ ثلاثينات القرن الماضي، عرف باسم «قصر الخليلي»، واستخدم الطابق السفلي معصرةً للزيتون، والطابق العلوي للإقامة في فصل الصيف.
يعد المبنى من أوائل مباني العائلات المقدسية خارج أسوار مدينة القدس. ويؤكد كتيّب المتحف أن شجرة الصنوبر التي كانت تنتصب خلف مبنى المتحف حتى عام 1988، والتي أحضرها الشيخ الخليلي في عمامته كشتلة صغيرة من الخليل حتى «ماتت الشجرة وقطعت»، استظلت بظلها شخصيات مهمة من بينها أبناء الأسرة المالكة في بريطانيا، وعسكر تحتها عام 1862 ولي العهد البريطاني آنذاك الأمير إدوارد السابع، قبل أن يصبح ملكاً لبريطانيا في وقت لاحق.
في نهاية القرن التاسع عشر، بنيت في منطقة كرم الشيخ مدرسة الرشيدية، الموجودة حتى اليوم، فيما بدأ مطلع القرن العشرين بناء حارة باب الساهرة. ووفق الكتيّب أيضاً، فإنه في العام 1906 أراد الصندوق القومي اليهودي اقتناء منطقة كرم الشيخ لإقامة معهد «بتسالئيل» للفنون، تحقيقاً لحلم مؤسس هذا المعهد بوريس شاتس الذي أراد إقامة متحف وجامعة عبرية على هذه التلة أيضاً. ويمكن من فوقها «رؤية المكان المقدس»، أي الحرم الشريف، لكن عملية الاقتناء لم تتم... وبعد مرور 13 سنة أي عام 1919، اختارت حكومة الانتداب البريطانية الموقع نفسه لبناء متحف للآثار، لكن عملية البناء لم تتم لعدم توافر المال الكافي لشراء الأرض، حتى استطاع البريطانيون اقتناء الموقع عام 1930، وبدأوا ببناء متحف «روكفلر».
تعترف سلطة الآثار الإسرائيلية بأن الاسم الرسمي للمتحف الذي أطلقته سلطات الانتداب البريطانية هو «المتحف الفلسطيني»، وكان ذلك خلال احتفال رسمي في 19 آذار (مارس) 1930، إلا أن عملية البناء تعطلت لثلاث سنوات بسبب العثور على مقابر قديمة في الموقع، وانتهت عملية البناء عام 1935. وفتح المتحف أبوابه للزوار عام 1938.
وخضع لإدارة بريطانية حتى ستينات القرن الماضي، حين عُيّنت إدارة أردنية له. إلا أن احتلال القدس عام 1967 نقل السيادة على الآثار في المتحف الفلسطيني إلى إدارة متحف إسرائيل ثم سلطة الآثار الإسرائيلية، بحيث لا تزال آثار الأراضي الفلسطينية المحتلة في قبضة الاحتلال.