نعيش فلسطين بالصور...منذ 65 عامًا
بقلم: غفران مصطفى
تغرق فلسطين في ذاكرتنا أكثر من الحزن العائمة فيه... فلسطين الإنسان قبل أن تمتلئ الأرض. صارت صورها السبيل الأحلى للوصول والعيش فيها ولو من بعيد. نقرأ فيها الوجوه قبل الأخبار، الأسماء قبل الأرقام، والبيوت العامرة قبل مخيمات اللجوء. وصلــتنا فلسطين بأصغر التفاصيل المختبـــئة... بالصور. امتلأت الدنيا بصورها وصـــور أهلها منذ العام 1948. صور عن ذلك الذي همّ الآن ليرحل وفي عينيه أمل أقوى، وآخرون كبروا وورثوا المفاتيح، وأمهـــات صـــرن جدات، وآباء يعلّمون أولادهـــم حفـــــظ شكل هذه الأرض وتفاصيلها. صور كثيرة رافقت رحلة النضال الطويــل منذ 65 عاماً.
تتداخل المعركة التي يخوضوها الفلسطينيون ضد العدو الإسرائيلي مع معركة السيطرة فيها للصورة، بشتى أشكالها. من الصورة التلفزيونية المباشرة والصور الفوتوغرافية والرسوم الكاريكاتورية، وصولاً إلى رسوم الجدار. تُحمل هذه الصور على الأكتاف لكثرة ما فيها من قصص. لم تنقل الصور كل التفاصيل، بل طبعت ملامح الناس المنسدلة بعد التهجير. غير أن الصور التي واكبت النكبة منذ اللحظة الأولى تغيرت وتبدلت، كبر الابن الذي كان يتكئ على جسد والده وتبـــدّل المشــهد، وكثرت صور الاعتقالات ومعارك الشوارع والحجارة.
كانت تظهر الصور في البداية بعفويتها، أناس يحملون حقائبهم وأولادهم ويمشون مجموعات على الطريق، وصور لعائلات على أبواب المخيمات حاملين مفاتيحـــهم منتظرين صفارة العودة. لكن ومع تقدم عمر النكبة، خاض الفلسطيـــنيون حيواتهم في البلدان التي لجؤوا إليها، وصارت الصور القديمة حيزاً توثيقــياً هاماً يحمـــل العــالم إلى الأرض الـــتي كانت حرّة قـــبل 15 أيار 1948. صارت ألوان العلم الفلســـطيني مقرونة بفســـحة السماء الواسعة وبإشارة النصر إشهاراً للهوية. في كل مشاهد التجمـــعات والتظاهرات والتضامن، وترتفع الكوفية على الأعناق كالوسام الفلسطيني العتيق من بلدهم الأم.
اليوم، ونحن على بعد 65 عاماً من تلك اللحظة التي غيّرت تاريخ المنطقة، نجد طريقنا إلى فلسطين بالصور، في الصحف والتلفزيونات ومواقع التواصل الاجتماعي. صفحات عديدة تنشر لكنيسة المهد وللأقصى وبحر يافا وحيفا وعكّا وجنين وكل حي وزاروب وبيت. وكانت هذه القصيدة من بين الأكــــثر شيـــوعاً على موقــع "يوتيــوب" في الأيــام الماضــية، ألقتها طفلة فلسطينية منذ سنـــوات: "فلسطيني أنا اسمي فلسطيني/ نقشت اسمي على كل الميادين/ بخط بارز يسمو على كل العـــناوين/ حروف اسمي تلاحقني تعايشـني تغذينـــي/ تبث النار في روحي وتنبـــض في شراييني/ جبال النهر تعرفني مغاورهــا وتدرينـــي/ بذلــت الطــاقة الكـــبرى وقلت لأمتــي كوني/ صلاح الديـــن في أعماق أعـــماقي يناديـــني/ وكــل عروبــتي للــثأر للتحــرير تدعـــوني".
تتزاحم صور النكبة المستمرّة في ذاكرتنا، رسوم ناجي العلي يتوسطها حنظلة التي لا تفـــارق جدران فايســـبوك، وأعمال بانكسي المثبـــّتة على جدار الفصل العنصري، أو ذلك الرسم الكاريكاتوري الشهير لكارلوس لطوف ويحمل عنوان "كان يا ما كان في رفح". ويجـــمع الرسم فتى فلسطينياً بفتى يهــــودي، يقول فيه الأخير "أخبرني والدي أنكـــم إرهابيـــون"، فرد عليه الفتى الفلســـطيني "والدي لم يخبرني شيئاً لأنكم قتلتــموه". لا ننتظر صوراً أخرى لنكـبة الفلسطينيين، بل نظل نقرّب المشهد أكثر حتى تطؤها أقدامنا. ولفلسطين نقول: "سلام على لون الحزن في عينيكِ".