السحر الشخصي فعل فعله

 

بقلم: سيما كدمون

جاء هناك فجأة قبل الوقت المحدد بـ 25 دقيقة دون سابق إنذار ودون مصاحبة أو كلمات افتتاحية. فقد علا المنصة كأنه جاء من لا مكان بخطوة رشيقة لرجل يشعر بارتياح شديد لجسمه ويعلم بالضبط ما الذي يفعله هناك.

وخرج الجمع عن طوره.

كان يُخيل إلينا أنه ما كان أي نجم روك ليُستقبل بحماسة كتلك التي حظي بها الرئيس الامريكي. لم تكن هناك آلات جيتار كهربائية ولم تكن كهرباء في الجو. كان شخصا واحدا على المنصة الكبيرة وكانت المنصة مليئة. وكان شعور بأن شيئا ما عظيما يحدث وبأن آلاف الناس الشباب الذين جلسوا هناك في مباني الأمة في القدس يشعرون بحدث فريد من نوعه وبأنهم شركاء في زيارة تاريخية وبأنهم يشعرون صدقا وعدلا بأن للرجل القائم على المنصة قدرة، وارادة في الأساس على منحهم عالما أفضل.

يصعب ان نُفسر ما حدث هناك وما الذي ربط هؤلاء الاشخاص الشباب الذين جاءوا من كل البلاد بالضيف من امريكا. والمؤكد أنه لم يكن الخطبة فلو أنهم وضعوا نفس الكلمات على لسان شخص آخر لما حدث الشيء نفسه.

صحيح ان الخطبة كانت دقيقة ومبنية بصورة جيدة وحادة في رسائلها. وكانت محتضنة لكنها لم تكن متملقة وكانت معاتبة لكنها لم تكن موبخة. ومليئة بالشعور لكنها غير دبقة. ماذا نقول؟ إنه يعرف الكلام لكنه لم تكن في الخطبة امور لم نعرفها، فهو لم يفاجئنا لا بالافكار التي أسفرت عنها ولا بالمواقف التي عرضها رئيس أعظم قوة في العالم.

لم تكن الخطبة بل الشخص. فحينما نراه على المنصة يمكن ان نفهم لماذا كانت اميركا عاشقة قبل اربع سنوات ولماذا قامت بالاختيار نفسه مرة اخرى قبل اربعة اشهر. فاوباما هو أولا انسان يثير الثقة به وأنت لا تشعر بأنه يتكبر عليك لكنه لا يستخذي كي ينال الاعجاب ايضا، وحينما يطرح جُملا بالعبرية أو يذكر اسم برنامج في التلفاز الاسرائيلي لم يشاهده قط لا يبدو ذلك متكلفا أو مصنوعا.

فيه صفات ممثل سينما، واستاذ في جامعة ورجل دين هندي في نفس الوقت. وحينما يقول إن اسرائيل لا تتجه الى أي مكان وما بقيت الولايات المتحدة موجودة فـ "أنتم لستم وحدكم" – فان الشعور هو بأن امريكا كلها تقف حقا من ورائنا.

عرف اوباما لماذا يفضل الظهور أمام اشخاص شباب لا فوق منصة الكنيست. فقد قطع التصفيق العاصف كلامه 82 مرة. ويُخيل إلي انه لم يحصل على استقبال كهذا حتى ولا في مؤتمر الحزب الديمقراطي. وفي عدد من الحالات نهض الاشخاص من مقاعدهم. وحينما كان شخص ما يقطع على الرئيس خطبته بصيحات احتجاج كانت صيحات التحقير تفعم القاعة.

يمكن بيقين أن نقول إن اسرائيل في يوم الرئيس الثاني في البلاد عاشقة. لو كان هدف اوباما ان يتحدث الى الشعب في اسرائيل فانه قد تحدث بيقين. واذا كان الهدف ان يُلين القلوب قبل ان يضع على الطاولة مبادرة جديدة فقد ليّنها تليينا شديدا. وكان الشعور أنه لو وُضعت صناديق اقتراع في مباني الأمة لانتُخب اوباما رئيسا لوزراء اسرائيل. وأن رؤيا الدولتين للشعبين لم تكن قط قريبة بهذا القدر وممكنة بهذا القدر.

لم يكن الكلام الذي قاله اوباما سهلا على الأذن الاسرائيلية. فقد أقام الرئيس مرآة أمام الواقع الذي نحيا فيه منذ 46 سنة تقريبا وأراد شيئا واحدا هو ان نضع أنفسنا للحظة في اماكن الفلسطينيين وأن ننظر الى العالم بعيونهم. وسأل اوباما سؤالا واحدا فقط وهو أهذه الحياة التي نريدها. وألح على هذا الجيل الذي جلس ممثلوه في القاعة أن يأخذوا مستقبلهم بأيديهم، وقال: عليكم مهمة ان تكتبوا الفصل القادم في قصة دولة اسرائيل.

لكن الامر لم يكن أمر الخطبة بل الشخص والجمهور كذلك، فهو لم يكن جمهورا مشجعا فقط بل كان جمهورا ذكيا فاهما رد بسرعة على كل الامور الدقيقة وعرف كيف يُقدر الإحكام واللطف والرسالة المركبة التي نقلها الرئيس. وحينما ودعهم ملوحا بيديه كان شعور بأن الناس يخرجون من هناك مشحونين بشعور بالرسالة.

وبقي سؤال واحد فقط في ختام ذلك اللقاء وهو أين كان كل هؤلاء الاشخاص وقت الانتخابات؟.