"تـلـيـيـن" إسـرائـيـل تـمـهـيـدًا لـمـا هـو قــادم

بقلم: سيما كدمون
في اللحظة التي فُتح فيها باب "إير فورس 1" لم يكن من الممكن ان نخطئ: فقد كان الحديث يدور عن درجة مختلفة من الأسلوب والأناقة والبهرجة. وكان يكفي أن نراه يخلع حُلته ويرفعها بخفة وتلقائية على كتفه، يتابعه ونتنياهو بحركة متثاقلة ذكّرتنا كيف خلع ذات مرة درعه الواقية في مؤتمر داخلي لـ "الليكود"، كي نقول إن رئيس الولايات المتحدة الاميركية وسيم آسر.
يبدو أنه يُحتاج بين الفينة والاخرى الى زيارة رئاسية كهذه كي تُذكرنا كم نحن بعيدون عن الحضارة. بدأ ذلك بسلسلة الوزراء الذين انتظروا بتأثر ببدلاتهم الاحتفالية على الاسفلت، كل منهم يحاول ان يترك انطباعا في الضيف، إما بعدم تهذيب بطلب الافراج عن جونثان بولارد، وإما باندفاع شعوري غير مخطط له في الطريق الى منظومة القبة الحديدية، وإما بذِكر تاريخ الميلاد المشترك مع اوباما.

ومع كل ذلك، فان هذه الصورة للرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الاسرائيلي وهما يخطوان جنبا الى جنب مع البدلتين على الكتفين، وطالبين في جامعة ستانفورد، التي أوحت بالود وإن لم يكن موجودا حقاً، ستبقى منقوشة في الذاكرة حتى عند المراقب البعيد عن الحضارة بقدر لا يقل عن صورة باراك وهو يدفع عرفات الى داخل الغرفة في البيت الابيض. في هذا شيء من عدم الرسمية وفكاهة ما أو وخزة لاذعة خفيفة وبضع كلمات بالعبرية، ونمتلئ حباً كبيراً للرجل الذي أصبح يبدو للحظة أنه يُحبنا. إننا مثل أولاد صغار يحتاجون للحب نُقدم فورا الخد الثاني للمسة ملاطفة اخرى وقبلة اخرى.

لم تحظ زوجة رئيس الوزراء طول سني ولايتها للعمل باطراء كالذي حظيت به في الدقائق الاولى من مؤتمر أوباما الصحافي. ويمكن ان نُخمن ما الذي فعله ذِكر رئيس الولايات المتحدة ليئير وآفنر بالزوجين نتنياهو. أو ما الذي فعله ذِكر يوني نتنياهو بأخيه رئيس الوزراء. كم كان في هذه الخطبة من الاحكام واللطف والتهذيب. لكن مع كل التأثر من المهم ألا نتبلبل. فانه يصعب ان نؤمن بأن رئيسا أميركيا يُضيع قدرا كبيرا من الوقت والطاقة والسحر الشخصي خاصة كي يحبه الإسرائيليون. يدور الحديث عن أقل الرؤساء محبوبية وهو شخص لم ينجح في عقد صلة شعورية بأي واحد من الساسة الذين هم أهم عنده حتى منا مثل بلير أو برلسكوني أو ميركل. فهو انسان عقلاني مُقدر للامور يفكر بها، بل إن لطفه محسوب، وما كان ليُجهد نفسه من اجل ما يُسمى "من أجل تناول قطعة اللحم فقط".

لهذا من المهم أن نفهم اسباب هذه الزيارة الودية. إن اوباما هنا من اجل سبب واحد، من اجل ان يحشد احتياطيا من العلاقة الايجابية ومن الثقة استعدادا للإجراءات التالية. فاذا كان ينوي ان يحث نتنياهو على اجراء سلمي فلن يحدث هذا من غير ثقة. وقد تعلم اوباما هذا من الولاية السابقة. وقد أدرك انه لن ينجح لا هو ولا أي رئيس أميركي آخر في الضغط على اسرائيل إلا اذا وجدت علاقات ثقة وصداقة وتفاهم كالتي كانت بين رابين وكلينتون أو بين بوش وشارون واولمرت.
لم يكتشف اوباما نتنياهو من جديد. فالغضب من اجتهاد رئيس وزراء اسرائيل من اجل خصمه الجمهوري لم يُمح، وما زال اوباما يعتقد نفس ما اعتقده في نتنياهو قبل شهرين. ولن توجد هنا صداقة حقيقية أبداً، وربما لا يُحتاج الى ان توجد، فالمصالح في السياسة الأميركية هي اسم اللعبة ومصلحة اوباما هي تليين اسرائيل من اجل ما يأتي سواء أكان ذلك مبادرة سياسية اقليمية أو الاستراتيجية الأميركية في مواجهة ايران.

وهذا ما حاول اوباما ان يفعله، أول من أمس، في المؤتمر الصحافي. فقد وعد بالاستمرار في المساعدة الامنية لاسرائيل وبزيادة الضغط على ايران في حين ان كل الخيارات على الطاولة ومحاولة بناء ثقة بين اسرائيل والفلسطينيين.

هلّم، اذاً، ندعه يُليننا ولنُسلم أنفسنا لهذه المشاهد اللذيذة، وللنغمات الآخذة في اللين، ولننضم الى رحلة شخصية بهذه العظمة. مع مشهد هوليوودي وقوة حضور نجم روك يتجول في شوارع القدس مع قافلة كالتي نراها في الأفلام فقط.
تعالوا نُصدق لبضع ساعات أنهم يحبوننا.