القطاع الصحي.. كارثة تحتاج إلى عقلاء!!

بقلم : عبد الناصر النجار

إضراب الأطباء متواصل، ووضع المستشفيات والعيادات والمراكز الصحية أصبح يُرثى له. وفي قطاع صحي شبه متهلهل، تعرّض لضربات موجعة ومتلاحقة يبدو الأمر كارثياً، بكل ما تحمله الكلمة من معنى: عيادات الطوارئ لا تستقبل سوى الموتى، أو مَن هم على حافة الموت!! والإشكاليات بين بعض الأطباء والأهالي شبه دائمة!.
مَن يتحمّل المسؤولية؟ الأطباء ونقابتهم أم وزارة الصحة وعلى رأسها الوزير، أم الحكومة، أم الشعب؟!! نعم، الشّعـب يتحمّل جزءاً من المسؤولية؛ لأن مثل هذه الأزمة، التي تضرب أهم قطاع يُعنى بصحة المواطن، دون أن تكون هناك ردّات فعل جماهيرية، أو رأي عام مؤثّر على كافة الأطراف المعنية بالأزمة، يدلل على أن الشعب مقصِّر، وغير قادر على التفاعل مع مشاكله!.
بالنسبة إلى الأطباء؛ نعم، لهم حقوق يجب أن يحصلوا عليها.. فلا يُعقَل أن يكون راتب الطبيب أربعة أو خمسة آلاف شيكل.. هذا أمر غير مقبول، ولا يلبّي الحد الأدنى من المطالب.. وهذا تسبّب، أيضاً، بهجرة الكفاءات إلى الخارج، خاصة أن الرواتب قد تصل إلى عشرة أضعاف ما يتقاضونه بالحد الأدنى؛ ما تسبّب، في كثير من الأحيان، بمشاكل طبية، وربما أخطاء طبية وملحقاتها.. وما تتناقله الألسن عن الوضع الصحي، يؤكّد مدى الكارثية التي نعاني منها!! والأخطاء الطبية أكبر بكثير من الحدّ المقبول حتى في دول العالم الثالث..!
ولكن؛ على الأطباء أن يعوا، أيضاً، دورهم الإنساني قبل المهني، فلا يمكن ترك المرضى، والذين هم بحاجة إلى عمليات، رهائن مشكلة بينهم وبين الحكومة.. لا بد من حلول خلاّقة..!! ولا يمكن أن يكون ردّ طبيبٍ لأهالي طفل حملوه على عجل إلى الطوارئ: 'آسف، نحن مضربون'!.
الأمر الآخر؛ لا يُعقَل أن يقوم عدد من الأطباء بتحويل المرضى من العيادات والمراكز الحكومية إلى عياداتهم الخاصة، وهذا أمر، أيضاً، يُعَد خارجاً عن أخلاقيات المهنة!.
بالنسبة إلى وزارة الصحة، فإن إدارة الأزمة لم تكن موفّقةً، وجاءت على طريق: 'فليشربوا من ماء البحر'!! وليس بهذه الطريقة، تُحَل المشكلة.. مجموعة من الإضرابات في القطاع الصحي خلال السنوات الثلاث الماضية أدّت إلى ضربات متتالية، وكان الحلّ يتم، في النهاية، على قاعدة تحسين الرواتب والإضافات المتعلّقة بالمخاطرة وطبيعة المهنة والسهر، وإلى غير ذلك.. ربما إن مثل هذا الحل موجود منذ البداية.. فلماذا ندخل في معركة 'كسر العظم'.. المعركة التي يخسر فيها الطرفان، إضافة إلى طرف ثالث، ألا وهو المواطن المريض.. ولعلّ وزارة الصحة تعاني، اليوم، من هذه السياسة..!!
وبالنسبة إلى الحكومة، فلا بد من تدخّل عاجل لرئيس الوزراء، ومناقشة الأمر بجدية، على الرغم من الأزمة المالية التي تعاني منها السلطة.. وبالتالي، لا يمكن لأيٍّ كان أن يعمل دون توفير الحدّ الأدنى من متطلبات العيش الكريم للموظف.
رئيس الحكومة، اليوم، مطالب بالتدخّل بشكل مباشر، والعمل على تحقيق الحد الأدنى من مطالب الأطباء، ولعلّ فكرة التوجّه إلى المحكمة العليا لم تكن صائبةً، فنحن، اليوم، خسرنا هيبة القضاء، وخسرنا القطاع الصحي..!!
ماذا لو أصرّ مئات الأطباء على رفض قرار المحكمة العليا، العودة إلى العمل؟! سؤال موجّه، اليوم، إلى كثير من الأطراف التي ليست لديها إجابة.. وحتى مقولة وقف الإضراب، ثم الدخول في مفاوضات جادّة.. هذا أمر خطير، لأنه يعني أن المفاوضات السابقة لم تكن جادّة؟!
على نقابة الأطباء أن تتحلّى بمرونة، فكل القطاعات الحكومية تعاني من مشاكل متعددة، أهمها الرواتب وغلاء المعيشة.. بمعنى، أنّ الطبيب ليس وحده مَن يعاني، وإنما شريحة الموظفين العموميين برمّتها.. وهذا ليس مقتصراً على الأراضي الفلسطينية، بل في كثير من دول العالم، بما فيها دول رأسمالية!!
تنازل من الأطباء مقابل تنازل من الحكومة، مقابل وزارة صحة ووزير قادر على التعامل بمرونة مع ممثلي القطاعات الصحية.. وليس على قاعدة العداء وكسر العظم.. فربّما، حينها، يتم حلّ هذه المشكلة بأقل الخسائر، وإلاّ...!.