سفارات عائلية!

بقلم: 

إن التعاطي العفوي الميّال لتصديق كل منقصة تلقى في حِجر السلطة، يؤشر إلى مزاج شعبي فقد الثقة بها، أو يكاد، وباتت متهمة، ولو لم تفعل شيئًا، فالشيكات بدون رصيد التي لم تتوقف عن كتابتها، أفرغت رصيدها من قلوب الناس وعقولهم.

قد يبدو المواطنون اليوم جمعًا من الثرثارين المساكين، لكن الشعرة الفاصلة بين ليل السلبية وفجر الانفجار رقيقة وهشة، والقدرة على الاحتفاظ بوضعها الحالي ليست ممكنة، ومستصغرو الشرر ستحرق النيران إستبرق مجالسهم وسندس ملابسهم.

منذ الأمس، ومواقع التواصل الاجتماعي تضجّ بموضوع السفيرة والقنصل، وقد كشف البعض وثائق، وقدم آخرون معلومات، ووزارة الخارجية العظيمة لم تنبس ببنت شفة، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية على رأسه طير أيضًا.

ولعل مرد هذا أحد أمرين: إما أنهم لا يقيمون وزنًا لأحد من "الرعاع"، ولسان حالهم "أنام ملء عيوني عن شواردها"، أو أنهم لا يملكون حجة، ولسان حالهم أيضًا "ويسهر الخلق جراها ويختصم"!

إن مستوى الخطاب الرسمي الفلسطيني، لا سيما الداخلي، يشهد تصحرًا عظيمًا، والتصريحات المكرورة للسياسيين باتت مثار سخرية وتندر، وأزعم أن الصحافيين الشاطرين والقراء الجيدين قادرون على التنبؤ بما يمكن أن يقوله مثلاً نبيل أبو ردينة أو صائب عريقات، في سياق قضية ما، ويشبه الأمر طالبًا نجيبًا في الصف الثامن وقد طلبت منه موضوع تعبير عن فصل الربيع!

بل إن مهاراتهم البلاغية تقلصت حد الاضمحلال، وباتوا عاديين، غير قادرين على الإبهار ولا الإمتاع.

يتذكر المرء اليوم الصمود الذي أبداه الفلسطينيون خلال الانتفاضات التي خاضوها والعدوانات التي تعرضوا لها، كان أسطوريًّا وحقيقيًّا ونافعًا؛ لأن الخصم كان الآخر، الاحتلال بكل قذارته، وبكل ما يمثله من إحلال وإلغاء وإبادة.

الكارثة أن تتحول عبارة "تناقضنا الأساسي مع الاحتلال" إلى شعار فارغ، إذا لمس الناس أن العدو ليس فقط من يسرق أرضهم، بل من يهشم آمالهم ويحطم أحلامهم.

لقد باتت هذه العبارة وغيرها من نمط البلاغة غير المفيدة، وهي مبتذلة لكثرة تكرارها، وفوق هذا فإنها أيضًا لم تعد صالحة للإعلام!

ثمة فتور ولامبالاة، وربما عبثية، فيما يختص بالشأن الوطني العام، تظهر على سِحن الفلسطينيين اليوم، ومردها أن "دود الخل منه وفيه"، لذلك، فقد بات المرء بحاجة إلى تقسيم جهوده بين الاحتلال من جهة، والفساد والمحسوبية من جهة أخرى.

ملف السفارات "العائلي" يفتح ويغلق بين فترة وأخرى، والسلطة أذن من طين والأخرى من عجين!

نريد توضيحات يا قوم، اضحكوا علينا بأي شيء، فقط قولوا لنا كلامًا ناعمًا! 

المصدر: 
24fm