الحالة الفلسطينية بين خياري إدارة الفشل و التغيير

بقلم: 

بدون أدنى شك بأن  " الإنتفاضة  " وتواصلها للشهر الثالث على التوالي الحدث الأبرز عام 2015 , عام التحدي , تجسدة الإرادة الفلسطينية بقبضات شابات وشبان فلسطين نضال أعاد الأمل و الروح لكل الفلسطينيين ووحدهم , بعدما الصراع على السلطة أنهكهم و فرقهم , ولكن عودة الروح هذه  كشفت عمق ومدى حالة التردي في بنية النظام السياسي الفلسطيني وبنية الفصائل الفلسطينية . مقدار التحولات والمتغيرات الداخلية السلبية التي حدثت في بنية السلطة الوطنية يؤشر إلى ذلك ,  فالصراع على المناصب جعل السلطة طاردة للكفاءات وشل أسس العمل الجماعي  .  كان مقدرا لهذه السلطة أن تكون نواة و جسرا لعبورنا إلى الدولة الفلسطينية , إن ضعف الأداء وفشل كل برامج التنمية , خيب آمال الفلسطينيين ,  من أن نبني سلطة تشكل نموذجا للنجاح يليق بالشعب الفلسطيني و تضحياته و خبراته  , و للأسف فشل الفلسطينيون في إمتحانهم الأول ,  بالتأكيد إسرائيل من تتحمل تقويض تجربة السلطة الفلسطينية بدرجة أساسية و لكن ما لا يقل خطورة عن إفشال إسرائيل لتجربة السلطة كان أدائنا المخيب للآمال , الفساد و ضعف الأداء و إهدار المال العام و التركيز أكثر مما ينبغي على الدور الوظيفي الأمني لهذه السلطة على حساب بناء  مؤسسات وطنية سليمة وقوية تساهم في حماية الفلسطينيين و تقويتهم , التدمير الذاتي للمشروع الوطني و للقضية الفلسطينية وصل إلى ذروته ,  أواسط عام 2007 عام المصيبه الفلسطينية  , سيطرة حماس بالقوة المسلحة على قطاع غزة , طردت منظمة التحرير و استولت عل مقرها وعلى كل الوزارة و المؤسسات الفلسطينية , في مشهد تراجيدي سال به الدم الفلسطيني في شوارع و أزقة قطاع غزة , سلطة فاسده و ضعيفة هيئتها إسرائيل  لحركة حماس كي تصنع دولة غزة وتفتح الطريق لسيناريوهات إلحاقها بمشاريع مختلفة , إسلاموية أو تركية .

حالة الإنقسام وضعف بنية الفصائل ومؤسسات السلطة الفلسطينية , وغموض في المواقف السياسية أدتا إلى ضغف القدرة على التحشيد الجماهيري , وتحول الإنتفاضة و إقتصار مظهرها العام على عمليات طعن هنا و هناك بدون أن يرافق ذلك نشاط واسع جماهيري في مواجهة الإحتلال ومستوطنيه , يجعل من الصعب ضمان تسجيل نقاط أو إنجازات ملموسة , عدم وضوح موقف السلطة و القيادة الفلسطينية  وحالة الإرتباك الحاصلة في المواقف الرسمية  من الإنتفاضة  وضعف أداء الفصائل يربك المشهد ويضعف إتساع المشاركة الجماهيرية , يضاف إلى ذلك عدم إدراكنا بأننا فعلا إنتقلنا إلى مرحلة جديدة و بشكل متسارع , وهي مرحلة ما بعد أوسلو , إسرائيل طيلة السنوات العشرين الماضية قوضت العملية التفاوضية  " التي كانت قائمة  بدون مرجعيات واضحة "  على الأرض وخلقت مجتمعات إستطيانية ضخمة تضاعف الإستيطان عدة مرات و عدد المستوطنين نقص قليلا عن سبعمائة ألف مستوطن أي تضاعف سبع مرات عن فترة ماقبل أوسلو , ويمتلكون أكثر من 340 ألف قطعة سلاح و هناك مؤسسات و مراكز دينية تلموذية مدعومة بشكل كامل من كل المستويات السياسية في إسرائيل  تحرض ليس فقط على عدم قبول الإنسان الفلسطيني , بل على قتله و تشريده من أرضه , شاهدنا في الفترات الماضية حجم الإجرام الذي مارسه المستوطنين في الضفة الغربية و مدينة القدس , وبالتالي أصبحنا أمام صناعة سلطة داخل السلطة الفلسطينية مدعومة من كل المؤسسات الإسرائيلية نقيضة لها وتنفذ أو تستكمل نتائج نكبة ال 48 , إذا نحن إزاء مرحلة جديدة من نضالنا التحرري , ننتقل إلى مرحلة صعبة و أشد قساوة , التطرف الإسرائيلي بلغ ذروته , مجتمع ينزاح بشكل كبير نحو اليمين و اليمين المتطرف , ولا يرى أمامه سوى تعاليمه التلمودية و حلم الحركة الصهيونية , و أمام هذا المشهد الذي باتت معالمه أشد وضوحا , بات لزاما علينا أن ننفصل تماما عن المراهنة على المفاوضات , أو المراهنة على الثقل الدولي في المعادلة الفلسطينية , الذي خبرنا حدوده و قدراته ,  " ثقافة الحياة مفاوضات  " و اللهاث خلف ضمانات دولية هشة , أضعنا الكثير من وقتنا وإستنزفنا شعبنا مرارا وتكرارا ,    الفلسطينيون امام خيارين الأول أن نستمع إلى النصيحة التي تقول , المحافظة على الوضع الراهن الآن , في ظل إنشغال العرب بحروبهم المذهبية , وعدم قدرة الشرعية الدولية و أمريكا و أوروبا من الضغط على إسرائيل و إجبارها على التسليم بحل يرضى به الفلسطينيين ,  المحافظة على الواقع الراهن بإنتظار متغير دولي أو إقليمي  , أي المحافظة على السلطة ودورها الوظيفي , حتى يتمكن العالم من إستمراره بتقديم الدعم , أي إدارة الواقع و الصراع بدون حلول واضحة , لا مفاوضات أو مبادرات , طبعا في ظل إستمرار الإستيطان , ونشاط وعربدة المستوطنين الذي باتوا يشكلون سلطة ثانية في أراضي السلطة الفلسطينية , ويرافق هذا الخيار عدم القيام بمبادرات فلسطينية جوهرية , لا ترضى عنها الإدارة الأمريكية و دول الإتحاد الأوروبي , وتمس بلعبة إدارة الصراع و محاولات التهدئة المستمرة .

الخيار الثاني :  القيام بمراجعة شاملة  للسنوات العشرين الماضية , وأعتقد أن هناك فعلا بعض المراجعات الجدية التي طرحت في الكثير من المؤتمرات و أخص بالذكر مؤتمرات مؤسسة " مسارات " , وإحداث قطيعة مع المنهج الذي كنا نتعامل به سواء بالمفاوضات أو في إدارة السلطة الفلسطينية , تغيير جذري في وظيفة السلطة , وبنيتها , إعادت الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية , أو إيجاد شكل جديد يربط  المنظمة بالوضع الحالي  بإنتقالنا  إلى دولة تحت الإحتلال  إنتقال آمن , يضمن المحافظة على مكتسباتنا السياسية , تجديد في الخطاب السياسي , وإبراز هويتنا الوطنية , وحقوقنا السياسية و مواجهة محاولات شدنا إلى صراع ديني , يغير  الجوهر السياسي للقضية الفلسطينية ,  " مرحلة تحرر وطني " , وهي محاولات لإصباغ الصراع المذهبي و الطائفي  الذي تعاني منه المنطقة العربية على قضيتنا وفق رؤية  برنارد لويس أحد مساعدي برجنسكي مستشار الأمن الأمريكي في عهد الرئيس كارتر , التي تعيد رسم المنطقة العربية على أساس هوياتي عرقي و ديني و مذهبي , إن مستوى تدخل دول الإقليم في القضية الفلسطينية يدفع حركة حماس تحديدا إلى الدخول في هذا المتغير الذي يراهن عليه "  لويس " , وهو سلخ قطاع غزة عن الهوبة الوطنية و القضية النضالية للشعب الفلسطيني , ويحول الصراع على أساس ديني بدلا من سياسي متعلق بحق شعب في تقرير مصيره و بناء دولته المستقلة  .

حماس بنت سلطة أو دولة على مقاسها في قطاع غزة لها مجلس تشريعي و أجهزة أمن وجهاز ضرائبي شديد التنظيم , طيلة الثمان سنوات الفائتة وشعبنا وقواه الوطنية و جميع مؤسساته المجتمع المدني و النقابي , يتوسل ويلهث وراء حركة حماس لتوحيد النظام السياسي الفلسطيني , و توحيد الفلسطينيين كجماعة سياسية واحدة تتطلع للتحرر من الإستعمار الكولونيالي الذي إستعمر أرض فلسطين التاريخية  , بدون جدوى أصرت حماس على المضي في بناء دويلة غزة وربطها بمشروع مهزوم ووهم بناء خلافة بقيادة  حركة الإخوان المسلمين في العالم العربي و الإسلامي   . و أمام هذه الحالة  إسرائيل تكون مرتاحة وجاهزة لإستكمال مشروعها الإستعماري في المنطقة  ,  نتياهو في تعليقه على إتفاق تركيا - إسرائيل  الأخير حول  سفينة مرمرة , " قال أن قطاع غزة سيبقى كما هو عليه , محاصر و تحت سيطرة حركة حماس " , هكذا يريد نتنياهو غزة و الضفة الغربية ممزقة بالإستطان و القدس مخطط لها العزل عن محيطها الفلسطيني و تهويدها , أمام هذه الغطرسة لا خيار أمامنا إلا الإنفصال عن مرحلة أوسلو وتهيئة منظمة التحرير و السلطة لتحديات المرحلة الجديدة وفي مقدمة ذلك تعزيز الإنتفاضة و إتساعها لتشمل كافة أراضي الضفة الغربية و قطاع غزة , وتوسيع المشاركة الجماهيرية , مع ضرورة المحافظة على طابعها العنفي غير المسلح , تسليح الإنتفاضة كما يدعو البعض يحولها إلى عمل نخبوي بدون زخم جماهيري و يعطي إسرائيل مبررا لإستباحة الضفة الغربية و مدينة القدس و إرتكاب جرائم واسعة , السلاح في هذه المرحلة ملعب نتياهو , من الممكن و في مراحل قادمة يصبح السلاح ضرورة , عندما نكون جاهزين لذلك , و المعطيات على الارض تخدمنا .