الإمارات مسيرة من البناء والتطور

بقلم: 

أعلن الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله قيام وتأسيس اتحاد دولة الإمارات المكون من سبعة إمارات, في الثاني من ديسمبر 1971, ومنذ اللحظات الأولى لإعلان الاستقلال وقيام دولة الإمارات, أولى الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله مع إخوانه الشيوخ في الاتحاد أهمية كبرى لبناء الدولة ومؤسساتها وتطويرها, فتم إعلان الدستور المؤقت, والذي قسم السلطات الاتحادية إلى خمسة سلطات مكونة من المجلس الأعلى للاتحاد, ورئيس الاتحاد ونائبه, ومجلس وزراء الاتحاد, والمجلس الوطني الاتحادي, والقضاء الاتحادي, فقد حدد دستور دولة الإمارات المؤقت ومن ثم الدائم لسنة 1996, وتعديلاته لسنة 2004 و2009 صلاحيات واختصاصات كل سلطة اتحادية, كما حدد شكل الدولة وطبيعة نظام الحُكم, وذلك بوجود حكومة مركزية اتحادية وحكومة محلية لكل إمارة من الإمارات السبعة, وحدد عاصمة الاتحاد في إمارة أبو ظبي وحدد علم وشعار ونشيد الاتحاد, وتم صياغة أهداف الاتحاد في المادة (10) من الدستور بـ "الحفاظ على استقلاله وسيادته وعلى أمنه واستقراره، ودفع كل عدوان على كيانه أو كيان الإمارات الأعضاء فيه، وحماية حقوق وحريات شعب الاتحاد وتحقيق التعاون الوثيق فيما بين إماراته لصالحها المشترك من أجل هذه الأغراض، ومن أجل ازدهارها وتقدمها في كافة المجالات وتوفير الحياة الأفضل لجميع المواطنين مع احترام كل إمارة عضو لاستقلال وسيادة الإمارات الأخرى في شؤونها الداخلية في نطاق هذا الدستور", كما حدد الاختصاصات التشريعية والتنفيذية والدولية بين الاتحاد والامارات.

حرصت دولة الإمارات منذ تأسيسها على بناء وتطوير الدولة والنهوض بها وتقدمها, مستفيدة من كافة الإمكانيات والطاقات المادية والبشرية المتوفرة لديها, فحققت الكثير من الانجازات والنجاحات في مختلف الأصعدة, فقامت ببناء مؤسسات الدولة التي تم الإشارة إليها, وحرصت على تفعيل الدور المتكامل بين الحاكم والمحكوم, من خلال مشاركة كافة أبناء الشعب الإماراتي في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, والمساهمة في عملية صنع القرار والاسهام بدور أكثر فاعلية في مجالات التنمية بمختلف أشكالها, وأكدت على أهمية كل فرد في بناء وتطور ونهضة الدولة والحفاظ عليها, بإتاحة المجال أمام أبناء الدولة لتولي وتقلد المناصب السياسية والوظائف الحكومية العمومية, وتعزيز المشاركة السياسية من خلال العملية الديمقراطية لانتخاب أعضاء المجلس الوطني الاتحادي, وعززت من دور وأهمية ومكانة مؤسسات المجتمع المدني في المساهمة في بناء الوطن ونشر ثقافة المحبة والتسامح والأخوة, وأولت اهتمام بالمرأة وأهمية دورها ومشاركتها في كافة مناحي ومجالات الحياة في دولة الإمارات باعتبارها شريكاً أساسياً في صنع واتخاذ القرار, وأهتمت بتوفير كافة متطلبات الحياة الكريمة لكافة أبناء الشعب, وذلك بالمحافظة على حقوق الإنسان والحرية والعدالة والمساواة والأمن.

قامت دولة الإمارات ومنذ اللحظات الأولى بتشييد المؤسسات والمرافق التعليمية كالمدارس والجامعات ومراكز الأبحاث لتعزيز الثقافة والتطور الحضاري ومواكبة التقدم والتطور والحداثة المستمر, كما أنشأت العديد من المؤسسات الصحية والخدماتية والمرافق الرياضية, وعملت على استصلاح الأراضي وتحويلها إلى أراضي صالحة للزراعة, وقامت ببناء وتشييد المرافق العمرانية والصناعية والسياحية وقد حققت نهضة وتطور ملموس في هذه المجالات, واستطاعت أن تحقق تنمية وطفرة اقتصادية كبيرة انعكست على كافة أرجاء الوطن والمواطن من خلال تعدد مصادر الدخل, وقامت بتشييد مؤسسة أمنية وعسكرية للحفاظ على أمن وسلامة واستقرار الدولة والدفاع عن أراضيها ضد أي أخطار, وحافظت على سيادة القانون وتطبيقه إلى جانب تفعيل مبدأ المسائلة والمحاسبة والشفافية, وكل ذلك يأتي انسجاماً مع ما قاله الشيخ زايد رحمه الله  "إن شعباً حرم كثيراً في الماضي من الخدمات والمرافق التي كان يتمتع بها غيره وقد آن الأوان لأن نعوض شعبنا ما فاته لينعم بما أعطاه الله لنا من خير وفير", ليكمل مسيرة الاتحاد, ويؤكد على أهمية البناء والتطور والتقدم وتحقيق الإنجازات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان, بعد أن تولى مقاليد الحكم بعد وفاة والد الشيخ زايد, مؤكداً على "إن هدفنا الأساسي في دولة الإمارات هو بناء الوطن والمواطن, وإن الجزء الأكبر من دخل البلاد يسخر لتعويض ما فاتنا واللحاق بركب الأمم المتقدمة التي سبقتنا, في محاولة منا لبناء بلدنا", لتتأكد مقولة "خير خلف لخير سلف".

لقد حافظت وحرصت دولة الإمارات على العقد الاجتماعي وتقوية العلاقة المتينة بين الحُكام وكافة أبناء الشعب الإماراتي والمكونات الاجتماعية في الدولة, من خلال التواصل المستمر والتقارب بين الحُكام والشعب وتقويته وترسيخه, وهذا ما أكد عليه الشيخ زايد رحمه الله  "إن الحاكم يجب أن يلتقي بأبناء شعبه باستمرار ويجب ألا تكون بينه وبينهم حواجز مهما تكن الظروف", وأيضاً "إن عملية التنمية والبناء والتطوير لا تعتمد على من هم في مواقع المسؤولية فقط، بل تحتاج إلى تضافر كل الجهود لكل مواطن على أرض هذه الدولة", وبالرغم من التطور والتقدم الذي تشهده الإمارات إلا أنها حافظت على الأصالة والحضارة والتراث والعادات والتقاليد, وعززت من الهوية الوطنية وترسيخ الانتماء والولاء وحب الوطن لدى جميع أبناء الدولة, والاستعداد لبذل الغالي والنفيس والتضحية دفاعاً عن الوطن.

تتمتع دولة الإمارات العربية المتحدة بمكانة وحضور متميز بين دول مجلس التعاون الخليجي, والدول العربية والإقليمية والدولية, وحرصت على ترسيخ علاقاتها مع كافة الدول العربية والأوربية والدولية, والانضمام والمشاركة الفاعلة في المنظمات العربية والإقليمية والدولية, كمجلس التعاون لدول الخليج العربي وجامعة الدول العربية والأمم المتحدة, ولأجل هذا فقد عملت على تحديد سياستها الخارجية وذلك بانتهاج الحكمة والاعتدال, والارتكاز على القواعد الاستراتيجية الثابتة المتمثلة في الحرص على الالتزام بميثاق الأمم المتحدة, واحترام المواثيق والقوانين الدولية, وإقامة علاقات مع جميع دول العالم على أساس الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين, والعمل على حل النزاعات والأزمات الدولية بالحوار والطرق السلمية, والوقوف إلى جانب قضايا الحق والعدل ودعم الاستقرار والسلم الدوليين, وتقديم المساعدات والخدمات والمشاريع بمختلف أشكالها لكافة شعوب العالم.

مع حلول الذكرى الرابعة والأربعين لقيام الاتحاد الإماراتي, استطاعت دولة الإمارات العربية المتحدة بفضل حكمة الحُكام والشيوخ والحكومة الرشيدة وتعاون الأبناء والوفاء المتبادل بين القيادة والشعب, وبإيمان القيادة بأهمية تبادل الآراء والأفكار ووجهات النظر والتشاور واستحضار الخبرة والمعرفة فيما بينها وبين الشعب, من بناء دولة نموذجية تواكب التطور والتقدم والحداثة والمحافظة على الأصالة والعراقة والتراث, لتمزج بين أصالة الماضي وعراقة الحاضر, ووفرت كافة متطلبات وسبل الراحة والحياة لشعبها, وحققت الأمن والأمان والاستقرار الداخلي والحفاظ على سيادتها, واستطاعت أن تحقق الكثير من الانجازات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي والثقافي والتكنولوجي, لتصبح قبلة ومحط اهتمام وإعجاب ووجهة الكثير من شعوب العالم, ودولة لها وزنها وثقلها وحضورها السياسي والاقتصادي المتميز والذي لا يمكن تجاهله من قبل المجتمع الدولي.

من أقوال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله عن الاتحاد " إن الاتحاد ما قام إلا تجسيداً عملياً لرغبات وأماني وتطلعات شعب الإمارات الواحد في بناء مجتمع حر كريم، يتمتع بالمنعة والعزة وبناء مستقبل مشرق وضاح ترفرف فوقه راية العدالة والحق، وليكون رائداً ونواة لوحدة عربية شاملة".