أن نكون أصحاب قضية... امتياز أم امتهان؟؟

بقلم: 

نعمة أم نقمة!

لا يختلف عاقلون حول عدالة القضية الفلسطينية منذ الانتداب البريطاني إلى الهجرة العكسية عام 1984(إحضار يهود العالم إلى فلسطين) المصاحبة للتهجير (ترحيل الفلسطينيين من أراضيهم وإحلال مكانهم اليهود وتحويلهم إلى لاجئين)، وإقامة دول الاحتلال (إسرائيل)، مروراً بالنكسة حتى أوسلو 1993، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية ودولة فلسطين، فلا يشكك عاقل أو حتى مجنون بأن الفلسطينيين أصحاب الحق وأبناء قضية عادلة إن لم تكُن الأعدَل على الإطلاق، ورغم عدالة القضية الفلسطينية إلا أنها لاتزال الأصعب والأكثر تعقيداً، فكانت تتصدر ملف الشرق الأوسط لسنوات طويلة إلى أن ظهر "الربيع العربي" في الأقطار العربية وبدأ الملف الشرق أوسطي يتحول إلى ملفات متعددة في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن والعراق المتأجج منذ اغتيال الرئيس صدام حسين، وبين الأطماع الدولية وفقاً للمصالح العالمية وأولوية ترتيب الملفات وبين تدخلات بعض الدول والأحزاب مثل قطر وتركيا وإيران وحزب الله في دول الربيع العربي، لم تعُد القضية الفلسطينية ذات الصدارة في الشرق الأوسط ولا حتى وسائل الإعلام.

تختلف فلسطين عن كل دول العالمة في قضيتها، لأن مشكلتها ليس في البحث عن ديمقراطية سياسية وليست ضد نظام سياسي، بل هي ضد احتلال أقام دولة على أرض فلسطين وحول معظم أبناءها إلى لاجئين فيها وفي مخيمات الشتات، واستمر في سياسة توسيع الاستيطان وهدم البيوت ومصادرة الأملاك والأراضي واقتلاع شجر الزيتون وبناء هيكل تحت المسجد الأقصى في القدس بإدعاءات دينية واهمة، وفرض عقوبات جماعية على الشعب الفلسطيني باختلاف أوجهها من اعتقال وأسر وحواجز عسكرية ونقاط تفتيش وإطلاق قطعان المستوطنين المسلحين للاعتداء على الفلسطينيين العُزل تحت حماية الجيش الإسرائيلي، واستمرار العمليات العسكرية ضد قطاع غزة مثل القصف بالطيران والاقتحام بالدبابات المُدججة عند المناطق الحدودية والقتل والتدمير للبنى التحتية وللمؤسسات والمنازل، ناهيك عن السيطرة على الحدود والحركة التجارية، كل ما سبق يرافقه دعاية إعلامية إسرائيلية قوية تفبرك وتقلب الحقائق وتنشر للعالم.

جرب الفلسطينيون من خلال قيادتهم العمل الفدائي المسلح قبل وأثناء تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية ثم انتقلوا إلى العمل السياسي والتسوية ولم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن إرهابه ضد الشعب الفلسطيني بل وواصل بشتى الطرق انتهاك حقوقه والاعتداء عليه وسرقة تراثه وهويته، وجرَ الفلسطينيين إلى انتفاضتين دفاعاً عن الكرامة الوطنية، انتفاضتين بالحجارة مقابل السلاح الحي والمطاط وقنابل الغاز المسيل للدموع، وها هو اليوم يجر الشعب الفلسطيني إلى انتفاضة جديدة إذا ما تطورت الهبات الجماهيرية إلى عمل مُنظم، انتفاضة تزيد فيها أعداد الشهداء والأسرى والبيوت المهدمة وبالمقابل تساقط النظرية الإسرائيلية بامتلاك الأرض والحق وبالأمان مع توسيع استيطاني وعقوبات جديدةً كنوع من الحفاظ على التواجد الإسرائيلي اللا شرعي.

عندما نسافر أو نتواصل مع مجموعات عربية عبر قنوات الاتصال الحديثة المنتشرة عالميا، نلحظ نظرة من الاحترام لنا لأننا أصحاب حق وأبناء قضية عادلة، نضحي بالأرواح وبالثمين والغالي من أجل حريتنا والتحرير، يصطحب تلك النظرة بعض الحسد مع التمني، الحسد بأن الضحايا الفلسطينيين هم شهداء استشهدوا من أجل الأرض والهوية والمقدسات الدينية لا من أجل بطش نظام سياسي، أما للتمني فهو بأن تكون الحدود مفتوحة ليحضروا ويرافقونا في معركة الصمود والتحدي.

وببين هدوء مؤقت تتبعه موجات انتفاض ثأراً للكرامة والحقوق والهوية الوطنية يتساءل الفلسطينيون إلى متى ستستمر دولة الإرهاب الإسرائيلي بانتهاكاتها للشعب الفلسطيني ضاربةً بعرض الحائط كل القوانين الدولية والاتفاقات السياسية؟ وإذا كان السلام لا يؤتِ أُكُلَه مع دول الاحتلال، فما هي اللغة التي تفهمها تلك الدولة؟ فإن كانت لغة العنف، فهل من العدل أن يقابل الحجر الفلسطيني الرصاص والدبابات والطائرات الحربية  الإسرائيلية؟؟ وأن يقابل الشهداء من المدنيين الفلسطينيين جروح طفيفة هنا وهناك في صفوف الجيش الإسرائيلي الذي يرافق المستوطنين في إرهابهم؟؟ وما هو الثمن الذي يجنيه الفلسطينيون من تساقط الشهداء؟؟ هل سيتم إخلاء الاستيطان؟ هل سيتم إلغاء الحواجز الإسرائيلية بين المدن الفلسطينية؟ هل سيتم هدم جدار الفصل العنصري الذي فصل الأرض الفلسطينية وحولها إلى تابعة للسيطرة الإسرائيلية؟ هل سيتم تسليم الحدود إلى الأجهزة الأمنية الفلسطينية كاملةً أو حتى تحت وصاية قوات دولية؟ هل سيتم تبييض السجون من الأسرى وتحريرهم؟ هل من الأخلاق السياسية وبنود الدبلوماسية اتهام زعماء ورؤساء دولة فلسطين بالتحريضيين والإرهابيين؟ هل كوننا أصحاب قضية عادلة يحسدنا العالم على عدالتها نعمة أم نقمة يدفع ثمنها الشباب والأطفال الفلسطينيين؟؟؟